الاثنين 27 يناير 2020

لبنان: إقرار الموازنة خلف جدران الفصل

لبنان: إقرار الموازنة خلف جدران الفصل

لبنان: إقرار الموازنة خلف جدران الفصل

في «قلعة النواب» بساحة النجمة وسط بيروت، هرّب ممثلو الشعب اللبناني موازنة 2020 عبر دهاليز سياسية ودستورية، بعد أن حصنوا أنفسهم بجدران فصل اسمنتية، تفاديا لغضب المحتجين، الذين كانوا في المقابل يثورون خارج هذه الأسوار ويخوضون مواجهات عنيفة مع القوى الأمنية في وسط المدينة.

لم يتمكن الشارع المنتفض من منع الجلسة المخصصة لمناقشة موازنة حكومة الرئيس المستقيل سعد الحريري، لكنه نجح في تحويل مجلس النواب إلى «سجن كبير»، في مشهد لم يألفه اللبنانيون في سنوات الحرب الأهلية.

في سابقة نيابية، أقر مجلس النواب موازنة عام 2020 في جلسة واحدة وسريعة لم تستغرق أكثر من ساعتين. الجلسة، التي أثارت سجالا حول دستوريتها، شهدت جملة مواقف لافتة، إذ أقرت بموافقة 49 نائبا ينتمون إلى كتل «حزب الله» و«حركة أمل» و«التيار الوطني الحر»، في مقابل معارضة 13 وامتناع 8 نواب، بينهم نواب من «اللقاء الديموقراطي». أما نواب «المستقبل» فانقسموا بين الامتناع والمعارضة. وتأخر عقد الجلسة لبعض الوقت لعدم توافر النصاب، الذي تأمن بحضور نواب من كتلة المستقبل التي نجحت في انتزاع موقف من رئيس الحكومة الجديدة حسان دياب بتبني الموازنة، الذي أجاب على سؤال من النائبين بهية الحريري وسمير الجسر قائلا: «لو كنت لا أتبنى الموازنة لما كنت هنا اليوم». وفي مشهد غير مألوف مثّل الحكومة في الجلسة رئيسها حسان دياب، بعدما غاب كامل أعضائها، موضحا أن الحكومة في ظل وضعيتها الراهنة قبيل نيلها الثقة هي حكومة تصريف أعمال، ويفترض أن يكون عملها محصورا في إعداد البيان الوزاري، كما أنه لا يمكنها استرداد الموازنة أو عرقلة موازنة أعدتها الحكومة السابقة.

الرئيس نبيه بري أقرّ بضغط الاحتجاجات الشعبية وفعاليتها، إذ قال: «اليوم فعلنا المستحيل، وطلبنا تدخل الجيش حتى استطعنا عقد الجلسة». وطالب بري النواب بعدم مغادرة مبنى البرلمان قبل الانتهاء من إقرار الموازنة «لأنه سيصعب على أي نائب إن خرج أن يعود».

النائب جميل السيد رأى أنه «من الجريمة أن تصدر الموازنة كما هي ونحن في حالة سريالية فوضوية غير مسبوقة لا ينطبق عليها أي نص دستوري قائم لا في لبنان ولا في أي بلد آخر»، لافتا إلى أنه «ليس من حق مجلس النواب أن يلبس الحكومة الجديدة ثوبا ليس لها».

أفضل من الفراغ!

وعقب التصديق على الموازنة، علق رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط عبر حسابه على «تويتر» قائلا: «خطوة تصديق الموازنة أفضل من الفراغ واعتماد القاعدة الاثنية عشرية. يبقى على الحكومة أن تطرح الإصلاحات الجدية وفي مقدمها قطاع الكهرباء مع الهيئة الناظمة وقانون استقلالية القضاء. إنه بداية طريق طويل آخذين بعين الاعتبار القوى وأشباح الماضي المهيمنة على الحكومة والتي لا تبشر بالخير».

رشق البيض

وتزامنا مع انعقاد الجلسة، وفي ظل دعوات الحراك الشعبي للتجمّع في محيط وسط بيروت، اتخذت القوى الأمنية إجراءات أمنية مشددة، عند المداخل المؤدية إلى البرلمان، منعا لتكرار ما حدث في الأسابيع الأولى للانتفاضة، عندما نجح المحتجون في منع عقد جلسة تشريعية. وقامت القوى الأمنية بعزل وتحصين المنطقة المحيطة، حيث وضعت جدرانا اسمنتية على معظم المداخل، واستمر نقل البلوكات الاسمنتية ‏طوال الليل لإقفال كل الطرق. ونتيجة لذلك، بدت بيروت منطقة معزولة.

وحصلت إشكالات عدة بين المحتجين وعناصر الجيش الذين انتشروا بكثافة في المنطقة. وحاولت العناصر الأمنية إرجاع المعتصمين إلى نقطة أبعد عن المجلس، بعد محاولات عدد من المتظاهرين خرق الأسلاك الشائكة بهدف الوصول إلى مبنى البرلمان، ونجاح بعضهم في خرق السياج الحديدي الشائك. كما عمدت مجموعة من الشبان إلى رشق القوى الأمنية بالحجارة والمفرقعات النارية.

 

وقبيل انعقاد الجلسة تم قطع بعض الطرقات في بيروت وفي منطقة ذوق مكايل شمال بيروت. وكانت عناصر من القوة الضاربة في الجيش أقامت حاجزا على اتوستراد نهر الكلب وقامت بتفتيش الحافلات.

وانتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة من المتظاهرين حاولوا قطع موكب الوزير سليم عون وتوجهوا إليه هاتفين «حرامي حرامي». ورد عون على سيدة موجودة بين المتظاهرين: «وحدي متلك حرامية».

ريفي: سقطتم

وفي رد على الإجراءات التي حولت منطقة وسط بيروت إلى «سجن» كبير، اعتبر الوزير السابق أشرف ريفي أن «سلطة يجتمع برلمانها خلف جدران الفصل، سلطة فاقدة للشرعية الشعبية، ولا حل أمامها إلا الرحيل». وأضاف: «عمليا سقطتم. استقيلوا إراديا قبل أن يسقطكم الشعب».

من جانبه، اعتبر وزير الخارجية ناصيف حتي خلال مراسم التسليم والتسلم مع وزير الخارجية السابق جبران باسيل، أن علينا القيام بتحرك ناشط نحو عواصم القوى الكبرى والدول العربية الشقيقة والدول الصديقة وكذلك مع المنظمات والهيئات الدولية والإقليمية المعنية للعمل على توفير كل أوجه الدعم للبنان.

وفي المواقف الدولية من حكومة حسان دياب، قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إن «الكرة الآن في ملعب اللبنانيين، وعلى الحكومة اتخاذ الإجراءات التي نصّ عليها اجتماع باريس لدعم لبنان». وعما إذا كان يعتبر حكومة حسان دياب حكومة حزب الله، قال: «لا يعود لي إطلاق أحكام على الحكومة وننتظر البيان الوزاري».

  •  

جميع الحقوق محفوظة