الأحد 12 يناير 2020

خطة قتل قاسم سليماني: جيش من الجواسيس رصد تحرُّكاته

خطة قتل قاسم سليماني: جيش من الجواسيس رصد تحرُّكاته

خطة قتل قاسم سليماني: جيش من الجواسيس رصد تحرُّكاته

يتساءل الكثيرون حول ظروف وتفاصيل الضربة «الموجعة» التي نفّذتها الولايات المتحدة صباح 3 يناير الجاري، على موكب الجنرال قاسم سليماني في مطار بغداد، الذي يعتبر على نطاق واسع ثاني أقوى شخصية إيرانية بعد المرشد علي خامنئي، حيث كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أَن رحلة تعقّب سليماني، انطلقت قبل أكثر من 18 شهرا، حيث جرى وضع اغتياله في قوائم أميركية، في حال جرى تصعيد النزاع مع إيران.

وفي التفاصيل تقول الصحيفة، على مدار الأشهر الـ18 الماضية: كانت هناك مناقشات حول استهداف سليماني، وجرى وضع تصوّر بأنه سيكون من الصعب للغاية ضربه في إيران، فكر المسؤولون في ملاحقته خلال إحدى زياراته المتكررة إلى سوريا أو العراق، وركّزوا على تطوير جيش من الجواسيس في سبعة كيانات مختلفة للإبلاغ عن تحرّكاته، كانت هذه الكيانات: الجيش السوري، وقوة القدس في دمشق، وميليشيات «حزب الله» في دمشق، ومطاري دمشق وبغداد، وكتائب «حزب الله» في العراق وقوات الحشد الشعبي في العراق.

وبحلول الوقت الذي تصاعدت فيه التوتّرات مع إيران في مايو، من خلال شن هجمات على أربع ناقلات نفط، طلب جون بولتون، مستشار الأمن القومي للرئيس، آنذاك، من الوكالات العسكرية والاستخباراتية إنتاج خيارات جديدة لردع العدوان الإيراني. ومن بين الخيارات التي قُدمت لبولتون قتل الجنرال سليماني وغيره من قادة الحرس الثوري. في تلك المرحلة، ازدادت كثافة العمل لتعقّب رحلات الجنرال سليماني.

تحرّكات سليماني

بحلول سبتمبر، جرى ضم القيادة المركزية للولايات المتحدة والقيادة المشتركة للعمليات الخاصة إلى العملية للتخطيط لعملية قتل سليماني. نوقش استهدافه في مواقع مختلفة، بعضها في سوريا، وبعضها في العراق. وبدت سوريا أكثر تعقيداً، لأن الجيش الأميركي كانت لديه حرية أقل في الحركة هناك، ولأن الجنرال سليماني قضى معظم وقته مع عناصر «حزب الله»، ولم يرغب المسؤولون في جلبهم إلى المعركة والمجازفة بحرب جديدة في المنطقة.

وقامت العناصر التي جرى تجنيدها في سوريا والعراق بالإبلاغ من وقت لآخر عن تحرّكات سليماني.

وكشفت حملة تعقّبه أنه يسافر على عدد من شركات الطيران، وأحيانا يجري شراء تذاكر لرحلات متعددة لتشتيت عملية تعقّبه. ويضيف التقرير: كان يصعد إلى طائرته في آخر لحظة ممكنة، ثم يجلس في الصف الأمامي من درجة رجال الأعمال، حتى يتمكن من الخروج أولاً والمغادرة بسرعة.

وتضيف «نيويورك تايمز»: عندما سقطت الصواريخ على قاعدة K1 العسكرية بالقرب من كركوك في 27 ديسمبر، ما أسفر عن مقتل مقاول مدني أميركي، علم مسؤولو الاستخبارات الأميركية الذين يراقبون الاتصالات بين كتائب «حزب الله» وفيلق القدس أن الإيرانيين أرادوا مواصلة الضغط على الأميركيين، لكنهم لم يقصدوا تصعيد الصراع على مستوى عال.

لكن ذلك لم يكن مهمّاً للرئيس ترامب وفريقه، لقد قُتل أميركي، وهذا خط أحمر، وأخبره المستشارون أن إيران ربما أساءت تفسير تردده السابق في استخدام القوة دليلاً على الضعف. ولإعادة إرساء الردع، يجب أن يأذن برد صارم. وفي عطلته في مار لاغو في منتجعه بفلوريدا، وافق الرئيس على قصف خمسة مواقع في العراق وسوريا بعد يومين، ما أسفر عن مقتل 25 عضواً على الأقل من كتائب «حزب الله».

وبعد يومين، في 31 ديسمبر، رد المتظاهرون المؤيدون لإيران بمحاولة اقتحام مجمع السفارة الأميركية في بغداد وإشعال النيران. وأثاروا قلقاً من تكرار عملية الاستيلاء على السفارة في إيران عام 1979 أو الهجوم على سفارة بنغازي عام 2012، وطلب ترامب وفريقه أكثر من 100 من مشاة البحرية بالتوجّه إلى بغداد.

هذا، وتلقّى مشاة البحرية معلومات قليلة حول مهمتهم، كلما كانوا يعلمون أنه جرى إرسالهم لتأمين السفارة بأمر واحد واضح: إذا دخل المحتجون إلى المجمع فاقتلوهم.

استهداف منشأة نفطية

وفي 31 ديسمبر، حتى مع بدء الاحتجاجات، بدأت مذكرة سرية للغاية متداولة، وقّع عليها روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي الخاص به، وأدرجت أهدافاً محتملة، بما في ذلك منشأة طاقة إيرانية وقيادات وسفينة مراقبة يستخدمها الحرس الثوري لتوجيه قوارب صغيرة تضايق ناقلات النفط في المياه المحيطة بإيران.

كما أدرجت المذكرة ـــــ استهدف مسؤولين إيرانيين محددين بالقتل بضربة عسكرية ـــــ من بين الأهداف المذكورة، ووفقاً للمسؤولين كان عبد الرضا شهلاي، القائد الإيراني في اليمن، الذي ساعد في تمويل الجماعات المسلحة في جميع أنحاء المنطقة واللواء سليماني.

في تلك الفترة، عرضت جينا هاسبل مديرة الـ«سي آي إيه»، معلومات استخبارية تشير إلى أن الجنرال سليماني كان يستعد للانتقال من سوريا إلى العراق.

كما أن هناك معلومات استخباراتية إضافية، بأنه كان يخطط لهجوم واسع النطاق، يهدف إلى طرد القوات الأميركية من الشرق الأوسط.

بدورها، كانت هاسبل مقتنعة بوجود أدلة على وقوع هجوم آتٍ، وقالت إن عواقب عدم استهداف الجنرال سليماني أكثر خطورة من الانتظار. وطمأنت زملاءها بأن رد إيران سيكون محدودا. وتنبّأت بأن الرد الأكثر احتمالاً سيكون ضربة صاروخية غير فعّالة من إيران على القواعد العراقية، حيث تتمركز القوات الأميركية.

شاشات كبيرة

بدورها، كشفت شبكة «إن بي سي نيوز» أن عملية الاغتيال «بدأت في دمشق، حينما رصدت المخابرات الأميركية سليماني أثناء مغادرته مطار دمشق إلى بغداد»، لافتة إلى أن الأميركيين كانوا بانتظاره، من دون أن يعلم.

وأوضحت الشبكة أن «عددا من جواسيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية كانوا في مطار بغداد»، مشيرة إلى أنه «بعد هبوط الطائرة في مطار بغداد، رافقت طائرات أميركية من دون طيار موكب سليماني».

ونقلت عن مصدرين في المخابرات، ومسؤولين آخرين، أنه خلال استعداد الطائرات من دون طيار للعملية، كان المسؤولون الأميركيون يشاهدون المشهد على شاشات كبيرة. ولفتت إلى أن ثلاث طائرات من دون طيار اتجهت نحو موقع الطائرة التي يستقلها سليماني من دون أن تخشى اعتراضها في المجال الجوي العراقي، نظرا الى أن الجيش الأميركي يسيطر عليه بالكامل، وكانت كل طائرة مزوّدة بأربعة صواريخ هيلفاير.

وأشارت إلى أن نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس كان مسؤولا عن استقبال سليماني عند الساعة الواحدة صباحا في مطار بغداد الدولي.

وأكدت تورّط الاستخبارات الإسرائيلية في عملية اغتيال سليماني، مبينة أن المخبرين تابعون للمخابرات الأميركية، وجمعوا معلومات عن تحرّك سليماني من مطار دمشق الدولي باتجاه مطار بغداد، وأسهمت معلومات استخبارية إسرائيلية في تقاطع وتأكيد هذه المعلومات.

وأشارت الشبكة إلى أن مديرة وكالة المخابرات المركزية جينا هاسبل كانت تراقب الوضع من مقر الوكالة في فرجينيا، وكان وزير الدفاع مارك إسبر يراقب من مكان آخر، إضافة إلى بث العملية في البيت الأبيض، لكن دونالد ترامب كان في «فلوريدا» في ذلك الوقت.

وبيّنت أن الشاشات الكبيرة أظهرت أن اثنين من كبار المسؤولين دخلا سيارة سليماني والمهندس، قبل أن تنطلق سيارتهم، برفقة أشخاص آخرين. وأضافت إن الطائرات من دون طيار تبعتهم، كما سعى المختصون في استخبارات الإشارات إلى تتبع الهواتف المحمولة للمستهدفين لتأكيد هوياتهم.

وقالت الشبكة إن «طائرات أميركية من دون طيار بدأت في تعقب السيارات من مخرج المطار»، مضيفة إنه «بعد الموافقة الميدانية، أمر مراقبو غرفة العمليات المركزية في مقر القيادة الأميركية (سنتكوم) في الدوحة، بإطلاق أربعة صواريخ، ولم ينجُ من القصف أي شخص».

قوات خاصة

إلى ذلك، وفي الوقت الذي كانت فيه الإدارة الأميركية تترقّب سير الطائرة المسيّرة لقتل القائد السابق لفيلق القدس، كان فريق من القوات الخاصة على الأرض في بغداد يتتبع الجنرال الإيراني، وينتظر وصول الصاروخ إلى سيارته، أملاً في الحصول على مقتنياته، وهو ما حدث بالفعل.

ونشرت «فوكس نيوز» تفاصيل جديدة حول قتل سليماني، عرضتها في مقطع فيديو، وقالت إن مجموعة القوات الخاصة الأميركية تتبعت موكب سليماني منذ خروجه من مطار بغداد، وكانوا خلفه على بعد نصف ميل (حوالي 800 متر). ولم تحتَج سوى دقيقة أو دقيقتين للوصول إلى مكان سيارة سليماني التي جرى قصفها، وقالت الشبكة الأميركية إن تلك القوات أجرت تقييماً للأضرار، والتقطت الكثير من الصور، بالإضافة إلى تأكيدها أن سليماني قد قُتل بالفعل.

وحصلت الشبكة على صور من أحد المصادر الحكومية التُقطت من مكان الاستهداف، وبعضها لم تظهر من قبل، إحداها تُظهر جسد سليماني وهو يحترق بالقرب من السيارة، بالإضافة إلى صور أخرى قالت الشبكة إنها لن تنشرها بسبب فظاعتها.

وقال المصدر: إن القوات الخاصة سحبت جثة سليماني بعيداً عن السيارة المشتعلة، وأخمدت الحريق من أجل تحديد هويته، والتقت صوراً لمقتنياته التي تضمّنت كتاباً عن الشعر، ومسدساً، وبندقية، وأموالاً، والهاتف المحمول الخاص بسليماني الذي يحوي سجلات اتصالاته، ثم تحفّظوا عليها.

لكن الشبكة أشارت إلى أن الهاتف كان محترقاً بالكامل، الأمر الذي قد يجعل معرفة ما بداخله أمراً أشبه بالمستحيل.

صورة تُظهر جثة سليماني وهي تحترق قرب السيارة، تم إخفاء التفاصيل بسبب فظاعة المشهد | فوكس نيوز

 

سيارة سليماني محترقة

 

جميع الحقوق محفوظة