السبت 19 يناير 2019

طريق الغانم للرئاسة: هل يسلكه لإعلان خلو مقعدي الحربش والطبطبائي؟

طريق الغانم للرئاسة: هل يسلكه لإعلان خلو مقعدي الحربش والطبطبائي؟

طريق الغانم للرئاسة: هل يسلكه لإعلان خلو مقعدي الحربش والطبطبائي؟

فيما ينتظر مجلس الأمة ما ستنتهي اليه المحكمة الدستورية في الاستشكال المقدم من د. وليد الطبطبائي على حكمها بإلغاء المادة ١٦ من اللائحة الداخلية، يدور نقاش واسع حول الألية الإجرائية التي يستوجب على المجلس اتباعها لإعلان خلو مقعدي النائبين السابقين د. جمعان الحربش ود. وليد الطبطبائي.

 تنص المادة ١٨ من لائحة المجلس على "إذا خلا محل أحد أعضاء مجلس الأمة قبل نهاية مدته لأي سبب من الأسباب أعلن المجلس ذلك، وعلى رئيس المجلس أن يبلغ رئيس مجلس الوزراء فورا بهذا الخلو لانتخاب عضو آخر وفقا للمادة 84 من الدستور"، والخلاف هنا حول مفهوم "إعلان المجلس"، ومن المعني فيه، الرئيس منفردا أو قرار من المجلس؟

والجدير بالذكر أن المادة ٨٤ الدستورية تنص على "إذا خلا محل أحد أعضاء مجلس الأمة قبل نهاية مدته، لأي سبب من الأسباب انتخب بدله في خلال شهرين من تاريخ إعلان المجلس هذا الخلو وتكون مدة العضو الجديد لنهاية مدة سلفه.وإذا وقع الخلو في خلال ستة أشهر السابقة على انتهاء الفصل التشريعي للمجلس فلا يجري انتخاب عضو بديل".

الخيارات المتاحة

السوابق التي شهدتها المجالس البرلمانية السابقة في حالات إعلان خلو المقعد البرلماني، وفرت للرئيس مرزوق الغانم خيارين للتعامل مع الحالة الماثلة، الإعلان المنفرد أو العرض على مجلس الأمة، إلا أن الخيار الأول قد يترتب عليه اشكال دستوري يؤدي الى ابطال الانتخابات التكميلية، فيما الخيار الثاني قد يشعل أزمة سياسية.

لن يرغب الرئيس الغانم في تسجيل حالة ابطال لانتخابات تكميلية في عهد رئاسته لمجلس الأمة  ، لا سيما وأن المسؤولية سيتحملها منفردا في حال اتجه الى الخيار الأول واتخذ قرار خلو المقعد منفردا، لذا لا يتوقع أن يسير الغانم في هذا الاتجاه المحفوف بالشكوك الدستورية، الأمر الذي يجعل اللجوء الى المجلس الاتجاه "الأحوط" دستوريا ولكنه الأكثر تعقيدا سياسيا وما قد يترتب عليه.

فماذا لو قدم طلب نيابي بأن يكون التصويت بالاسم وكانت النتيجة رفض إعلان خلو المعقدين؟  وهو أمر غير مستبعد نظرا للصراع السياسي الدائر حاليا على الساحة، لا سيما بوجود اعتراض نيابي على حكم المحكمة الدستورية بإلغاء المادة ١٦ من لائحة مجلس الأمة وما ترتب عليها من آثار في الماضي بالتصويت على بقاء عضوية الحربش والطبطبائي.

لقد كان تصويت أغلبية أعضاء مجلس الأمة على بقاء عضوية الحربش والطبطبائي "تصويتا سياسيا انتخابيا"  لا علاقة له بسقوط أحد شروط العضوية النيابية، فتجاوز – أي التصويت - الاعتبارات الدستورية والقانونية والحكم النهائي البات، وترتب عليه سابقة وجود أعضاء في مجلس الأمة مدانين بعقوبة جناية.

التصويت السياسي

هذا "التصويت السياسي والانتخابي" مرجح جدا تكراره إذا ما عرض الرئيس الغانم إعلان خلو المقعدين على المجلس للموافقة  ، فأنفاس الرد على حكم المحكمة الدستورية مرتفعة نيابيا  ، وهو ما يمكن اعتباره رسالة من السلطة التشريعية الى السلطة القضائية بضرورة عدم التدخل في الأعمال البرلمانية، كما أنه يحمل رد اعتبار للحربش والطبطبائي – على الأقل من زملائهم الداعمين لهم – اللذان فقدا عضويتهما "دستوريا" بسبب قضية "دخول المجلس".

ما سيترتب على سيناريو رفض اعلان خلو المقعدين وعدم إجراء انتخابات تكميلية، مجلسا ناقصا مقعدين نيابيين، وهي سابقة ستسجل في البرلمان الكويتي، وسيؤدي هذ الاجراء الى نزاع نيابي حكومي قد يكون اللجوء الى المحكمة الدستورية خيارا لحسمه، إلا أن ذلك الأمر قد يترتب عليه مزيدا من "التوغل القضائي الدستوري" في الأعمال البرلمانية، ومزيدا من القيود على العمل النيابي في إطار لائحته الداخلية.

طريق الرئيس الغانم، في كلا الاتجاهين، محفوف بالكثير من المخاطر الدستورية، وتلك المخاطر لا تعني الكثير لأغلبية أعضاء مجلس الأمة ممن وضعتهم الظروف السياسية في حرج سيلزمهم رفض إعلان خلو المقعدين، لذا فإن "التصويت السياسي والانتخابي" خيارهم الوحيد، ولكن كلفته قد تكون عالية جدا كما حدث في تصويت البقاء على العضوية وما ترتب عليه من حكم المحكمة الدستورية.

طريق الرئاسة

قد يكون مخرج الرئيس الغانم من هذه المعضلة هو ذات المخرج الذي استخدم للتصويت على رئاسة مجلس الأمة، جلسة عامة وتصويت الكتروني سري  ، وفق المادة ١١٠ من لائحة مجلس الأمة التي تعطي الحكومة أو رئيس المجلس أو عشرة أعضاء على الأقل حق طلب سرية التصويت، فأغلبية النواب الذين أعلنوا رفضهم لرئاسة مجلس الأمة في العلن وخلال السباق الانتخابي، استبدلت مواقفهم في التصويت السري  الذي حررهم من ضغط الشارع لصالح الغانم، وهذا السيناريو قابل للتكرار في التصويت على إعلان خلو المقعدين.

يبقى هناك أمل ضئيل لتجاوز المعضلة وهي تغير مواقف بعض النواب الممتنعين أو الرافضين لإسقاط عضوية النائبين الحربش والطبطبائي بعد صدور حكم المحكمة الدستورية، فالنائبين رياض العدساني ويوسف الفضالة رفضا التصويت على التقرير بحجة أن العضوية ساقطة والتصويت على بقاء عضويتهما من عدمه مخالف للدستور وهو ما أكده حكم المحكمة.

التصويت على تقرير اللجنة التشريعية البرلمانية حصد موافقة ٣١ عضوا ورفض ٢٩ آخرين وامتناع العدساني والفضالة، واعتذار النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع الشيخ ناصر الصباح عن الجلسة .. فإلى ماذا سينتهي التصويت – اذا ما تم – على اعلان خلو مقعدي الحربش والطبطبائي؟

السوابق التاريخية

السوابق التاريخية في إعلان شواغر المقاعد البرلمانية انحصرت في حالات الوفيات أو الاستقالات، والأخيرة لها مادة واضحة في اللائحة، إذ تنص المادة ١٧ على "مجلس الأمة هو المختص بقبول الاستقالة من عضويته.وتقدم الاستقالة كتابة إلى رئيس المجلس ويجب أن تعرض على المجلس في أول جلسة تلي اليوم العاشر من تقديمها، وللعضو أن يعدل عن استقالته قبل صدور قرار المجلس بقبولها"، أي أن المجلس هو من يصدر القرار بقبولها أو رفضها.

الأولى: علي الأذينة

أما في حالات الوفيات – وهي الأقرب لائحيا الى وضع الحربش والطبطبائي في فقد العضوية – فإن السوابق التاريخية متعددة، فأول حالة للنائب السابق علي ثنيان الأذينة إذ تم إعلان خلو مقعده في ١١ ديسمبر ١٩٧١، وبالعودة الى مضبطة جلسة الفصل التشريعي الثالث / دور الانعقاد الثاني / الجلسة الأولى الموافق ١١ ديسمبر ١٩٧١، وكان رئيس مجلس الأمة آنذاك خالد صالح الغنيم، فلم يكن هناك قرار من المجلس، وتنقل المضبطة عن الرئيس قوله التالي لإعلان خلو المقعد بعد كلمات الرثاء "شكرا، والآن وقد أوجب الدستور اعلان خلو محل العضو في حالة الوفاة، فإني استأذنكم في اخطار الحكومة بذلك لاتخاذ الإجراءات الدستورية المقررة، والآن تتل أسماء المعتذرين والغائبين".

الثانية: ناصر العصيمي

أما الحالة الثانية فكانت بوفاة النائب السابق ناصر صنهات العصيمي، الذي أعلن عن خلو معقده في الفصل التشريعي الخامس / دور الانعقاد الثاني / الجلسة العاشرة الموافق ٩ فبراير ١٩٨٢، فبعد كلمات الرثاء قال رئيس مجلس الأمة آنذاك محمد اليوسف العدساني بحسب ما ذكرته المضبطة "سيعمد المجلس الى الكتابة للحكومة الموقرة باتخاذ اللازم بهذا الصدد حسبما تنص على ذلك المادة ١٨ من اللائحة الداخلية للمجلس ووفقا للمادة ٨٤ من الدستور، والآن تتل أسماء المعتذرين والغائبين".

الثالثة: سامي المنيس

في الحالتين السابقتين، لم يكن القرار يصدر من مجلس الأمة بتصويت، وإنما بعرض لرئيس مجلس الأمة للخطوات الإجرائية لإبلاغ الحكومة باتخاذ الإجراءات الدستورية، ولكن في الحالة الثالثة جلسة إعلان خلو معقد النائب السابق سامي المنيس الذي أعلن خلو معقده في الفصل التشريعي التاسع / دور الانعقاد العادي الثالث / الجلسة الأولى الموافق ٢٨ أكتوبر ٢٠٠٠ كانت الأمور مختلفة، فقد أعلن رئيس مجلس الأمة السابق جاسم الخرافي خلو مقعد الراحل المنيس في "الجلسة الافتتاحية" لدور الانعقاد الثالث قائلا من ضمن كلمته الافتتاحية – بحسب ما جاء في المضبطة "واستكمالا ل إجراءاتنا الدستورية التي ترتبت على رحيله، فإنني أعلن خلو أحد مقعدي الدائرة العاشرة، ليتم انتخاب نائب آخر خلال شهرين من تاريخ هذا الإعلان، وذلك اعمالا للمادة ٨٤ من الدستور، والمادة ١٨ من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة".

وبعد انتهاء جلسة الافتتاح، عقدت الجلسة الأولى ودار النقاش التالي بحسب ما ذكرته المضبطة حرفيا:

السيد النائب مشاري العصيمي: نقطة نظام.

السيد الرئيس: تفضل الأخ مشاري العصيمي نظام.

السيد مشاري العصيمي: شكرا الأخ الرئيس، نعم نقطة نظام على المادة ٨٤ من الدستور تفضلت الأخ الرئيس في إلقاء كلمتك بإعلان خلو المعقد الشاغر بوفاة زميلنا الفاضل المرحوم بإذن الله الأخ سامي المنيس وتصحيحا فقط للوضع ووفقا للمادة ٨٤ من الدستور فهذا الخلو يعلن من قبل المجلس الموقر ككل وأرجو لذلك الأخ الرئيس من سيادتكم التنويه بإعلان خلو المقعد وموافقة المجلس الموقر على هذا الإعلان، شكرا.

السيد الرئيس: أخ مشاري هو تم الإعلان عنه ولكن اذا تبي يعني ما أبي أدخل وياك بجدل، فهل يوافق المجلس على إعلان خلو المقعد؟

موافقة عامة

إعلان شغل مقعد النائب السابق سامي المنيس لم يكن بقرار منفرد من الرئيس السابق الخرافي كما حدث في الحالتين الأولى والثانية، بل بموافقة من المجلس على ذلك بحسب تصحيح النائب السابق مشاري العصيمي للإجراء الدستوري واللائحي، وهي السابقة الأولى في مسيرة البرلمان.

الرابعة: نبيل الفضل

في الفصل التشريعي الرابع عشر / دور الانعقاد الرابع العادي / الجلسة السابعة بتاريخ ١٢ يناير ٢٠١٦ أعلن رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم خلو مقعد النائب السابق نبيل الفضل بوفاته، وكان هناك لغط بإعلان خلو المقعد إذ نعى الرئيس الراحل في جلسة ٢٢ ديسمبر ٢٠١٥ – الجلسة التي توفى فيها نبيل الفضل – إلا أن الرئيس أوضح في الجلسة اللاحقة أن نعيه لا يعد دستوريا أو قانونيا إعلانيا بخلو محل العضو حيث لم تصل رسميا أي مستند رسمي أو قانوني بخصوصه لإعمال المادة ٨٤ من الدستور والمادة ١٨ من اللائحة الداخلية.

وتشير مضبطة جلسة ١٢ يناير ٢٠١٦ الى أن الرئيس الغانم قال "لا توجد سابقة في التاريخ البرلماني الكويتي بأن يتوفى النائب في قاعة عبدالله السالم إلا أن هناك جزئية يمكن القياس عليها وهو عندما توفي النائب السابق المرحوم سامي أحمد المنيس أعلن رئيس المجلس في وقتها المرحوم جاسم الخرافي خلو المعقد في الجلسة الافتتاحية وأثناء الجلسة طلب النائب مشاري العصيمي نقطة نظام، وطلب من الرئيس بأن ذكره خلو المقعد في الكلمة الافتتاحية لا يعتد به كون إن إعلان الخبو يجب أن يكون من المجلس فمن يعلن خلو المعقد هو المجلس وليس الرئيس وتم إعلان الخلو عن طريق المجلس .. فالآن سيسلم سمو رئيس مجلس الوزراء الإبلاغ الرسمي بخلو المقعد اليوم وتبدأ الحكومة باتخاذ إجراءاتها وعليها أن تقيم الانتخابات بخلال شهرين من تاريخ اليوم".

أعلن الغانم خلو مقعد نبيل الفضل دون تصويت المجلس أو أخد موافقته كما أشار في كلمته عطفا على حادثة الخرافي – العصيمي، ولم يعترض أحدا من النواب أو الحكومة على الإجراء.

في الحالتين الأولى والثانية والرابعة، كان قرار الإعلان يصدر منفردا من قبل رئيس مجلس الأمة، ولم يتم الطعن في الانتخابات التكميلية التي أجريت حينها، وسارت الأمور البرلمانية بشكل اعتيادي وقد يعود ذلك الى طبيعة الحالات التي ترتب عليها خلو المقعد وهي "الوفاة"، بالإضافة الى غياب عنصر الصراع السياسي.

الحالة الجديدة اليوم جمعت كل الصراعات فيها  ، طبيعة القضية التي حكم فيها على الحربش والطبطبائى وهي "دخول المجلس"، وقرار مجلس الأمة برفض اسقاط العضويتين رغم وجود حكم نهائي بات، ودخول "المحكمة الدستورية" على خط تصحيح الإجراء، والتصعيد النيابي تجاه القضاء ورئاسة المجلس، والحسابات الانتخابية والسياسية لإعلان خلو المقعد، كل تلك الاعتبارات جعلت من الحالة الماثلة أكثر تعقيدا سياسيا وأكثر خطورة على النظام الدستوري .

جميع الحقوق محفوظة