الاثنين 14 مايو 2018

قرابين القدس

قرابين القدس

قرابين القدس

انقسم المشهد الفلسطيني أمس بين «نكبة جديدة» في القدس المحتلة مع تدشين السفارة الأميركية، و«مذبحة» في قطاع غزة راح ضحيتها العشرات ومئات الجرحى، على وقع إدانات عالمية متصاعدة للخطوات الأميركية الأحادية التي من شأنها صب الزيت على النار في المنطقة المشتعلة أصلاً. وسقط نحو 52 شهيداً بينهم 7 أطفال، وأكثر من 2400 جريح بينهم 27 حالتهم «حرجة جداً» و59 إصاباتهم «خطيرة»، خلال قمع قوات الاحتلال مسيرات «مليونية العودة» التي نظمها آلاف الفلسطينيين على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل. المجزرة وفيما كانت تشارك ابنة ترامب ايفانكا مع زوجها جاريد كوشنر وكلاهما مستشاران للرئيس الى جانب مئات الشخصيات من البلدين في حفل تدشين الولايات المتحدة سفارتها في القدس المحتلة، رغم الاستنكار الدولي والغضب الفلسطيني، كانت القوات الاسرائيلية، على بعد عشرات الكيلومترات، ترتكب مجزرة مروعة بتصديها بالرصاص الحي لآلاف الفلسطينيين العزل، في إطار «مسيرة العودة الكبرى» التي انطلقت في 30 مارس الماضي، للمطالبة بحقهم في العودة الى أراضيهم التي طردوا منها أو غادروها عند قيام إسرائيل في 1948. ومنذ الصباح الباكر وقبل ساعات من تدشين السفارة في القدس، تجمع آلاف الفلسطينيين في مناطق مختلفة على طول الحدود قرب السياج الأمني، فرد عليهم الجنود بإطلاق النار. وكانت القوات الاسرائيلية استبقت توافد الفلسطينيين صباحاً، إلى الشريط الحدودي في قطاع غزة المحاصر بقصف خيام ومخيمات «العودة» التي يتجمع فيها الشبان والقيادات، فيما أحرق الطيران الحربي الخيام والإطارات المطاطية. وعمّ الإضراب الشامل جميع مدن ومحافظات قطاع غزة، في اليوم الأول من مسيرات «مليونية العودة»، المقرر أن تستمر اليوم الثلاثاء، إحياءً لذكرى النكبة الفلسطينية، واحتجاجاً على نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. من جهته، قال الناطق باسم حركة «حماس» حازم قاسم، في بيان، إن «الشعب الفلسطيني لن يرضى ولا في أي حال من الأحوال أن يعيش تحت وطأة الحصار المفروض على قطاع غزة»، مؤكداً أنه «قرر كسر الحصار مرة واحدة وإلى الأبد». وفي القدس، عززت سلطات الاحتلال من انتشارها العسكري وإجراءاتها الأمنية، ودفعت بعناصرها ووحداتها الخاصة ودورياتها الراجلة والمحمولة والخيالة إلى المدينة المحتلة. وشملت الإجراءات إغلاق محيط القدس القديمة، من المنطقة الممتدة من أحياء وادي الجوز والطور والشيخ جراح وسلوان وصولاً إلى منطقة باب الخليل في الجهة الغربية من سور القدس التاريخي، فضلاً عن إغلاق العديد من الشوارع والطرقات غربي المدينة، وقرب محيط موقع السفارة. وفي حين خرجت تظاهرات في الضفة الغربية أيضاً وشهد بعضها صدامات بين المحتجين وجنود الاحتلال، صدرت دعوات فلسطينية وعربية إلى المجتمع الدولي لإجبار إسرائيل على وقف المجازر في غزة. وطالبت الحكومة الفلسطينية بـ«تدخل دولي فوري وعاجل لوقف المذبحة الرهيبة التي تقترفها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق أبناء شعبنا البطل» في قطاع غزة. بدورها، دانت مصر بشدة استهداف القوات الإسرائيلية للمدنيين الفلسطينيين وحذرت من «التبعات السلبية» لمثل هذا «التصعيد الخطير»، فيما نددت الحكومة الاردنية باستخدام «القوة المفرطة»، محملة «إسرائيل، كقوة قائمة بالاحتلال، المسؤوليّة عن الجريمة التي ارتكبت في قطاع غزة». من جهتها، اعتبرت تركيا أن الولايات المتحدة شريكة اسرائيل في المسؤولية عن «المجزرة» في غزة، مشيرة إلى أن «الإدارة الأميركية وعبر نقل سفارتها الى القدس نسفت فرص تسوية سلمية وأشعلت حريقاً سيتسبب بالمزيد من الخسائر البشرية والدمار والكوارث في المنطقة». وفي بروكسيل، دعت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني إلى «اقصى درجات ضبط النفس لتجنب مزيد من الخسائر في الارواح». وأضافت في بيان: «على اسرائيل احترام حق الاحتجاج السلمي ومبدأ عدم الافراط في استخدام القوة. وعلى حماس ومن يقودون التظاهرات في غزة ضمان ان تظل غير عنيفة ويجب ألا يستغلوها لأغراض أخرى». بدوره، قال وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان: «في وقت يتصاعد التوتر على الارض... تدعو فرنسا جميع الافرقاء الى التحلي بالمسؤولية بهدف تجنب تصعيد جديد». القدس وفي المقلب الآخر من المشهد، احتفلت واشنطن وتل أبيب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، بحضور مسؤولين كبار من البلدين، في مقدمهم إيفانكا، ابنة ترامب، وزوجها جاريد كوشنر. وفي كلمته خلال الحفل، أشاد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو بـ«شجاعة» الرئيس الأميركي، قائلاً: «الرئيس ترامب، عبر اعترافك بالتاريخ فإنك دخلت التاريخ»، مضيفاً «نحن في القدس ونحن هنا لنبقى.. والقدس ستبقى العاصمة الأبدية الموحدة لإسرائيل». وتابع: «هذا يوم عظيم. يوم عظيم للقدس. يوم عظيم لدولة إسرائيل. يوم سيحفر في ذاكرتنا الوطنية لأجيال». وفي رسالة مسجلة بثت خلال الحفل، أكد ترامب إنه لا يزال ملتزماً بالسلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وقال «أملنا الأكبر هو السلام. الولايات المتحدة تظل ملتزمة تماما بتسهيل اتفاق سلام دائم... ستظل الولايات المتحدة صديقاً عظيما لإسرائيل وشريكاً في قضية الحرية والسلام». بدوره، قال كوشنر «نعتقد أنه من الممكن أن يحقق الجانبان (الإسرائيلي والفلسطيني) مكاسب أكبر مما يقدمانه حتى يتسنى لكل الناس العيش في سلام وبمأمن من الخطر، متحررين من الخوف وقادرين على تحقيق أحلامهم»، مضيفاً «ينبغي أن تظل القدس مدينة تلم شمل الناس من كل الأديان». وكان السفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان قال في مستهل الحفل: «نفتتح اليوم السفارة الأميركية في القدس، إسرائيل»، وسط تصفيق حار من الحضور. وفي بيان لم يتطرق فيه إلى المجزرة في غزة، أكد وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو مجدداً التزام الولايات المتحدة «بسلام عادل وشامل بين اسرائيل والفلسطينيين». وفي حين عقدت القيادة الفلسطينية اجتماعاً عاجلاً مساء أمس لبحث التطورات، رأت عضو اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير» حنان عشراوي ان افتتاح السفارة في القدس «نكبة جديدة» تحل بالشعب الفلسطيني والعدالة الأممية والشرعية الدولية، معتبرة أن هذا «الإجراء الأحادي» يدلل على سيطرة منطق «القوة والعنجهية وسحق كل ما هو قانوني وإنساني». السفارة في مبنى متواضع القدس - ا ف ب - يبدو المقر الجديد للسفارة الأميركية في القدس متواضعاً مقارنة بمقار سفارات الدول الأخرى في تل أبيب، فهو ليس جديداً ولا هندسة معمارية خاصة له، ولن يضفي بالتالي أي شيء جديد على المدينة القديمة. يقع مبنى السفارة على الطرف الجنوبي للمدينة ويحاذي حي جبل المكبر بالقدس الشرقية المحتلة، وستستقر السفارة في البداية بمبنى القنصلية الأميركية في القدس، بانتظار بناء موقع دائم للسفارة، حسب وزارة الخارجية الاميركية. وسيقوم السفير ديفيد فريدمان بتجهيز مكتب له في المكاتب القنصلية الموجودة في حي أرنونا المرموق. وقال مسؤول أميركي: «في البداية ستضم السفارة الموقتة في حي أرنونا مكاتب للسفير إلى جانب عدد صغير من الموظفين». وسيقسم السفير وقته بين تل أبيب والقدس خلال المراحل الأولى من نقل السفارة، لأن عملية النقل الكاملة ستستغرق سنوات عدة. وقالت ناطقة باسم السفارة الاميركية «تم حتى الآن إنفاق نحو 400 ألف دولار لتحسين المبنى». وعززت قوات الأمن الاسرائيلية تواجدها في محيط مبنى السفارة، الذي افتتح أمام الجمهور سنة 2010، وكان حتى الآن يكتفي بتقديم خدمات للمواطنين الأميركيين ومنح تأشيرات دخول الى الولايات المتحدة. وجرى الأسبوع الماضي نصب الاشارات في الشوارع التي تدل على مكان السفارة الاميركية مكتوبة باللغات العبرية والعربية والانكليزية، لتحل مكان لافتات «القنصلية الأميركية». غضب عربي - إسلامي من الاستفزاز الأميركي الكويت تتحرك لمساندة فلسطين في مجلس الأمن عواصم - وكالات - فجر افتتاح السفارة الأميركية في القدس، أمس، موجة استنكار عربية ودولية واسعة، وسط تحذيرات من أن تؤدي تلك الخطوة إلى تصعيد التوتر في المنطقة. جاء ذلك توازياً مع تحرك الكويت، بصفتها عضواً في مجلس الامن الدولي، لعقد اجتماع طارئ للمجلس لبحث التطورات في قطاع غزة. وتعليقاً على المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في غزة أمس، قال سفير الكويت لدى الامم المتحدة منصور العتيبي للصحافيين «ندين ما يحصل. سيكون هناك رد من جانبنا وسنرى ماذا سيفعل المجلس. اليوم او غدا، يمكن ان نطلب عقد اجتماع طارئ». وأضاف «لا نزال نجري مشاورات حول هذا الموضوع مع المجموعة العربية (في الامم المتحدة) والسفير الفلسطيني». من جهته، قال الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط إن افتتاح السفارة «خطوة بالغة الخطورة»، معتبراً أن الإدارة الأميركية لا تدرك «أبعادها الحقيقية على المديين القصير والطويل». ومن المقرر أن يعقد مجلس الجامعة العربية اجتماعاً طارئاً بشأن القدس، غداً الأربعاء، على مستوى المندوبين الدائمين لبحث «سبل مواجهة قرار الولايات المتحدة غير القانوني» بنقل سفارتها الى القدس، وفق مسؤول في الجامعة. بدوره، أعرب ​الأزهر​ الشريف عن أسفه لـ«التشتت العربي والإسلامي الذي شجع الدول على الإعلان عن نقل سفاراتها إلى ​القدس​، وتحدي مشاعر المسلمين عبر العالم»، مستنكراً «مضي الإدارة الأميركية قدماً في إجراءات نقلها، رغم الرفض الدولي الواسع للقرار الباطل». وفيما أكدت وزارة الخارجية المصرية «دعم مصر الكامل للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وعلى رأسها الحق في إنشاء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية»، أكد مفتي مصر شوقي علام أن تدشين السفارة «هو استفزاز صريح وواضح لمشاعر نحو مليار ونصف مليار مسلم على وجه الأرض». من جانبه، أعرب العاهل المغربي الملك محمد السادس​ الذي يرأس لجنة القدس التابعة لمنظمة «المؤتمر الإسلامي»، عن «قلقه وانشغاله البالغين، إثر تفعيل قرار ​الإدارة الأميركية​ الاعتراف بالقدس​ عاصمة لإسرائيل​ ونقل سفارتها إليها». وأكد «الأهمية القصوى التي تحتلها المدينة المقدسة​، ليس فقط بالنسبة لأطراف النزاع، وإنما لدى أتباع ​الديانات​ السماوية الثلاث»، محذراً من أن «المساس بالوضع القانوني والتاريخي المتعارف عليه للقدس، ينطوي على خطر الزج بالقضية الفلسطينية​ في متاهات الصراعات الدينية». وفيما اعتبرت الحكومة الأردنية أن افتتاح السفارة يشكل «خرقاً واضحاً» لميثاق الأمم المتحدة، مؤكدة أنه «إجراء أحادي باطل لا أثر قانونياً له»، أعرب رئيس ​الحكومة اللبنانية ​سعد الحريري عن «استياء ​لبنان​ الشديد من القرار الأميركي»، مضيفاً «نؤكّد موقفنا الرافض لإعلان القدس عاصمة لإسرائيل​، ونرى في نقل السفارة إلى القدس خطوة تضع كل المسارات السلمية في المنطقة أمام جدارٍ مسدود». من جهته، اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن أميركا خسرت «دور الوسيط» في الشرق الأوسط بعد قرار نقل السفارة. وقال في مؤتمر صحافي بمركز «تشاتام هاوس» للأبحاث في لندن، مُعلّقاً على نقل السفارة، «نشعر وكأننا في الأيام المظلمة التي سبقت الحرب العالمية الثانية (1939-1945)... إن الولايات المتحدة اختارت باتخاذها هذا القرار أن تكون طرفاً في النزاع وبالتالي تخسر دور الوسيط في عملية السلام». وفي السياق نفسه، اعتبر رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني أن الإدارة الأميركية تتصرف بـ«عدم نضج» وتنتهج «أسلوب المغامرة»، فيما عبّر الكرملين عن مخاوفه من أن يؤجج نقل السفارة الأميركية إلى القدس التوترات في الشرق الأوسط. وفي لندن، أعلنت ناطقة باسم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، أمس، أنه لا يوجد لدى المملكة المتحدة أي خطط لنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، قبل اتفاق نهائي بشأن وضع المدينة المقدسة، وما زالت تختلف مع القرار الأميركي في القيام بذلك.

جميع الحقوق محفوظة