الاثنين 27 يناير 2020

صواريخ السفارة الأميركية.. رسائل بلا توقيع

صواريخ السفارة الأميركية.. رسائل بلا توقيع

صواريخ السفارة الأميركية.. رسائل بلا توقيع

يلف الغموض الساحة العراقية منذ مقتل العقل المنظّم للعلاقات بين الفصائل المتنافسة التي تشكل الحشد الشعبي، المتمثل بقائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد ورجل طهران القوي في العراق ابو مهدي المهندس. وقد تجلى هذا الغموض امس بتنصل الفصائل الموالية لايران كافة من الرسائل الصاروخية التي سقطت لأول مرة على مبنى السفارة الاميركية في بغداد مخلفة اضراراً وثلاثة جرحى تم اجلاؤهم على الفور من قبل الجانب الأميركي.

ورأى مراقبون ان هذا التنصل من قبل الفصائل لا سيما «عصائب أهل الحق» ومنظمة بدر، هو لدرء اي مسؤولية عنها تفادياً لتعرض مسؤوليها لمصير المهندس وسليماني وبالتالي تلافي المزيد من الضياع والتوتر الذي يصيب عصب الحشد الشعبي مع تنامي الحركة الاحتجاجية في الشارع ضد الفساد والفاسدين المحميين بقوة السلاح.

فأمس أعاد المتظاهرون المناهضون للحكومة والاحزاب المتحكمة بالسلطة نصب خيامهم التي أحرقت في أنحاء العراق، سعياً لمواصلة زخم احتجاجاتهم وسط تخوف من تصعيد عقب الهجوم الصاروخي على السفارة الأميركية في بغداد، حيث يخشى الناشطون من أن يؤدي الصراع بين طهران وواشنطن إلى إنهاء حراكهم الاحتجاجي الذي يعد أكبر احتجاج شعبي يشهده العراق منذ عقود.

وفجر أمس، قتل متظاهر بالرصاص الحي في مدينة الناصرية في جنوب العراق، خلال إقدام مسلحين مجهولين، قيل انهم ينتمون للحشد، على اقتحام الساحة المركزية للاحتجاجات وإحراق خيام المتظاهرين. وليل الأحد الاثنين، أقدم مسلّحون مجهولون يستقلّون سيّارات رباعيّة الدفع على اقتحام وحرق خيام المعتصمين في ساحة الحبوبي وسط الناصرية، مطلقين النار على المعتصمين ما اسفر عن مقتل متظاهر آخر وجرح اكثر من 70. لكن بعد ساعات قليلة، رد متظاهرون بإغلاق جسرين رئيسيين في المدينة كما عمدوا إلى بناء هياكل من الطوب بعد أن أحرق المسلحون خيامهم، وقالت الشرطة إن محتجين اقتحموا مركزا للشرطة وأشعلوا النار في خمس سيارات على الأقل كانت تقف داخله قبل أن يغادروه.

وفي بغداد، استؤنفت الاشتباكات صباح أمس في وسط العاصمة، حيث أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على المحتجين. فيما شهدت مدينة النجف المقدسة لدى الشيعة هجوماً مماثلاً، قام خلاله مسلحون مجهولون بحرق خيام متظاهرين. كما أغلق محتجون مصفاة للنفط في محافظة المثنى جنوبي العراق، ومنعوا دخول وخروج شاحنات نقل المشتقات النفطية، حسب مصدر أمني.

السفارة.. ودعوات التهدئة

إلى ذلك، انبرت الحكومة العراقية إلى الدعوة إلى التهدئة في اعقاب استهداف السفارة الاميركية، فيما دعت الولايات المتّحدة العراق إلى حماية المنشآت الدبلوماسيّة الأميركيّة، بعد أن طالت ثلاثة صواريخ كاتيوشا، من اصل خمسة، السفارة الأميركيّة داخل المنطقة الخضراء الشديدة التّحصين في بغداد. وقال متحدّث باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة في بيان «ندعو حكومة العراق إلى الوفاء بالتزاماتها لحماية منشآتنا الدبلوماسيّة»، مضيفاً أنه «منذ سبتمبر وقع أكثر من 14 هجوما من جانب إيران والميليشيات المدعومة إيرانيّا ضدّ موظّفين أميركيّين في العراق». وتابع المتحدّث «لا يزال الوضع الأمنيّ متوتّراً، وما زالت الجماعات المسلّحة المدعومة من إيران تُشكّل تهديدا. لذلك، نبقى يقظين».

رئيس حكومة تصريف الأعمال العراقية عادل عبد المهدي أدان استهداف السفارة، وقال إنه أمر بملاحقة المسؤولين عن الهجوم لتقديمهم للعدالة، محذراً من أن «استمرار هذا التصرف الانفرادي اللامسؤول يحمّل البلاد كلها تبعاته وتداعياته الخطيرة، ويؤدي إلى الاضرار بالمصالح العليا للبلد وعلاقاته بأصدقائه؛ مما قد يجر العراق ليكون ساحة حرب».

بدورها، قالت الخارجية العراقية إن استهداف السفارة، لن يؤثر في العلاقات الاستراتيجية بين بغداد وواشنطن، مؤكدة أن «الهجوم مُدان قانوناً وعرفاً» كما وصفته بـ«العدوان».

وفي وقت تتهم واشنطن كتائب «حزب الله» العراقي، التي تمولها وتدربها إيران، بالوقوف وراء الهجمات، نأت جماعة «عصائب أهل الحق» بنفسها عن الهجوم، وشددت أنه لا علاقة لها به، وأنها استغنت عن استخدام صواريخ «الكاتيوشا» منذ سنوات.

وقال المتحدث العسكري باسم العصائب، جواد الطليباوي: «أكدنا في وقت سابق أن فصائل المقاومة لن تستهدف السفارات والبعثات الدبلوماسية في البلاد، وأن ردنا على عملية اغتيال أبو مهدي المهندس، لن يقل عن مستوى رد إيران على اغتيال قاسم سليماني».

بدوره علق رئيس تحالف الفتح هادي العامري، على قصف السفارة، مشيراً الى ان الاعتداء على السفارات هدفه اعاقة رحيل القوات الاجنبية. وقال: «نرفض الاعتداء على مقار السفارات والبعثات الدبلوماسية الاجنبية ب‍العراق».

رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، اعرب بدوره، عن رفضه لاستهداف البعثات الدبلوماسية والسفارات، مؤكداً ضرورة العمل على التهدئة وتجنب التصعيد.

القرار عند الصدر

ويرى مراقبون ان مسارعة الفصائل إلى نفي تبني الصواريخ الخمسة، مرده إلى ان هذه الفصائل تريد ان تحافظ على الاتفاق الذي تم في قم حول تسليم مقتدى الصدر قيادة ما أسموه «فصائل المقاومة»، بعد مقتل سليماني، لا سيما ان الصدر اعلن خلال «مليونية» الجمعة الماضية تجميد المقاومة ضد الوجود الاجنبي في هذه المرحلة. وقال مراقبون مطلعون على الوضع العراقي ان الصدر يعطي الاولوية في الوقت الحالي إلى اعادة ضبط الوضع الداخلي وانهاك الحراك الذي خرج عن سيطرته، اضافة إلى انهاء الخلافات بين ميليشيات الحشد. واستشهد هؤلاء بما نشره موقع فارارو الإيراني الاسبوع الماضي، عن عودة النظام الايراني إلى التركيز على الصدر بعد اخضاعه له مجدداً، وذكر موقع فارارو أنه «عقب مقتل سليماني والمهندس، عمدت طهران إلى اتباع خطة جديدة لتعزيز نفوذها في العراق بالتعاون مع حزب الله اللبناني وأن الصدر أصبح أحد أركان هذا الترتيب الجديد بعد فشل الشخصيات القريبة من إيران بمن فيهم المالكي والعامري، بالسيطرة على التطورات السياسية والشعبية»، مضيفا أن ايران ترى أن الصدر يتمتع بشعبية كبيرة مقارنة بالسياسيين الآخرين، وأنه قادر على السيطرة على الجماعات المسلحة.

  •  

جميع الحقوق محفوظة