الأربعاء 03 يونيو 2020

100 يوم على «كورونا الكويت».. كأنها أعوام

100 يوم على «كورونا الكويت».. كأنها أعوام

100 يوم على «كورونا الكويت».. كأنها أعوام

كان يوم الـ24 من فبراير الماضي، يوماً فارقاً في حياة جميع من يقيمون على أرض الكويت، ففي صبيحة ذلك اليوم أفاق الجميع على خبر عاجل تناقلته مختلف وسائل الإعلام «تسجيل أول 3 إصابات بكورونا»، الفيروس الذي كان ينتشر في دول الجوار وصل إلى البلاد، منسوب التوتر والقلق ارتفع والهواجس ألقت بظلالها على المجتمع بقوة، كيف لا يكون ذلك وقد كانت الأخبار تأتي تترا من دول مجاورة عن وفيات وإصابات بالفيروس الذي نشر رائحة الموت في كل مكان.

كان الناس يستعدون للاحتفالات بالأعياد الوطنية التي تنطلق سنوياً في مثل تلك الأيام، بيد أنها كانت فرحة مشوبة بالحذر لدى البعض، في حين واجه آخرون الأمر بحالة من عدم الاكتراث، إلى أن استمرت الإصابات بالارتفاع ليتفق الجميع على أن الأمر جلل، وأن صحة المجتمع مهددة من ذلك المرض الذي لا يحتاج إلى تأشيرة لدخول أي بلد.

وكما حصل في مختلف دول العالم، ولأنه وباء مستجد وظرف طارئ لم نعتد على أسلوب للتعامل معه، سيما أن الفيروسات والأوبئة السابقة لم تكن بضراوته، حدث الارتباك في الأيام الأولى لكن مختلف الجهات امتصت الصدمة وأعدت العدة لمواجهة «الموت الشبح» واستنفرت مختلف القطاعات.

من هو «المريض صفر» في البلاد؟

لم يُعلن حتى اللحظة عن هوية الحالة رقم صفر في الكويت، باستثناء أن ما تم الإعلان عنه أن الإصابات الثلاث الأولى التي سجلت في البلاد يوم 24 فبراير الماضي كانت لأشخاص عادوا من إيران التي كان الوباء يفتك بها آنذاك، غير أن حالة الوفاة الأولى كانت لمقيم هندي يبلغ الـ46 عاماً من العمر، وقد فارق الحياة في الرابع من أبريل الماضي في مستشفى جابر الذي كان الوجهة الأولى المخصصة للمصابين بالفيروس.

بورصة الإشاعات.. تزدهر

شيئاً فشيئاً ارتفعت أعداد المصابين بالفيروس، الأمر الذي صاحبه ارتفاع منسوب الإشاعات، أخبار مزيفة وصور ومقاطع فيديو مفبركة، وأخرى من دول مجاورة، كلها وجدت من بعض المتسرعين أو ضعاف النفوس بيئة خصبة، غير أن الأمر لم يستمر مطولاً فباتت الناس تميز بين الغث والسمين، تعرف مصادر الأخبار الموثوقة والأخرى الأقل مصداقية، ووضعت وزارة الصحة حداً لذلك من خلال المؤتمر الصحافي اليومي عند العاشرة صباحاً، فبات الناس ينتظرون كل صباح الأخبار بخوف مشوب بالحذر ولا يخلو منه دعاء بألا تكون الأعداد صاعقة.

يوم إعلان الإغلاق الكبير

في مطلع مارس الماضي، بدأ العالم ينكمش على نفسه، دول تغلق منافذها البرية والبحرية والجوية، وأخرى تضع خططاً لفرض حظر التجول والإغلاق التام، وذلك تبعاً لظروف كل بلد ومنحنى الإصابات والوفيات لديه.

أما في الكويت، فقد كان يوم الحادي عشر من مارس، عصيباً، إذ أعلنت الحكومة عن سلسلة من الإجراءات التي لم يعتدها المجتمع المفعم بالحياة - لكن كان لا بد منها حفاظاً على صحة المجتمع - وأول قرار تمثل في تعطيل القطاعات الحكومية والخاصة لأسبوعين ومنع التجمعات والأندية الرياضية والبنوك والبورصة ولائحة طويلة من الأنشطة الاقتصادية - الحياتية، دب الهلع في قلوب مئات الآلاف، ساعات مضنية كانت من تخزين مواد استهلاكية وتهافت على الجمعيات والأسواق، غير أن كل ذلك تبدد مع تطمينات الحكومة، صوتاً وصورة وبالأدلة القاطعة والجولات الميدانية، بأن كل شيء متوافر وأنها تقوم بدورها الذي يحتم عليها تأمين الحياة الكريمة للمجتمع.

الموت.. والحزن المضاعف

مع تسجيل المزيد من حالات الوفاة جراء «كورونا» في الكويت، كانت مساحة الحزن تتسع ليس فقط لدى ذوي الضحايا، إنما في المجتمع عامة، فمراسم الدفن بحد ذاتها مؤلمة، لا نظرة وداع أخيرة أو قبلة على جبين الميت، لا بل إن المشاركة تقتصر على عدد محدود من المشيعين، مع غياب تام لبيوت العزاء، وكيف لا يكون ذلك والوباء يفرض سطوته على الجميع، شخصيات كثيرة رحلت ولم تكن مصابة بالفيروس ومع ذلك حُرِم المجتمع من وداعهم بسبب الظروف الطارئة، ما ترك غصة في قلوب كثر وندبة ستبقى على الدوام في أرواحنا، ذلك الألم ستتناقله الأجيال ويروي الكبار لمن هم الآن أطفال، سيقولون: «قديماً يا جدي وفي عام 2020 فتك بالبشرية فيروس كان اسمه كورونا، منعنا من الخروج من المنازل، ومن الفرح لا بل حتى من الحزن، كان عاماً صعباً يا جدي، اليوم فيه كأنه شهور، والشهور فيه كأنها أعوام».

رحلات إجلاء تاريخية

كان مئات آلاف المواطنين خارج البلاد لا سيما أنه موسم إجازات وعطلة رسمية طويلة نوعاً ما، فبدأت أجهزة الدولة بتركيب الكاميرات الحرارية في المطار لفحص القادمين، واستمرت الطيور المهاجرة في العودة إلى البلاد بشكل متقطع غير أن ارتباطات نحو 60 ألف مواطن حالت دون عودتهم، فمنهم من يرتبط بدراسة وآخرون بعلاج في الخارج وغيرها من الالتزامات.

التوجيهات السامية كانت حاسمة، وقد منح أمر سمو أمير البلاد الحكومة بإعادة المواطنين الراغبين في العودة، لتمتثل الحكومة وتعلن عن خطة إجلاء من 4 مراحل، كانت مفخرة بمعنى الكلمة، إذ سخّرت الدولة مختلف الأجهزة وكل إمكاناتها في عمليات الإجلاء التي كانت إحدى أبرز النقاط المضيئة وسط ظلام الجائحة العالمية.

أساطيل طيران، فحوص، محاجر، تطبيقات وأجهزة ذكية، وجيش من أصحاب الاختصاص كل في مجاله، أعادوا أكثر من 30 ألف مواطن من أبناء الكويت إلى حضنها الدافئ.

خطة الإجلاء التاريخية استكملت شطرها الثاني بعملية استقبال العائدين براً، فلم يمضِ وقت طويل حتى بدأت البلاد باستقبال طلائع العائدين عبر الحدود البرية، إلى أن اكتملت الأعداد بوصول 4350 مواطن.

معدن الشعب والأصوات النشاز

«الناس في السكينة سواء.. فإذا جاءت المحن تباينوا» هكذا قال ابن خلدون قبل 600 عام، وأي محنة طبيعية أقسى من «كورونا» التي أظهرت معدن الشعب الكويتي في تكاتفه وحرص بعضه على بعض ومد يد العون للتخلص من ذلك الوباء، فالجمعيات الخيرية رفعت درجة الاستعداد إلى القصوى وتكفلت بمد يد العون لكل من تقطعت بهم السبل أو فقدوا أعمالهم ومصادر دخلهم بسبب الشلل الذي أصاب الاقتصاد وتعطل الأعمال وغالبية القطاعات بسبب الجائحة، «الهلال الأحمر» كانت هلالاً بحق في سماء البلاد، فقد ساهمت في مد يد العون لكل محتاج وتوزع أبناؤها على المحاجر والمستشفيات والأحياء السكنية «يبلسمون» جراحات خلّفها «كورونا».

على الرغم من أن رمضان هذا العام ترافق مع الوباء ضيفاً ثقيلاً على موائدنا وأوقف الكثير من عادات المجتمع، فإنه لم يوقف أعمال الخير، حيث قدمت الجهات الخيرية الدعم للأسر المتعففة والعمالة التي انقطعت أعمالها.

وتجلت الإنسانية في أبهى صورها في بلد الإنسانية، وليس أدل على ذلك من تصدي المجتمع للأصوات النشاز التي كانت تخرج من هنا وهناك بين حين وآخر، سواء من حيث مفردات لا تليق بكرامة البشر، أو الانتقاص من جنسيات معينة والصيد في المياه العكرة التي ترافقت مع الظرف المستجد.

المتطوعون.. أكبر من تصرفات فردية

في أتون تلك المعركة مع الفيروس، هبَّ المتطوعون للمساهمة في مختلف المجالات، وتوزعت أعداد كبيرة منهم على الجمعيات التعاونية التي انتشر الوباء بين عدد كبير من عمالتها، كما ساهم آخرون منهم في الأمور اللوجستية سواء في المحاجر أو مراكز الفحص الطبي أو المطار والمنافذ البرية، وقد دفع بعضهم أرواحاً ثمناً لذلك في حين أصيب المئات بالفيروس.

ورغم كل الجهود التي بذلوها كانت بعض التصرفات الفردية تعكر الأجواء، غير أنها تبقى فردية ولا يمكن تعميم حالات معدودة على الأصابع، على آلاف المتطوعين.

علاقة غريبة بين رصد الطقس والأوبئة

الفيروس مستجد، المعلومات عنه شحيحة والعالم لم يفك شيفرته الوراثية بعد، كل تلك العوامل فتحت الباب أمام أشخاص يبحثون عن شهرة أو زيادة أعداد المتابعين، فتدفقت معلومات مغلوطة من كل حدب وصوب، «فاشينستا» قالت إن شرب الماء باستمرار يخرج الفيروس من الحلق وقدمت لمئات آلاف المتابعين لديها تلك النصيحة من دون أي تردد أو احترام لأصحاب الاختصاص، هاوٍ للتنبؤ بالأرصاد الجوية طرح نفسه خبيراً في علم الفيروسات والأوبئة وأخذ يضرب موعداً لانحسار الوباء، وتغلّب عليه معالج شعبي بأن ضرب تاريخاً دقيقاً ليس للانحسار، إنما لانتهاء الجائحة بمجملها، وزايد عليهم مختص في إحصاءات الدوائر الانتخابية فبدأ هو الآخر يخرج بين فينة وأخرى بأرقام عن الإصابات المتوقعة ومرحلة الذروة وغيرها من المعلومات.

إشادات دولية بالجهود الصحية

في حين كانت الطواقم الطبية وبمساندة من المتطوعين والأجهزة الأمنية وغيرها من القطاعات، تنظم فحوصاً لعشرات الآلاف في أرض المعارض، التقطت الصحافة الأميركية ذلك الحدث، إذ نشرت صحيفة «نيويورك بوست» في 14 مارس صورة كبيرة لمركز الفحص بأرض المعارض، تحت عنوان «Sit & KUWAIT» مع خبر لفت إلى أن البلاد اتبعت أفضل المعايير والطرق العلمية الحديثة المتوافقة مع منظمة الصحة العالمية لمواجهة الفيروس.

وبعدها بأيام، وتحديداً في 19 مارس، كشف تقرير لموقع Our World In Data المتخصص في التحليلات البيانية ويتبع لجامعة أوكسفورد، أن الكويت جاءت الأولى عالمياً في عدد الاختبارات التي أجريت للكشف عن «كورونا» بالنسبة إلى عدد السكان.

بعد أن لقيت سيلاً من الإشادات في بداية الأزمة
كيف تحول الرضا الشعبي عن الحكومة إلى استياء؟

أبلت الحكومة في الفترة الأولى لبداية أزمة كورونا بلاءً حسناً، وفي سابقة قد لا تتكرر أجمع الفرقاء على نجاحها في التعاطي مع الظرف الاستثنائي، لا بل إنها قوبلت بتصفيق حار في مجلس الأمة الذي اعتدنا على بعض أعضائه لا يكفون عن توعدها باستجوابات وتصعيد الوزير الفلاني المنصة في 24 مارس الماضي، أي بعد مرور شهر كامل على تسجيل أول إصابات بـ«كورونا» في البلاد، بيد أن منسوب الرضا الشعبي عن الفريق الوزاري بدأ يتقلص وتحول إلى تذمّر مع وقوعها في سلسلة من الأزمات المركّبة.

كانت قضية الكمامات أولى القضايا الشائكة التي استهلكت رصيد الحكومة الشعبي، وتحولت إلى أشبه ما يكون بـ«بيض الصعو»، فتارة يعلن مجلس الوزراء رسمياً عن تكليف شركة التموين باستيراد ملايين الكمامات من أجل توزيعها في منافذ البيع بأسعار لا تتجاوز الـ 100 فلس للكمام الواحد، وهو ما حدث بعد جلسة 5 مارس الماضي، وتارة تعلن وزارة التجارة عن عزمها توزيع الكمامات ضمن التموين المقدم للمواطنين، ثم يتم تثبيت أسعارها، ليعقب ذلك ارتفاع الأسعار ثم التراجع عن قرار توزيعها.

واستمرت فصول دراما الكمامات، إذ تم الإعلان عن قرار من مجلس الوزراء بتسليم مخزون الكمامات لوزارة الصحة من أجل توزيعها على العاملين في الصفوف الأمامية، ليأتي القرار الأخير بإلزام جميع السكان بارتداء الكمام في الأماكن العامة، رغم شحّها وارتفاع أسعارها.

أزمة أخرى سحبت أيضاً من رصيد الحكومة، ألا وهي شح البصل في الأسواق، ففي الفترة الممتددة منذ نهاية مارس وحتى الأيام الأولى من أبريل غاب البصل عن كثير من الأسواق وارتفع سعره إن وجد بشكل مبالغ فيه، وانتشرت الفيديوهات التي تصور التهافت على البصل والمشاحنات في كثير من الأسواق بسبب تلك السلعة.

في 6 أبريل الماضي، قررت الحكومة عزل منطقتي جليب الشيوخ والمهبولة، وذلك في ضوء ارتفاع أعداد الإصابات بالفيروس فيهما، وذلك حق لا ينزاع أحد فيه الحكومة، غير أن عدم الاستعداد بشكل محكم أثار حفيظة شرائح واسعة سواء من سكان المنطقتين أو ممن شاهدوا طوابير الانتظار الطويلة من أجل اسطوانة غاز أو بعض أرغفة الخبز، لتتدارك الحكومة الأمر وتفتتح فرعاً سريعاً لجمعية تعاونية في المهبولة، غير أن ذلك جاء بعد تآكل نسبة كبيرة من الرصيد الشعبي.

قبيل عيد الفطر بأيام، ومع سريان حظر التجول الكلي، قرر الفريق الوزاري منح تصاريح خروج إلى الشاليهات والجواخير والمزارع، وسط حالة من الامتعاض لمن لا يملكونها والتفرقة في ما بينهم.

لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، فمع إعلان الحكومة عن مكافآت للصفوف الأولى، لقي التصنيف الذي تبنته حالة تذمر واسعة، سيما أنها أغفلت الكثير من الفئات المستحقة وفي مقدمتهم المتطوعين، ما فتح الباب لجدل واسع لم ينتهِ لغاية هذه اللحظة.

توالت الأزمات التي أوقعت الحكومة بها نفسها، إذ خلت المرحلة الأولى من خطة العودة المشتملة على 5 مراحل دور البنوك وشركات الاستثمار وغيرها من القطاعات التي تشكل عصباً رئيساً للاقتصاد الكويتي، ثم عادت تحت ضغط واسع لتعديل قراراتها، في حين ينتظر منها أن تحل مشكلة العمالة في المناطق المعزولة، فبعد أن عزلت حولي والفروانية وخيطان وواصلت عزل المهبولة وجليب الشيوخ، اتضح أن الأعمال فُتِحت لكن العمال محجورون.

منذ بداية الأزمة كانت الحكومة أشبه بالرهينة لدى مزاج «السوشيال ميديا» وكأنها تهادنه أو تطلب السلامة، ألغت مناقصات طبية وتراجعت عن عقود لمستلزمات غاية في الضرورة للطواقم الطبية، فقط لأن بضعة مغردين أبدوا معارضتهم لذلك، وفتحت الباب واسعاً للضغط عليها من قبلهم.

جميع الحقوق محفوظة