الأحد 17 مارس 2019

الأزمة الإسكانية أمام طريق مسدود

الأزمة الإسكانية أمام طريق مسدود

الأزمة الإسكانية أمام طريق مسدود

رسم خبراء عقاريون وعدد من ممثلي الحملات الاسكانية الشعبية، صورة تكاد تكون قاتمة، للمصير الذي ستؤول اليه القضية الاسكانية المأزومة في البلاد على مدى سنوات، جراء تزايد أعداد طلبات المواطنين للظفر بسكن يؤويهم، وفي ظل سياسات اسكانية ترعاها الحكومة تستنزف أموالا طائلة، ولكن بلا قدرة فعلية على طي صفحة الملف الشائك.
وبيّن الخبراء لـ «القبس»، ان تلك السياسات الاسكانية المرعية في الدولة، شديدة التعقيد وتمر بملابسات الارتباط بسياسات اخرى توزع «دم الملف الاسكاني» بين قبائل التلكؤ والتباطؤ ورميّ المسؤولية من كتف الى آخر، فتنفيذ المشاريع لا يتم الا بتشارك جهات حكومية عديدة بعضها يؤسس البنية التحتية وآخر يستقدم العمالة للبناء وبعضها يوصل المياه والكهرباء وغير ذلك كثير، وسط انفراد تام لـ«الإسكان» و«السكنية» بإدارة الملف الكبير، دون إرادة جادة لفتح المجال أمام إشراك القطاع الخاص في التنفيذ.
«القبس» تستجلي أوجه الانجاز وجوانب التقصير في القضية الاسكانية، في الملف التالي:

الجراح لـ «القبس»: استنزاف للميزانية بلا جدوى

توفيق الجراح

وصف رئيس اتحاد العقاريين توفيق الجراح، السياسات الإسكانية المرعية في البلاد بأنها «غير مجدية وتستنزف ميزانية الدولة بشكل كبير، في ظل تنامي تراكم الطلبات وعدم القدرة على تلبيتها في الأفق المنظور».
وأوضح الجراح لـ «القبس» أن السياسات الإسكانية تمر بتعقيدات كثيرة، لارتباطها بعدد من السياسات الخاصة بالبنية التحتية والتوظيف والمياه والكهرباء وسياسات استقدام الوافدين أيضاً، ويصف البعض سياسة الإسكان بالخطرة لاعتماد كثير من السياسات التنموية عليها.
وأكد أن السياسات المتبعة حالياً والمتعلقة بتوزيع القسائم غير قابلة للاستدامة، في ظل رغبة الأغلبية في الحصول على القسيمة والقرض معا. وبينما وزعت الحكومة قسائم في مناطق جابر الأحمد وصباح الأحمد ويجري تنفيذ مشاريع في المطلاع وغرب عبدالله المبارك وجنوب صباح الأحمد، تم توزيع نحو 40 ألف قسيمة من خلال شهادات التخصيص (على الورق)، مما يعني أن عدد الكويتيين الذين لم يستفيدوا حتى الآن من الرعاية السكنية ويصرف لهم بدل الإيجار يصل الى 140 ألف مواطن، حيث بلغ عدد الطلبات 100 الف طلب، أضيفت إليها 40 ألفاً تخصّ الذين وزعت عليهم شهادات التخصيص ولم يتسلموا قسائمهم، مما يرفع العدد الى 140 ألفاً.

تباطؤ اقتصادي 
وتطرق الجراح الى المساحات التي توزعها الحكومة والبالغة 400 متر مربع لكل مواطن، مشيرا الى ان من شأن ذلك زيادة الالتزامات على كاهل الحكومة، فبحسبان نسب البناء المتاحة البالغة 210 في المئة، نجد ان الحد الاقصى لمساحة البناء يصل الى 1200 متر مربع في القسيمة الواحدة، وهذا ينعكس على حجم توفير الكهرباء والماء والصرف والخدمات ويزيد كلفتها على الحكومة.
وأعرب عن أسفه للبطء الشديد الذي نراه في إنشاء نموذج اقتصادي لآلية التعاون مع القطاع الخاص في ما يخص إشراكه في تنفيذ المشاريع الإسكانية، على الرغم من إصدار بعض القوانين التي تقر إشراك «الخاص» في مشاريع الإسكان، إضافة إلى ضرورة الاستعانة بـ «الخاص» في تقديم حلول مبتكرة وأنماط معيشية جديدة داخل البلاد، مثل «نظام الكومباوند» المطبق في مصر ودبي، وهناك الكثير من الشركات الكويتية التي لها باع طويل في تلك الأنظمة التي تحقق خدمات إسكان تشمل مساحات خضراء وبحيرات وأماكن ترفيه وخدمات متكاملة.

حلول نوعية
واقترح الجراح بعض الحلول التي يتوجب على الدولة إتباعها لتغيير السياسات الإسكانية وتوفير أكبر قدر من الطلبات المتراكمة، من بينها: تجزئة العقار في المناطق السكنية الحالية والبيوت المؤهلة للتقسيم، بمعنى إصدار أكثر من وثيقة للبيت بحيث يوزع على هيئة طوابق، أما المناطق الجديدة التي لم تطرح بعد فيتم تخفيض نسب البناء بها إلى 100 في المئة فقط بدلا من 210 في المئة، وذلك لتخفيض التزام الحكومة في ما يتعلق بالبنية التحتية، خصوصاً الماء والكهرباء.
واقترح ايضا تطوير أنماط بناء جديدة بالتعاون مع القطاع الخاص، من خلال تشجيع نماذج «التاون هوس»، وهي البيوت المتلاحقة والمتلاصقة جزئيا، وتطوير الفلل القابلة للتقسيم كطوابق، وتطوير المناطق المتعددة الاستخدامات التي يتوافر فيها عنصر راق يجذب اليها المواطن.

توفير السيولة
ودعا الى ضرورة إصدار قانون الرهن العقاري وتوفير السيولة اللازمة لمالكي العقار لمدة لا تقل عن 40 عاما، بتكاليف تمويلية مدعومة وميسرة وطويلة الأجل، مع أخذ الضمانات اللازمة للدائنين وكذلك حفظ حقوق المدينين، خصوصا في حالات الوفاة والعجز أو عدم وجود دخل (فقدان الوظيفة).
واضاف ان تغيير السياسات الإسكانية الحالية يتطلب تعديل بعض القوانين المتعلقة بالقطاع الخاص، منها قانونا 8 و9 لسنة 2008 لإشراك القطاع بشكل أكبر في توفير السكن الخاص، وإضفاء صفة الإلزام على قانون اتحاد الملاك لحمايتهم عند تجزئة العقار وحفظ حقوقهم، داعيا الحكومة إلى توفير مزيد من الأراضي للرعاية السكنية عبر تحرير بعض الأراضي أو طرح مساحات من الأراضي السكنية بالمزاد العلني وغيرها من الطرق التي توفر الأراضي بغرض السكن.

العوضي لـ «القبس»: تحرير الأراضي.. وإشراك القطاع الخاص

إبراهيم العوضي

انتقد الرئيس التنفيذي لشركة أعيان العقارية إبراهيم العوضي السياسات الإسكانية التي تسير عليها الحكومة، معربا عن اعتقاده بأنها «لن توفر الكم المطلوب من الوحدات السكنية لتسكين المواطنين».
وقال العوضي لـ «القبس» إن البلاد في حاجة ماسة الى تحرير المزيد من الأراضي في خضم تزايد الطلبات الاسكانية عاما بعد عام، وتباطؤ الانجاز على كل المستويات.
واضاف ان المشاريع الإسكانية قيد التنفيذ، سواء في مدينة المطلاع وغرب عبدالله المبارك وجنوب صباح الأحمد وغيرها، تحتاج إلى 8 سنوات لتنفيذها، وتوفر 167 الف قسيمة فقط وهذا لن يكفي لتلبية الطلبات المتراكمة التي تبلغ حاليا 100 الف طلب، إضافة إلى 40 الف طلب وزعت على أصحابها شهادات التخصيص فقط، ويتوقع بلوغ الطلبات إلى 400 الف طلب بحلول 2040.
وبين ان عدد الوحدات السكنية المبنية يبلغ 151 الف وحدة، أي أن عدد الطلبات الحالي يعادل عدد البيوت المبنية في جميع محافظات البلاد تقريبا، وأن الأراضي الفضاء المتاحة تستوعب 35 ألف قسيمة فقط، مؤكدا أن الحكومة خلال السنوات الماضية أثبتت عجزها عن حل الأزمة الإسكانية، والدليل ارتفاع حجم طلبات الرعاية الإسكانية المتراكمة المستمر.

«الرهن» غير كاف
وعن القوانين والتشريعات التي يجب على الحكومة سنها للمساهمة في حل الأزمة الإسكانية، ويعد قانون الرهن العقاري واحدا منها عبر زيادة فترة التمويل مدة أطول، أكد العوضي ان إقرار الرهن العقاري وحده لا يكفي، بل يجب على الحكومة السعي إلى إشراك القطاع الخاص في تنفيذ مراكز عمرانية جديدة مستقلة بذاتها تضم مدارس ومستشفيات وأسواق خدمات ترفيهية، وتمثل فيها مختلف وزارات الدولة لجذب المواطن وترغيبه للسكن بها.
وأضاف: لا بد من اجراء تعديلات على قانوني 8 و9 لسنة 2008، وعلى المخطط الهيكلي الجديد للدولة، بما يتناسب مع اقرار وتنفيذ سياسات إسكانية جديدة.
وانتقد تعاطي المؤسسة العامة للرعاية السكنية مع الأزمة الإسكانية، وقال انها مشوبة بالبطء والروتين، كما انها غير جادة في إشراك القطاع الخاص لتنفيذ المشاريع الإسكانية، رغم إقرار القانون بذلك.

حلان لفكّ التشابك في الأزمة: هيئة تدرس الاحتياجات.. وإشراك المطور العقاري
بات إدخال المطور العقاري لتنفيذ مشاريع الدولة الاسكانية ضرورة نظرا لمساهمته في اشراك القطاع الخاص لبناء المدن والبنية التحتية مع تحديد هامش ربح خاص للشركات يدفعه المواطن نظير حصوله على بيت العمر.
ومن المفترض أن تواجه وزارة الاسكان العراقيل التمويلية المستقبلية بإسراع اقرار آلية ادخال المطور العقاري، وبإشراف حكومي تلحقه رغبات اصحاب القسائم التشطيبية.
وتوقعت مصادر مطلعة ان يبدأ ادخال المطورين بشكل فعلي لانجاز المشاريع، من مدينة جنوب سعد العبدالله «المدينة الذكية»،وكذلك في النصف الثاني من توزيعات مدينة جنوب صباح الأحمد، بإجمالي يصل الى نحو 25 الف وحدة سكنية، على ألا تقل النماذج عن 6 نماذج بأشكال وتصميمات حديثة، ويترك شأن التشطيب الداخلي والتصميم الى صاحب القسيمة بالتعاون مع المنفذ.
واضافت المصادر لـ «القبس» ان أسعار القسائم تبدأ من 70 الف دينار تضاف اليها نسبة بنحو %10 أرباحا للشركات، بفترة سداد محددة وفق التعديلات المنتظرة قانونيا.

هيئة مستقلة
وبينت المصادر ان من بين المقترحات التي يمكن ان تسهم في حلحلة القضية الاسكانية وضع استراتيجية عقارية تستهدف استقطاب المواطن والشركات، وفتح باب الابتكار والتجديد في أشكال المدن الجديدة ونماذجها، حيث يمكن لـ«الإسكان» توفير خيارات المطور العقاري حول مشروع ترفيهي عالمي أو بمول تجاري ضخم، أو ببناء وحدات سكنية حول أكبر بحيرة صناعية بالعالم، أو بين القنوات المائية، الامر الذي يجذب اصحاب الطلبات التي ناهزت الـ100 الف طلب.
وبات من المهم ايضا انشاء هيئة تتبع «الاسكان» وتهتم بدراسة مختلف احتياجات الأسر الكويتية، سواء الخاصة بالمساحات أو التصاميم العصرية، مع توفير السكن الجاهز للمواطن الى جانب القسائم، على ان تكون تكلفة بناء الوحدة تنافسية في السوق المحلية.

الهاجري: جهات حكومية فشلت في تلبية الاحتياجات
أعرب رئيس لجان أهالي المطلاع مشعل الهاجري عن زعمه بقدرة الدولة ممثلة في «السكنية»، على الوفاء بالتزاماتها بشأن توزيع القسائم وإنجاز البنية التحتية للمدن الجديدة، لكنه ألقى باللائمة في التأخير على جهات حكومية مثل وزارة الكهرباء والماء والبلدية والأشغال وهيئة الطرق، مؤكداً عدم قدرتها على تلبية احتياجات تلك المدن مستقبلاً.
وأضاف الهاجري أن وزارات مثل «الصحة» و«التربية» غير قادرة على تشغيل مرافقها في تلك المدن، مقترحاً إعطاء «السكنية» صلاحية طرح مناقصات لتشغيل المرافق.
وذكر أن القول بعدم جدوى التوزيع على المخطط مردود عليه، بأن الجزء الأخير من مدينة جابر الأحمد ومدينة صباح الأحمد ومنطقة غرب عبدالله المبارك جرى التوزيع على المخطط وتسلم الأهالي منازلهم وسكنوها.
وقال إن الفكرة ناجحة لكن المشكلة في بقية أجهزة الدولة، ولعل أكبر مثال على ذلك طرق مدينة المطلاع حيث لم توقع العقود حتى الآن، وفي حال تسلم الأهالي أذونات البناء سيكون عليهم أن يسلكوا بين 3 أو 4 كم في الرمال ليصلوا إلى مواقع القسائم، وكذلك الحال بالنسبة إلى توفير الكهرباء اللازمة لإضاءة تلك المدن الكبيرة.

جميع الحقوق محفوظة