الأربعاء 24 أغسطس 2022

لبنان على حافة خريف سياسي - معيشي لاهب

لبنان على حافة خريف سياسي - معيشي لاهب

لبنان على حافة خريف سياسي - معيشي لاهب

بين صوامع إهراءاتِ مرفأ بيروت التي اكتمل «دفنُ» الجزء الشمالي منها، والمَخاوف من تَحَوُّل الانتخاباتِ الرئاسية «جاذبة صواعق»، ازداد حبْسُ الأنفاس في لبنان أمس وسط ملامح اشتداد العاصفة المالية الشاملة التي يُخشى أن «تغذيّها» الانسداداتُ السياسية وتشظياتها المتعدّدة البُعد.

وفيما يستعدّ لبنان لسبتمبر (سبتمبر) «لن يكون طرفه مبلولاً» بإنجاز الاستحقاق الرئاسي (مهلته الدستورية بين 1 سبتمبر و 31 أكتوبر) بل بإطباق الاختناقات المعيشية على خناق اللبنانيين الذين «يشدّون الأحزمة» استعداداً لشهر العودة - الكابوس إلى المدارس، ومن خلف ظهْر دخول ملف الترسيم البحري مع اسرئيل المنطقة الرمادية التي قد يقبع فيها لأسابيع - ما لم يستجدّ طارئ يُمْلي ضغطاً على زنادٍ أو «مفاجأة سعيدة» من خارج التوقعات - استقطب الغبار الذي تصاعد من انهيار آخِر أربع صوامع من الجزء الشمالي لإهراءات مرفأ بيروت العدسات التي وثّقتْ تَناثُرَ جزءٍ جديد مما تحوّل منذ 4 اغسطس 2020 «حافظ ذاكرة» بيروتشيما و«شاهداً حياً» على الانفجار الهيروشيمي الذي لم «يبرد دمه» بعد.

 

ووجد رئيس حكومة تصريف الأعمال، المكلف تشكيل الحكومة الجديدة، نجيب ميقاتي نفسه يوزّع مهماته بين القضايا الملحّة مالياً ومعيشياً وبين مواكبة التداعي الدراماتيكي لكامل الجزء الشمالي من الإهراءات الذي «نهشتْه» الحرائق المشتعلة منذ أسابيع والتي اندلعت بفعل تخمُّر كميات كبيرة من الحبوب والقمح الموجودة داخل الصوامع ويتّهم أهالي ضحايا «بيروتشيما» السلطات الرسمية بترْكها تشتعل لتطمس مسرح جريمةٍ ما زالت برسْم مجهول وقيد تحقيق... مقيَّد.

وفيما كان ذوو الضحايا ينفّذون تحركاً رفْضاً لـ «الجريمة الثانية» التي تُرتكب ولـ «محو» آثار زلزال 4 أغسطس مكررين التمسك بمنْع أي أعمال في موقع سقوط الصوامع «إذ فيها ما زالت أشلاء لأبنائنا»، حاول ميقاتي استباق غضبة الأهالي بترؤسه اجتماعاً خلص لطلب وضع تقرير حول إمكان إنقاذ الصوامع الجنوبية لمبنى الاهراءات والمحافظة عليها كمَعلم تاريخي «تخليداً لذكرى شهداء انفجار المرفأ» بعد درس مدى تأثُّرها بتداعي الجزء الشمالي.

وتقاسَم هذا الملف اجتماعات ميقاتي جنباً إلى جنب مع القضايا المتصلة بالأزمة المالية الآخذة في الانفلاش، في ظلّ سباقٍ بين صرخات غالبية القطاعات، ولا سيما العاملين في القطاع العام، لتحسين الرواتب والأجور وضمان ديمومة أي آلية في هذا الإطار، وبين عدم قدرة الدولة على تأمين عائدات لتغطية أكلاف مثل هذه التحسينات البدهية من دون توفير مداخيل جديدة لطالما جرى استسهال تحصيلها من رسوم وضرائب على طريقة «لحس المبرد» وفق ما عبّر عنه طرْح رفع سعر الدولار الجمركي من 1500 ليرة إلى 20 ألفاً، قبل أن تحاصر هذا الاقتراح اعتراضاتٌ سياسية تدعو للرفع المتدرّج (أولاً لما بين 8 و12 ألف ليرة)، ويبرز تقاذُفٌ لكرة المسؤولية عن قرارٍ سيرتّب تفلُّتاً كبيراً في الأسعار، ومحاولة وضْع «مفتاحه» تارة في جيْب وزير المال وطوراً الحكومة وتارة أخرى مجلس النواب.

وفي حين باغت مجلس القضاء الأعلى الجميع أمس بتبنيه «مطالب القضاة وما استتبعها لناحية الاعتكاف» الذي كان أعلنه 400 قاض (من أصل 560) احتجاجاً على تدني قيمة رواتبهم وذلك «لحين تنفيذ ما تم التوصل إليه بهذا الشأن»، لافتاً إلى أنّ «تردّي الأوضاع القضائية مردّه بصورة أساسيّة إلى عدم إقرار قانون استقلالية السلطة القضائيّة»، فإن الواقع المعيشي يُنْذِر بمزيدٍ من العصف مع العد التنازلي لانتهاء موسم الصيف وما حمله معه من «دولارات فريش» وقرب افتتاح سنة مدرسية تتكاتف لتحويلها «كارثيةً» مسألتان:

الأولى موجة التضخم الجديدة بفعل استعادة سعر صرف الدولار منحاه التصاعدي في السوق الموازية وهو ما يعزّز «الأسباب الموجبة» للمنحى الذي تسلكه غالبية المدارس لدولرة جزء من الأقساط حمايةً لرواتب معلّميها وقدرتها على الصمود (وفق ما تعلن).

والثانية إطلاق مصرف لبنان مسار الرفع التدريجي وبوتيرة متسارعة عن دعم مادة البنزين وفق دولار «صيرفة» (أقل بنحو 7 آلاف ليرة من سعر السوق وهو حالياً بـ 34 الفاً) الذي بات يُطبَّق على 55 في المئة من سعر الصفيحة لتصبح النسبة المتبقية متحرِّرة من ضوابط منصة «المركزي» ويتعيّن على الشركات تأمينها من السوق، وهو ما يشي بارتفاعاتٍ متدحرجة في كلفة البنزين الذي يدخل في تركيب أسعار عدد كبير من السلع ناهيك عن النقل في بلدٍ تغيب عنه وسائل النقل المشترك.

في موازاة هذه العناوين الضاغطة، لم تبرز أي معطيات تؤشر لإمكان إحداث خرق في ملف تشكيل الحكومة الجديدة الذي بات متلازماً بالكامل مع الانتخابات الرئاسية ويُخاض بحسابات الفراغ الرئاسي شبه «المسلّم» بحصوله ابتداء من 1 نوفمبر المقبل.

ورغم المعلومات عن إمكان حصول لقاء اليوم بين الرئيس ميشال عون وميقاتي، فإن أياً من العارفين بخفايا هذا الملف لم يُبْدِ تفاؤلاً بأن يحمل «الترياق» وذلك في ضوء الارتدادات التي لم تهدأ لـ «الإعصار الكلامي» بين الرئيس المكلف ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل في «الويك اند» وتبادُل الاتهامات حول المسؤولية عن تعطيل تأليفٍ يريده ميقاتي وفق صيغةٍ ترتكز على هيكل الحكومة المستقيلة (24 وزيراً) مع تعديلين لوزيرين درزي وسني، ولكنها علقت عند رغبة فريق عون في أن يسمي بديليْهما، وعدم إسقاطه مطلب توسيع الحكومة إلى 30 وإضافة 6 وزراء سياسيين، وهو ما لا يتحمّس له الرئيس المكلف ولا أطراف آخَرى وازنة باعتباره ينطوي على رغبة في إطلاق يد باسيل في «الحكومة الرئاسية» وتعزيز أوراقه التفاوضية على الرئيس العتيد.

وترافق الأفق القاتم حكومياً مع تلميحات متجددة في تقارير إعلامية إلى «خطط بديلة» في جعبة عون لفرْض رفْض تسليم صلاحياته عند انتهاء ولايته لحكومة تصريف أعمال، وبينها «تشكيل حكومة بديلة تتولى إدارة البلاد في حالة الشغور الرئاسي» وهو ما اعتُبر غمزاً من حكومة عسكرية برئاسة ماروني (على غرار الحكومة التي ترأسها في 1988) أو تسليم مجلس القضاء الأعلى صلاحيات الرئاسة، وكلاهما سيناريو واحدٌ من زمن ما قبل الطائف والثاني مدجّج بعيوب دستورية ما يجعل حظوظهما توازي بقاء الرئيس عون في القصر، أي شبه معدومة، إلا إذا كان يُراد أخذ البلاد إلى مرحلة الصِدام.

في موازاة ذلك، وعلى وقع الغموض حيال آفاق ملف الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل ومهمة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين التي تقف أمام أسابيع قليلة حاسمة، أكد وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض، ان الوزارة «لم تتلق أي عرض رسمي وغير رسمي من تركيا بخصوص الحفر في البلوكات الحدودية»، موضحاً أن «البلوك رقم 9 ملزم لشركة توتال، وحين كان في تركيا لم يفاتحه أحد بالموضوع».

وكان مصدر رسمي أعلن ان «لبنان تلقى عرضاً تركياً أولياً للاستثمار والحفر في البلوكات النفطية والغازية اللبنانية لاسيما الحدودية منها».

وأوضح المصدر لـ «وكالة سبوتنيك للأنباء» التركية، أنّ «العرض التركي يُظهر إرادة جدّية بالاستكشاف والحفر والاستثمار في البلوك رقم 9، وعلى طول الحدود البحرية الجنوبية»، مشيراً إلى أنّ «الشركات الأوروبية العاملة في مجال التنقيب في لبنان، تحديداً توتال الفرنسية، ارتبكت من العرض التركي، ما يعني إمكان أن تبادر إلى تسريع عمليات الاستكشاف في البلوكين 4 و9».

علماً أن الأخير، يختزن حقل قانا المفترض وامتداده المحتمل جنوب الخط 23 في جيْبٍ تمسّك به لبنان أمام الوسيط الأميركي مع كامل المنطقة المتنازع عليها بين الخطين 1 و23.

جميع الحقوق محفوظة