الخميس 28 مايو 2020

الهند.. من الإغلاق الصارم إلى الفتح الكامل

الهند.. من الإغلاق الصارم إلى الفتح الكامل

الهند.. من الإغلاق الصارم إلى الفتح الكامل

ذهبت الأسبوع الماضي لالتقاط معطف ابنتي الشتوي الذي ظل في المصبغة منذ أواخر شهر مارس الماضي، حين أمر رئيس الوزراء ناريندرا مودي بفرض الإغلاق الصارم على 1.4 مليار هندي لمواجهة جائحة كورونا.

كان سوق الحي، المهجور إلى حد كبير في الأسابيع الأخيرة، مكتظاً وصاخبًا مثلما كان قبل الأزمة تقريبًا، فقد خففت نيودلهي، قبل أيام القيود للسماح بإعادة فتح المتاجر التي تبيع السلع «غير الضرورية« مثل الكتب ومستحضرات التجميل والملابس والأجهزة المنزلية.

لقد شعر الهنود بالإحباط بسبب حبسهم في المنزل لمدة سبعة أسابيع، ومنعوا من شراء أي شيء غير الطعام والأدوية ومستلزمات التنظيف، حتى عبر التجارة الإلكترونية.

ولكن كانت هناك أشياء كثيرة تذكرهم بأن كل شيء لم يكن على ما يرام، فقد ارتدى جميع المتسوقين وأصحاب المتاجر، الكمامات. وكانت زجاجات المواد المطهرة ذات الحجم الصناعي معروضة للبيع في كل مكان، حتى في المخابز.

والأمر الذي أثار الإزعاج أكثر، أن يتم إغلاق متجر بقالة شهير تسوقت منه عدة مرات أثناء الإغلاق، وكتبت على الباب ملاحظة بأنه تم الاغلاق بسبب ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس في الحي، وعلمت لاحقًا أن صاحب المتجر نفسه يرقد في المستشفى لإصابته بمرض Covid-19.

اقتصاد مضطرب

تركت السوق ولدي شعور بالقلق والتشاؤم حيال تحركات الهند لتخفيف الإغلاق وفتح الاقتصاد المضطرب حتى مع انتشار الفيروس بشكل أسرع وعلى نطاق أوسع. واتضح لي، انني لم أكن الوحيدة التي تخالطها مثل هذه المشاعر.

قال لي خبير في الصحة العامة طلب عدم الكشف عن هويته عبر الهاتف «لقد كان الإغلاق مضيعة للوقت، ويبدو لي أن الحكومة قد استسلمت. لقد عجزت عن السيطرة على الوباء لذلك قالوا: دعونا نفتح الاقتصاد. ويبدو أن هذا ما يحدث الآن«.

عندما أمر رئيس الوزراء مودي باحتجاز 1.4 مليار هندي، باستثناء العمالة الأساسية، البقاء في منازلهم لمدة ثلاثة أسابيع في 24 مارس، تحدث عن الفيروس بلهجة سوداوية، محذرًا من أن «خطوة واحدة تخطونها خارج منازلكم يمكن أن تجلب الجائحة الى داخل بيوتكم» حينذاك، كان عدد الإصابات بالفيروس في الهند لا يتجاوز 500 إصابة مؤكدة. ونصح مواطنيه بأنه «مهما حدث، يجب أن نبقى داخل بيوتنا»، وتعهد بأن القيود الصارمة -بما في ذلك تعليق جميع وسائل النقل العام-ستمكّن الهند من «الخروج منتصرة«.

بعد شهرين، غيرت الحكومة مسارها. فعلى الرغم من الإغلاق المبكر والشامل، وبسبب تأثير ذلك على العمال الحضريين المعرضين للخطر، فقد ارتفع عبء فيروس كورونا على البلاد. حيث بلغ عدد الاصابات الآن أكثر من 140 ألف إصابة، منها 77800 حالة نشطة، وهي في ارتفاع مضطرد. وتوفي أكثر من 4000 شخص.

ومع انهيار الاقتصاد والضغوط المالية الشديدة، ترغب نيودلهي الآن في دفع المواطنين الى نسيان مخاوفهم والعودة إلى العمل. ولم يذكر مودي في أحدث خطاب له، احتواء الفيروس أو حتى «تسطيح المنحنى». وبدلاً من ذلك، حث الهنود على التطلع إلى الأمام وإعادة البناء وتعلم التعايش مع المرض. وحذّر بأن كورونا: «سيبقى جزءًا من حياتنا لفترة طويلة، ولكن لا يمكننا السماح أن تبقى حياتنا رهينة لهذا المرض».

إغلاق متسرع

 

 

باختصار، بدأت الحكومة الهندية بعد أن فشلت في احتواء الفيروس أو القضاء عليه، ضمنياً، في تبني نسختها الخاصة من الاستراتيجية السويدية. وليس من الصعب فهم دوافع نيودلهي. فرض الحظر دون إعطاء الناس فترة كافية للاستعداد، وأدى الحظر إلى كارثة إنسانية حقيقية، حيث تقطعت السبل بملايين العمال الريفيين في المدن بدون عمل أو أجور. وخلق تدافعهم من أجل الغذاء والنقل أرضية خصبة لانتشار الفيروس.

وتعرض الاقتصاد لأضرار بالغة أيضا. فقد انكمشت مبيعات السلع الاستهلاكية سريعة الحركة بنسبة 34 في المائة، وتتوقع مجموعة غولدمان ساكس أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي للهند بنسبة 45 في المائة على أساس ربع سنوي من أبريل إلى يونيو. وضغطت مجموعات الصناعة للحصول على إذن لاستئناف نشاطها، قائلة إنها قد تتعرض للانهيار.

لكن خبراء الصحة العامة يحذرون من أن فتح واحدة من أقسى عمليات الإغلاق في العالم، دون بذل جهود كافية لتتبع الفيروس، سيؤدي إلى زيادة عدد الإصابات. والمستشفيات التي تعاني بالفعل من الإجهاد جراء العدد الكبير من المرضى، ليست مجهزة للتأقلم مع الوضع.

لقد دفع الهنود ثمناً اقتصادياً وبشرياً باهظاً للإغلاق المتسرع وسوء التخطيط. ومع فشل الهند في السيطرة على الفيروس. يبدو أن أوقاتاً صعبة تنتظرها الآن.

  •  

جميع الحقوق محفوظة