الخميس 16 يناير 2020

مقتل سليماني هدية لفلاديمير بوتين

مقتل سليماني هدية لفلاديمير بوتين

مقتل سليماني هدية لفلاديمير بوتين

يرى دينس روس المساعد الخاص السابق للرئيس باراك أوباما، في مقال له بمعهد واشنطن ان مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني يمثّل هدية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويقول روس في مقاله: 

يشكل القتل المستهدف لقاسم سليماني تغييراً محتملاً في معايير اللعبة في الشرق الأوسط. ومن المؤكد أن فلاديمير بوتين يعتقد ذلك. ففي غضون أيام، سارع بالسفر إلى دمشق، ليس لدعم بشار الأسد أو تشديد قبضة موسكو في سوريا، بل لإظهار أن روسيا لا تزال طرفاً مركزياً لا يمكن تهميشه.

وكانت زيارته إلى سوريا أحد هذه الدلائل، وهو الأمر بالنسبة الى زيارته اللاحقة إلى تركيا. وفي اسطنبول، أصدر هو والرئيس رجب طيب أردوغان دعوة مشتركة لوقف إطلاق النار في ليبيا، علماً بأنهما يدعمان بفاعلية طرفين متناحرين في تلك البلاد. وهنا كان الرئيس الروسي، بعد وقت قصير من مقتل سليماني، يستعرض دوره كحَكَم حقيقي في المنطقة.

ويستمد بوتين الكثير من شرعيته في بلاده من نجاحه الظاهري في إعادة إرساء النفوذ الروسي على الساحة العالمية. وفي الواقع، تعذّر على الأميركيين والأوروبيين إلى حدٍّ كبير فهم التأثير النفسي لانهيار الاتحاد السوفيتي وخسارة المكانة والهوية الأساسية على الشعب الروسي وعلى بوتين نفسه. وربما نجح بوتين في إعادة الاستقرار الأساسي، إلا أن فشله في تأمين السلع الاقتصادية يقوّض منزلته تدريجياً. مع ذلك، لا تزال قدرته الفعالة على تعزيز مكانة روسيا الدولية مهمةً بالنسبة الى الكثيرين الذين شعروا بالإهانة عندما انهار الاتحاد السوفيتي، وبرزت أميركا كقوة مهيمنة في العالم.

ولكن عندما حاولت أميركا استخدام تلك القوة لأغراض سياسية، أثبتت أنها غير قادرة على الاستمرار، ودفعت نفسها أيضاً إلى التمادي. وقد سعى الرئيس باراك أوباما إلى تغيير نهج القيادة الأميركية في العالم وتحويله من استخدام القوة إلى استخدام القوة الناعمة ـــــ قوة التعبئة ــــــ أي قدرة الولايات المتحدة على أن تكون مصدر جذب، لكي يتمكّن الآخرون من تحديد أهداف واشنطن ودعمها. أما الرئيس ترامب فليس من المؤمنين بالدولية، فهو يحب استخدام القوة العسكرية لمرة واحدة، ولا يبالي كثيراً بالقوة الناعمة، ولذلك لا تتمتع الولايات المتحدة إلا بالقليل منها. والسؤال هو: مَن يتبنّى اليوم الأهداف الأميركية ويتوق إلى دعمها؟

حرب مع إيران

من الوهم الاعتقاد بأن الهجوم الصاروخي على القاعدة العراقية التي تتواجد فيها قوات أميركية كان مجمل ما سيفعله الإيرانيون للانتقام. فالمواربة والنكران سيكونان نهجهم. ولهذا السبب، وبسبب إعلان ترامب أنّ قتل الأميركيين خطٌّ أحمر، أصبح لدى أصدقاء أميركا في المنطقة سبب وجيه للقلق.

لكن يجب على الأميركيين أن يقلقوا أيضاً. فمع لجوء إيران إلى استخدام الأساليب الخفيّة، أو الأعمال الإرهابية أو الهجمات بواسطة الوكلاء على المنشآت النفطية والأهداف الناعمة الأخرى، ستتعرض إدارة ترامب لضغوط متجددة من أجل الردّ عليها. بالإضافة إلى ذلك، قد يعني إعلان إيران أنها لم تعُد مُلزمة بأيٍّ من القيود المنصوص عليها في الاتفاق النووي أن الجمهورية الإسلامية ستبدأ في التقليل بشكل كبير من الوقت اللازم لتخطّي العتبة النووية وإنتاج مواد انشطارية لصنع سلاح نووي. فماذا سيفعل ترامب آنذاك؟ فهو اليوم يشهّر بسياسة أوباما تجاه إيران، إلا أن سياسة أوباما نجحت في تمديد مدة تخطي العتبة النووية لدى إيران إلى عام واحد ـــــ وحتى قبل الهجوم ـــــ كان الخبراء يقولون إن المدة التي تحتاجها إيران لإنتاج المواد اللازمة لصنع سلاح نووي تقلّصت إلى أقل من ذلك. والواقع أن إمكانية نشوب حرب مع إيران لا تزال قوية، سواء بسبب سوء التقدير أو الحاجة إلى منع إيران من إنتاج سلاح نووي.

ومن الواضح أن الرئيس ترامب لا يريد صراعاً، ولكنه لا يتمتع بالقدرة الكافية على التوصل إلى وضع تبدأ فيه المفاوضات التي قال مراراً وتكراراً إنه يريدها مع إيران. ولا شك في أن المرشد الأعلى علي خامنئي لا يهتم بالتفاوض مباشرةً مع قاتل سليماني. وهنا يستطيع بوتين أن يلعب دوره، خاصة مع رغبته في الظهور بهيئة الحَكَم المحوري في المنطقة.

وسيط محتمل

ومن المفارقات أن كلا من ترامب وخامنئي يحتاجان مخرجاً. فالرئيس ترامب يريد أن يظهر بأنه أنهى انخراط أميركا في «حروب لا نهاية لها»، ولم يشنّ حرباً جديدة. أما خامنئي فلا يريد شن حرب مع الولايات المتحدة، كما أن الحماسة الداخلية التي يسعى لاستغلالها من مقتل سليماني لن تُغيّر الواقع الاقتصادي المرير في إيران. ومن جانبه، لا يريد الرئيس بوتين أن تنفجر المنطقة مع وجود القوات الروسية فيها.

لذلك، ثمة احتمالٌ كبير بأن يصبح بوتين هو الوسيط. ومن المرجّح أن يسارع ترامب إلى انتهاز الفرصة لإبرام اتفاق نووي جديد، وفق معيار واحد فقط: أن يكون قادراً على الادعاء بأن أعماله أفضل من تلك التي قام بها أوباما. ولا شك في أن بوتين سيستغل هذه النقطة فيقول لترامب إنه إذا أراد المزيد (مثل تنازلات حول تاريخ انتهاء الاتفاقية، ما يسمى «النفاذ الموقوت» أو انقضاء الاتفاق)، فعليه تقديم المزيد للإيرانيين عن طريق الإغاثة الاقتصادية والاستثمارات.

 

وهذا أمر طبيعي بالنسبة إلى ترامب، وبالنظر إلى رغبته في التوصّل إلى اتفاق، خاصة في عام الانتخابات الرئاسية الأميركية، يجب على المقرّبين من الرئيس أن يُطلعوه على بضعة حدود بسيطة، بل واضحة يجب الالتزام بها في أي اتفاق، وهي تمديد أحكام انقضاء الاتفاق لفترة 15 عاماً على الأقل أي من 2030 إلى 2045، وتوفير قدر أكبر من الشفافية بشكل عام، خاصة في ما يتعلّق بمواقع تخزين المواد النووية غير المعلنة، وتدمير جميع المنشآت والمعدات المستخدمة في اختبارات التسلّح، ووضع حد لعمليات نقل الصواريخ الإيرانية وتحديثات دقة الصواريخ المتواجدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وستكون من المفارقات الكبيرة حقيقةً، إذا كان انجذاب ترامب لبوتين يمكن أن يوفّر طريقاً لنزع فتيل التهديد الإيراني.

  •  

جميع الحقوق محفوظة