الاثنين 21 أكتوبر 2019

لبنان في قلْب «التوازن السلبي».. من يصرخ أولاً؟

لبنان في قلْب «التوازن السلبي».. من يصرخ أولاً؟

لبنان في قلْب «التوازن السلبي».. من يصرخ أولاً؟

كتب: زكريا وحيد

قال رئيس الحكومة سعد الحريري كلمتَه ومشى «لا استقالة»، وردّ الشارعُ بصوتٍ واحد «الشعب يريد إسقاط الحكومة و... النظام». معادلةٌ صعبةٌ ارتسمتْ أمس في اليوم الخامس من «الثورة البيضاء» التي انفجرتْ في لبنان من قلْب الأزمة المالية - الاقتصادية الخانقة التي يعيشها وبوجه كل القوى السياسية وأدائها الذي اقتاد البلاد إلى حافة الانهيار.
ومع سقوطِ الرهان، أقلّه يوم أمس، على أن يتعبَ «الثوار» الذين لم يتركوا الساحات من وسط بيروت، إلى جبل لبنان، والشمال والجنوب والبقاع، ورسَموا لوحاتٍ مبهرة من الطوفان البشري الذي ناهَزَ الأحد الـ 1.7 مليون نسمة، تزايدتْ الأسئلة حول «الخطوة التالية»، للسلطة التي تعتبر أنها قامت بما عليها عبر إقرار ورقة إصلاحية إنقاذية ومشروع موازنة (لسنة 2020) بعجز يناهز صفر، كما للحِراك الذي يقف أمام تحدّي القدرة على «الصمود» في ظل غياب أطر تنظيمية واحدة وبرنامج أولويات واضح.
فيما حمَلَ الجوابُ السريع لـ«أبناء الانتفاضة» على كلمة الحريري بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء والذي تجلّى في التهافت إلى وسط بيروت بعد «استرخاءٍ» حتى أولى ساعات بعد الظهر إشاراتٍ صريحةً إلى أن «شعلة الثورة» ما زالت متوهّجة، فإن الأنظار اتجهت إلى مآل «التوازن السلبي» الذي بات يحكم البلاد بين السلطة والشارع، والأهمّ إلى ما إذا كانت الطبقة الحاكِمة ستكتفي بترْك الحِراك يأخذ مداه على أمل أن يستنزف طاقاته وإصرارَ المنخرطين فيه أم أن بعض أطرافها سيلجأ إلى تخريبه عبر افتعال إشكالات أو الزج بمندسّين لإطلاق طروحات انقسامية من شأنها تشويه شعارات الثورة وعناوينها الجامعة حتى الساعة.
ورغم رسم الرئيس الحريري ما يشبه «خط الدفاع» عن المتظاهرين وحقّهم بالاستمرار في تحرّكهم السلمي ورفْض أي قمْع لهم، فإن ما عزّز الخشية من سيناريو «تفخيخي» للحِراك بروز بعض المَظاهر صباح أمس اعتُبرت بمثابة «تمرين تخريبي» أثار مخاوف من «نسخة مُطَوَّرةٍ» منه ليلاً وخصوصاً في ساحتيْ رياض الصلح والشهداء اللتين تُعتبران «قلب الانتفاضة» وعقْلها، إلى جانب الاحتجاجات التي لا تقلّ زخماً في طرابلس التي بدت وكأنها «عروس الثورة» وصور التي تثور من خارج كل التوقّعات والنبطية التي لبّت نداء التغيير، وجبل لبنان المسيحي والدرزي الذي «يزحف» إلى الساحات، وبعلبك التي عادت إلى «تحت الشمس».
وعلى أهمية المقررات التي خلص إليها مجلس الوزراء والتي جاءت ضمن مهلة الـ 72 ساعة التي كان حددها الحريري لشركائه في الحُكم للسير بورقةٍ تحاكي تطلعات الناس وتلبي شروط المجتمع الدولي للإفراج عن مخصصات مؤتمر «سيدر» وتالياً تفادي لجوئه إلى الاستقالة، فقد بدا وهج الشارع «المليوني» أقوى من مضمون ورقة الإصلاحات وخريطة الطريق التي حدّدتها الحكومة لإعادة البلاد إلى مسارها الطبيعي.
واعتبرت أوساط سياسية أن ما قامت به الحكومة أمس يصعب أن يكون كافياً للجْم اندفاعة الشارع، الذي أصابت احتجاجاته الجارفة الائتلاف الحكومي ومكوّناته التي بدت كأنها تسير على «أرض رخوة» شعبياً، ولا سيما فريق عون والرئيس الحريري وحتى الثنائي الشيعي «حزب الله» وحركة «أمل»، فإن جلسة مجلس الوزراء أمس شكّلت مؤشراً واضحاً إلى حجم الأضرار التي لحقت بالحكومة التي أصيبت بتفسخات لا يُستهان بها، بدءاً باستقالة وزراء «القوات اللبنانية» الأربعة، وصولاً إلى الأجواء غير المُريحة إطلاقاً التي سادتْ مداولات أول اجتماع وزاري «ما بعد الثورة».
وقد تقاطعتْ المعلومات عند أن جلسة الأمس، التي بدأها عون بتأكيد أنّ «ما يجري في الشارع يُعبّر عن وجع الناس، ولكن تعميم الفساد على الجميع فيه ظلم كبير»، شهدتْ أجواءَ بالغة التوتر ولا سيما على خلفية «الجبهة المفتوحة» بين «الحزب التقدمي الاشتراكي» (بزعامة وليد جنبلاط) وبين فريق عون وتحديداً وزير الخارجية جبران باسيل الذي برزتْ «هجمةً» ثلاثية عليه عكستْ تحميلاً ضمنياً ومباشراً له مسؤولية ما آل إليه الواقع المأزوم.
وفي موازاة إعلان جنبلاط عشية اجتماع الحكومة «أن بعض الوزراء يجب أن يتنحوا ولا يمكننا البقاء معهم في الحكومة»، مسمياً باسيل الذي قال إنه «يجب أن يتنحى أيضاً»، لفت إلى أن رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية (حليف «حزب الله») أكد أنه «إذا أراد الرئيس عون أن ينقذ الجزء الثاني من ولايته، ربما سيكون مضطرّاً إلى أن يضحّي بجبران باسيل»، قبل أن يعتبر الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي «أن المدخل لحل الأزمة الراهنة هو باستقالة الحكومة وإعادة تكليف الرئيس الحريري تشكيل الحكومة الجديدة مع فريق عمل متجانس (...) وإذا كانت هناك صعوبة في تشكيل حكومة جديدة، فيجب إجراء تعديل وزاري ووضْع حدّ لاستعلاء البعض وفوقيته ومنهم الوزير باسيل».
بينما لم يكن ممكناً تقدير إذا كان الحريري سيدفع نحو تعديل لبعض الوزراء وكيف سيتصرف حيال استقالة وزراء «القوات» والبدائل المحتملة لهم، فإن رئيس الحكومة حاول في كلمته بعد جلسة مجلس الوزراء والتي تجاهل فيها أن مطلب المحتجين هو إسقاط الحكومة، تهدئة المتظاهرين وفي الوقت نفسه الإيحاء بأن الاستمرار بتحرّكهم قد يشكّل ورقة ضغط للمضي بتنفيذ الإصلاحات كما وفّر «انفجارهم» قوة دفْع لإنجاز الورقة الإصلاحية وموازنة «الصفر عجز».
وقد اعتبر الحريري أنه «منذ تشكيل الحكومة وأنا أطالب الأفرقاء بتحقيق الكرامة الفردية لكل مواطن بحيث نؤمّن لهم كلّ احتياجاتهم من تعليم وطبابة وغيرها»، موضحاً «الشباب انفجروا نتيجة اليأس ونزلوا الى الشارع تعبيراً عن الغضب، وقد أعطيت شركائي مهلة 72 ساعة لتأمين سلسلة من الإجراءات»، ومتوجّهاً للمتظاهرين «القرارات التي اتخذناها قد لا تحقق مطالبكم، وهي ليست للمقايضة او للطلب منكم وقف التظاهر وواجب الدولة ان تحميكم وتحمي التعبير»، مضيفاً «انتم البوصلة ومن حرّك مجلس الوزراء وهو ما أوصل الى القرارات التي اتخذناها والى الانقلاب المالي الذي أنجزناه اليوم».
ولفت قول الحريري للمحتجين «صوتكم مسموع وإذا كان مطلبكم انتخابات مبكرة للتعبير فأنا كسعد الحريري معكم»، وذلك بعدما كان جنبلاط دعا الى «تعديل وزاري جذري، ولاحقاً إلى انتخابات نيابية من خلال قانون لا طائفي قد يكون فيه لبنان كله دائرة واحدة».

أبرز بنود الورقة الإصلاحية

أقرّ مجلس الوزراء اللبناني مشروع موازنة 2020 بنسبة عجْز 0.63 في المئة ومن دون فرض أي ضريبة إضافية على الناس.
ومن أبرز مقرّرات الحكومة في الموازنة والورقة الإصلاحية:
- مساهمة القطاع المصرفي ومصرف لبنان بخفض خدمة الدين العام لسنة 2020 بنسبة 50 في المئة (4.500 مليار أي 3 مليارات دولار)، وفرض ضريبة دخل استثنائية على المصارف لسنة واحدة بما يؤمن مبلغ 400 مليون دولار.
- خفْض رواتب الرؤساء والوزراء والنواب الحاليين والسابقين بنسبة 50 في المئة.
- إعداد مشروع استعادة الأموال المنهوبة، وإقرار مشاريع المرحلة الأولى من مؤتمر «سيدر» خلال ثلاثة أسابيع.
- تخصيص 20 مليار ليرة إضافية لبرنامج دعم الأسر الأكثر فقراً.
- الموافقة على اتفاقية القرض مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي للمساهمة في تمويل مشروع الإسكان - المرحلة الثانية، بقيمة 50 مليون دينار كويتي (نحو 165 مليون دولار) وتفويض رئيس مجلس الإنماء والإعمار بالتوقيع عليه، إضافة الى تكليفه استكمال التفاوض مع الصندوق لتأمين قرض جديد لصالح المؤسسة العامة للإسكان بالشروط عينها المنصوص عنها في مشروع الاتفاقية المشار إليها أعلاه.
- تعيين الهيئات الناظمة للكهرباء والاتصالات والطيران المدني، وبورصة بيروت.
- تعيين مجلس إدارة كهرباء لبنان، وتسريع تلزيم معامل إنتاج الكهرباء والانتهاء من التلزيم في 4 أشهر مع وضع سقف أقصى لعجز الكهرباء قدره 1.500 مليار ليرة.
- الموافقة على إلغاء وزارة الإعلام والبدء بعملية إشراك القطاع الخاص في شركتيْ الخليوي، وبورصة بيروت، شركة طيران الشرق الأوسط، شركة الشرق الأوسط لخدمة المطارات، مؤسسة ضمان الودائع، شركة سوديتيل، كازينو لبنان، شركة انترا، مرفأ بيروت، إدارة حصر التبغ والتنباك، ومنشآت النفط.
- العمل على إقرار مشروع قانون العفو العام في مهلة أقصاها نهاية العام الحالي.

صراخ ومنفضة و... انسحاب

لم يسبق لجلسة وزارية في لبنان أن شهدت تسريب سيناريواتٍ متضاربة حول مداولاتها على غرار ما حصل خلال اجتماع الحكومة أمس، لإقرار ورقة الإصلاحات ومشروع موازنة 2020.
وكانت الأنظارُ مركّزةً على كيفية انتقال رئيس الحكومة سعد الحريري والوزراء إلى قصر بعبدا، تفادياً لمواجهة «غضبة الثوار» في الطرق وسط تقارير لم يتوانَ بعضها عن الكلام عن «تَخفّي» هؤلاء ووصول بعضهم في سيارات للصليب الأحمر (وهو ما نفاه الأخير)، احتلّت الشاشات روايتان حول مجريات جلسة مجلس الوزراء، الأولى بعنوان «ولعانة» والثانية «رواق»، بدا معها وكأن الكلام كان يجري عن جلستيْن كلّ واحدة «على كوكب»، الأمر الذي عَكَسَ خشيةً كبيرة من أطراف السلطة من تَسَرُّب أي أجواء سلبية بينها إلى الشارع الذي كان «على سلاحه».
وتمحورت هذه «الازدواجية» حول وقائع ما جرى تحديداً بين وزيريْ «الحزب التقدمي الاشتراكي» (بزعامة وليد جنبلاط) وائل أبو فاعور وأكرم شهيب من جهة وبين فريق رئيس الجمهورية ميشال عون وتحديداً الوزير جبران باسيل.
فيما نُقل بداية عن فريق جنبلاط أن الأجواء «ولعانة بيننا وبين باسيل» بشأن المواضيع الاقتصادية والإصلاحية والسياسية التي كانت تُناقَش بالتوازي مع كلام عن «رمي منفضة من وزير على آخَر» وعن صراخٍ سُمع إلى خارج قاعة مجلس الوزراء، سارعتْ رئاسة الجمهورية في خطوةٍ غير مألوفة إلى تأكيد أن الأجواء إيجابية وهادئة في الجلسة، في موازاة تسريبِ مصدر وزاري أن النقاشات خالية من المشادات وأن كل ما جرى أن أبو فاعور طلب بهدوء مناقشة بنود الورقة الإصلاحية.
إلا أن «التقدمي» حرص على تأكيد أن جلسة مجلس الوزراء توقّفت مرتين بسبب الخلاف السياسي بين ابو فاعور وشهّيب وبين باسيل حول الورقة الإصلاحية، قبل أن يُكشف أن الأخيريْن انسحبا من الجلسة قبل انتهائها لأنها لم تأخذ بكل مضامين اقتراحات «الاشتراكي» الذي عقد مساءً مؤتمراً صحافياً تحدّث فيه عن موقفه من الورقة والواقع الحكومي. علماً أن أبو فاعور قال بعد مغادرته، «وزراء التيار مستبدون ولا يريدون تحرير ملف الكهرباء من قبضتهم».

220 مليون دولار كلفة
كل يوم إقفال على الاقتصاد

تستمرّ المصارف اللبنانية في قفْل أبوابها غداً، لليوم الرابع على التوالي في ظلّ الواقع المستجدّ منذ انطلاق الثورة العابرة للمناطق في «بلاد الأرز».
وبدأ امتناع المصارف عن العمل، لاعتبارات أمنية وذات صلة بقطْع الطرق المستمرّ في العديد من المناطق، يوجِد حالات إرباك في ضوء تأثير هذا الأمر على عمليات السحب عبر الصرافات الآلية ATM، فإن الاحتجاجات التي لم تهدأ منذ الخميس الماضي، والتي تترافق مع شبه توقف كامل في النشاط التجاري يكبّد الاقتصاد اللبناني خسائر قدّرها خبراء بنحو 220 مليون دولار في اليوم.
تَرافَقَ ذلك مع انعكاس الاحتجاجات العارمة وما تؤشر إليه من وقوف لبنان أمام مفترق سياسي يُخشى أن تكون له تداعيات أمنية، هبوطاً في السندات الحكومية للبنان بمقدار أكثر من سنت واحد أمس، حيث هوى إصدار 2025 بمقدار 1.34 سنتاً في الدولار، ليجري تداوله عند 65.5 سنت، وفق بيانات تريدويب، لتصل خسائر السندات في يومين إلى نحو أربعة سنتات.

صهر عون وسط المتظاهرين

شارك عضو تكتل «لبنان القوي» النائب شامل روكز، صهر الرئيس ميشال عون، في التظاهرت بمزرعة يشوع، إحدى القرى اللبنانية في قضاء المتن بمحافظة جبل لبنان.
وظهر روكز في صور تداولتها وسائل الإعلام، محمولاً على الأكتاف.
وفي اتصال مع قناة «LBCI»، روى روكز ما حصل، قائلاً إنه «كان آتياً مع عائلته من اللقلوق، ولدى مروره في منطقة مزرعة يشوع، وجد الطريق مقطوعة».
وأضاف: «نزلت من السيارة، وسلّمت على الشباب، وحملوني، وكانوا حبّوبين (ظريف). الأمر عادي».

جميع الحقوق محفوظة