الأحد 13 سبتمبر 2020

ليس وقت الطوائف بل وقت لبنان.. بقلم: محمد بسام الحسيني

ليس وقت الطوائف بل وقت لبنان.. بقلم: محمد بسام الحسيني

ليس وقت الطوائف بل وقت لبنان.. بقلم: محمد بسام الحسيني

لبنان على مفترق طرق باتجاهين: إما استعادة التوازن أو التدهور نحو نموذج «الدولة الفاشلة». في ظل شح الموارد وتفاقم الأزمة الاقتصادية وعجز الدولة عن تسديد ديونها وتبخر الودائع المصرفية، واصلت الأحزاب السياسية تراشقها غير عابئة بالمطالب الشعبية والدعوات للتغيير. وقبل أن يزداد الوضع سوءاً وتتحول «الأزمة اللبنانية» إلى أزمة إنسانية إقليمية، وفي ظل ما يُرسم من خطط للمنطقة على صعيد مسارات الغاز والنفط للعقود القادمة في حوض البحر المتوسط، تدخلت فرنسا وحصلت على ما يُشبه «تكليفاً بالانتداب» بالتراضي بين الفرقاء المتخاصمين والعاجزين عن التفاهم، فسمَّت رئيس حكومة استجابت غالبية الأحزاب لتكليفه، ويبدو أنها أيضاً أعدت له فريقاً من المختصين ليقوموا بـ «المهمة» المطلوبة للإصلاح، وربما تتدخل باريس في المستقبل مجدداً وتطلب لهذه الحكومة «صلاحيات تشريعية» إذا ما استمر عمل المجلس النيابي في لبنان بذات الانقسامات والبطء في التشريع وعدم الجدية في إقرار القوانين اللازمة كالإصلاح القضائي وتشريعات مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية وكشف السرية المصرفية التي لم تعد تُشكّل سوى وسيلة تغطية لما حصل من ارتكابات في الماضي والبدء في عهد تُشدد فيه إجراءات الكشف عن الذمة المالية والضرائب لكل من يتولى منصباً عاماً مقابل الحصول على الدعم والمساعدات والتعاون الدولي المطلوب. ومن المحزن بعد كل ما حصل ويعانيه اللبنانيون أن تستمر المطالب بتقديم مصلحة الطوائف على الوطن بالإصرار على صلاحيات تبدو واهية بعد خسارة الناس ودائعهم، ومنها ما أُثير عن طلب حصرية وزارة المالية بالطائفة الشيعية، وخاصة بعدما أظهرته هذه الوزارة خلال المرحلة الماضية من مشاكل وجدل ونتائج سيئة، لذا فالمطلوب اليوم تقديم مصلحة لبنان على أي مصلحة أخرى «إنه وقت لبنان وليس وقت الطوائف»، وأي وزير نزيه وكفؤ يتولى المالية هو مطلب اللبنانيين أياً كانت طائفته. وبينما يُنظر للحكومة القادمة إذا أبصرت النور على أنها «انتقالية» يُفترض بكل الفرقاء والمجموعات السياسية القيام بمراجعة شاملة والعودة إلى المبادئ والسعي لمصالحة الشعب، لأن أسلوب التأجيج والتحريض والاستقواء والتهديد لم يعد يجدي في ظل دخول المجتمع الدولي كمراقب بل وكمشارك في المعادلة، فضلاً عن النكبة الاقتصادية التي يمر بها اللبنانيون والتي جعلت الكثيرين منهم يدركون مصالحهم ويراجعون أولوياتهم والشعارات الموضوعة أمامهم. ثورة 17 تشرين والقوى المنبثقة عنها أمامها مسؤولية تكوين مجموعات وطنية مدنية غير طائفية تكون نواة للوائح انتخابية مقنعة، وأمامها الوقت الكافي للمنافسة، خاصة إذا استفادت من تجارب سابقة مثل «بيروت مدينتي» في انتخابات بلدية بيروت. أما الأحزاب التقليدية فلابد أن تدرك أن الزمن يتغير حتى على مستوى هيكلية وإدارة الأحزاب، وأن الانزواء وشدّ العصب الطائفي لم يعد الحل، بل الخيار الصحيح هو في توسيع القواعد واجتذاب الكفاءات والانفتاح على أكبر عدد من اللبنانيين بعبور الحواجز الطائفية من الجهتين المسيحية والإسلامية، ولو احتاج الأمر مدى طويلاً إذ لا من بداية، فالحزب الحاكم في ألمانيا (الحزب الديموقراطي المسيحي) يفتخر بجذوره، لكنه يحكم أهم بلد صناعي في العالم وأكثر اقتصاد في أوروبا بمعيار وطنية وأوروبية لا بمعايير طائفية، وتحول الى خيمة كبرى للأفكار والتوجهات مكنته من قيادة بلاده سنوات طويلة. والجميع مدعوون قبل الانتخابات المقبلة إذا سارت أمور المرحلة القادمة برعاية دولية ولم تتدهور إلى إعداد مشاريع تُحدد برامج انتخابية مبكرة توضح فيها رؤيتها لدور ومستقبل لبنان وإجراءاتها العملية في مجالات خلق الوظائف والصحة والتعليم والخدمات الأساسية، وهي القضايا التي يشكل حلها أهم ما يطمح إليه اللبنانيون اليوم بعدما ملّوا من الخطاب السياسي التقليدي الذي كانت طيلة سنوات نقاشاً حول «جنس الملائكة» بينما كانت بنى الدولة تواصل انهيارها.

جميع الحقوق محفوظة