الأحد 12 يوليو 2020

الغنوشي لـ«القبس»: نأمل أن يكون الغزو نهاية الكوابيس في السياسات العربية الحالمة

الغنوشي لـ«القبس»: نأمل أن يكون الغزو نهاية الكوابيس في السياسات العربية الحالمة

الغنوشي لـ«القبس»: نأمل أن يكون الغزو نهاية الكوابيس في السياسات العربية الحالمة

قال رئيس البرلمان التونسي ورئيس حركة النهضة في تونس راشد الغنوشي في حوار خاص مع القبس، أجراه الباحث والكاتب في الصحيفة مبارك الجري «إنه يأمل أن يكون غزو الكويت المشؤوم نهاية نطاق الأحلام والكوابيس في السياسات العربية الحالمة».

وأضاف أن المسلمين انشغلوا بتواجد القوات الأجنبية عن الفظائع التي ارتكبها الجيش العراقي ضد جيرانه الكويتيين.

وإذ كشف عن تلقيه خبر هروب الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي خلال زيارة له للكويت، ذكر أن العلاقات التونسية - الكويتية اتسمت بالاستقرار والاحترام المتبادل وتنمية المصالح المشتركة للبلدين والتعاون في مجال نصرة القضايا العادلة، مثل قضية فلسطين.

وأشاد بالدور الذي قام به سمو أمير البلاد «الدبلوماسي الضليع» الشيخ صباح الأحمد في المسارعة إلى تلافي اندلاع حريق تهيأت أسبابه ليأتي على الأخضر واليابس في منطقة القلب من الأمة.

وذكر أن الكويتيين نجحوا في أن تتكسر الرياح الفاشستية الانقلابية العاتية على أسوار بلادهم فتفادوا بالديموقراطية الانقلابات العاتية التي أتت بمسمى ثورات.

والجري باحث دكتوراه في العلوم السياسية، وله عدد من الإصدارات، بينها: تحولات الإسلام السياسي: حركة النهضة أنموذجاً. وله سلسلة مقالات نشرت في القبس عن الحركات السياسية الإسلامية ومواضيع أخرى.

وفي ما يلي نص الحوار:

● ما تقييمك لطبيعة العلاقات الكويتية - التونسية، لا سيما بعد الثورة التونسية؟

العلاقات التونسية الكويتية جزء من علاقات تونس بدول الخليج، اتسمت عادة بالاستقرار والاحترام المتبادل وتنمية المصالح المشتركة للبلدين والتعاون في مجال نصرة القضايا العادلة مثل قضية فلسطين.

وتتميز هذه العلاقات بإقدام الصندوق السيادي الكويتي منذ وقت مبكر على إنجاز استثمارات ضخمة في تونس في مجال السياحة وغيرها كان لها إسهام كبير في تشجيع دول اخرى، خاصة في الخليج على اقتحام السوق التونسية، بما كانت له انعكاسات إيجابية على الاقتصاد التونسي وعلى التشغيل.

وتونس ثورة الحرية أحوج ما تكون الى تعزيز الحضور الكويتي في السوق التونسية للاستثمار في الحرية، لا سيما والمجتمع الكويتي عرف منذ وقت مبكر الاعلام الحر والانتخابات الحرة والديوانيات الحرة والبرلمان (مجلس الامة) المنتخب والمتعدد، إلى جانب مؤسسات مجتمع مدني مستقلة ونشطة داخل الكويت وخارجها، خصوصا في أفريقيا، تبني وتصلح المدارس وتغيث الملهوف، تطبب وتحفر الآبار وتوفر مواطن شغل للشباب والنساء، حتى عُدَّ صديقنا د. عبدالرحمن السميط، رحمه الله، أحد فاتحي أفريقيا.

الجدير بالملاحظة أن بين تونس والكويت مناخاً سياسياً وثقافياً مشتركاً ومزاج تفاهم وتعاطف وتواصل، لم يعكر صفوه غير ما عرف بصدمة الخليج، وسنعود إلى بعض ملابساتها، التي أراد البعض أن يؤسس عليها تاريخا جديدا من القطيعة، بدلا من اعتباره استثناء وحصره بين قوسين، من أجل إطلاق مجرى التاريخ والثقافة يتدفق جارفا زبد الاستثناءات والصدمات والعثرات والثارات والأحقاد.

في الخلاصة العلاقات التونسية - الكويتية والحديث عن دولة وليس عن حزب أو شخص كانت دائما جيدة وهي بعد الثورة أجود، بما تعزز من قيم تحررية مشتركة بين المجتمعين الكويتي والتونسي - باستثناء فترة الصدمة - ونتطلع اليوم الى ان تكون العلاقات اليوم وغدا أجود، بالاستثمار في قيم الحرية والوحدة والتعاون والسماحة والسلم والتنمية بدلا من الاستثمار في قيم الثار والانتقام والقطيعة وإيغار الصدور وإيقاظ الفتن النايمة.

قلب الوحدة الأوربية والسوق الأكبر: ألمانيا وفرنسا، أولم يتم ذلك بعد حربين عالميتين ذهبت بأرواح خمسين مليونا؟!

حسن الجوار

● الثابت الوحيد في الحقل السياسي هو التغيير. وهذا له انعكاساته أيضاً على الأفكار. بعد مرور 30 عاماً على الغزو العراقي للكويت، هل تغيّر تحليلك لهذه القضية؟ وما الأسباب؟

صحيح ومؤكد أن الحركة والتغيير والتطور والتداول سنّة من سنن بنية الكون والطبيعة والمجتمعات. من هنا تأتي أهمية التأريخ. للإنسان فقط تاريخ وليس ذلك للنحلة مثلاً. فهي كما نبه أحد المفكرين، رغم ذكائها ودقة عملها، هي تبني بيتها المسدس بكل إتقان ولكن الفرق بينها وبين أغبى مهندس ان هذا المهندس الغبي يبني البيت في رأسه قبل ان يجسمه في الطبيعة، فإذا فعل ذلك وسقط البيت رسم له مجسماً آخر مختلفاً عن الاول، بينما النحلة تظل تعيد البناء نفسه على امتداد القرون، إذ ليس لها تاريخ، ولذلك من الخطأ الحكم على أي موقف يتخذه الإنسان بتجريده من التاريخ ومن ظروف وملابسات الزمان والمكان، مثل الحكم على المواقف من حرب الخليج الاولى التي مر عليها زهاء ثلث قرن، التي كانت تعبيراً عن مسعى تدشيني للانتصار النهائي للرأسمالية، حيث كان الاتحاد السوفيتي المنافس الرئيس قد سقط لتوه، ولم يتردد بوش خلال تلك الهجمة على العالم بوصفها بالصليبية، فكان مفهوماً ان تكون صدمة المسلمين مذهلة وهم يشاهدون أعظم الأساطيل وأقوى الجيوش تجتاح المنطقة وتنتصب في القلب من الأمة، فشغلهم الهول عن الالتفات والاستنكار لما ارتكب جيش العراق من فظائع تجاه جيرانه الكويتيين بدلاً من الالتزام المطلق بمقتضيات حسن الجوار والعهود العربية والدولية الضامنة لحدود الدول وللسلم العالمي. وفي ذلك عند التحقيق مصلحة الجميع

الثورة المباركة

● كم مرة زرت الكويت؟ وهل ساهمت زيارتك في تكوين انطباع عن المجتمع والدولة؟

ــ تشرفت بزيارة دولة الكويت الشقيقة ثلاث مرات، الاولى في نهاية السبعينيات، والثانية في نهاية الثمانينيات، والثالثة كانت يوم 13 يناير 2011 أي قبل يوم واحد من انتصار الثورة المباركة، فمن غرفتي بمكان إقامتي كنت أول المعلقين في قناة «الجزيرة» على خطاب بن علي الأخير ثم على خبر هروبه.

وجواباً عن سؤال الجزيرة: ما تقول لابن علي؟ قلت حينها: «منذ 22 سنة خاطبت الشعب التونسي يوم انقلبت على بورقيبة لتؤكد أنه لا ظلم بعد اليوم، واعداً بالديموقراطية فصدقناك، ولكنك نكثت بوعودك، فلن نصدقك مرة ثانية، ارحل ارحل».

لقد كنت مدعواً في الكويت يومئذ للمشاركة في ملتقى دولي للمفكرين الإسلاميين. وعلى هامش الملتقى كانت لي لقاءات وحوارات مع عدد من صفوة البلد، أكدت الصورة المعروفة عن الكويت، صورة الانفتاح والأصالة والكرم، وحمل هموم الأمة، وبالأخص الهم الفلسطيني، وهموم المضطهدين، وبالخصوص في بلاد العرب. لقد شدني حماس الكويتيين للثورة التونسية رغم المسافة الشاسعة بين البلدين واختلاف البيئة.

الدبلوماسية الهادئة

● ما تقييمك للسياسة الخارجية الكويتية لا سيما بعد الغزو العراقي للكويت؟

عرفت سياسة الكويت الخارجية بالدبلوماسية الهادئة، فرأس الدولة شخصية دبلوماسية متمرسة تسعى لإقامة جسور تعاون واعتماد متبادل مع العالم، بعيدا عن الارتجال والعفوية وتقلّب المواقف. ولذلك لم يقع المتابعون للسياسات الكويتية الخارجية على مشكلات مع أي دولة في المنطقة والعالم، غير ما هو معروف من مشكلات مع العراق في أكثر من واقعة، نأمل ان يكون غزو الكويت المشؤوم عام 1990 نهاية مطاف الأحلام، بل قل الكوابيس، في السياسات العربية الحالمة باستعادة وضع إمبراطوري في زمن طويت فيه صفحة الإمبراطوريات القائمة على الغزو وتخطي حدود الدول القائمة لامتلاكها بالقوة، بينما هي أعضاء في الأسرة الدولية، وهو ما لم تستوعبه المنظورات الأيديولوجية العابرة للزمان والمكان، ويكفي دلالة على ما تتمتع به الدبلوماسية الكويتية من نضج ورصانة، تمكنها غير بعيد من تجاوز مخلفات الغزو في ما أحدثه من قطيعة مع دول عدة بدت مشايعة للغزو، مثل الاردن والسودان وتونس والجزائر وموريتانيا، ففي زمن قياسي تعاملت دبلوماسية الرصانة الكويتية القائمة على أساس عقلاني يختصر الزمان ويوفر الطاقات على اعتبار اننا معشر العرب يوما ما عائدون الى بعضنا، وان علينا أن ننسى جراحات الماضي، ولا نهدر مزيدا من الأوقات ونضيع مزيدا من الفرص لتجميع قوانا الإيجابية.

ونشيد هنا بالدور الذي قام به سمو أمير البلاد الدبلوماسي الضليع الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في المسارعة الى تلافي اندلاع حريق تهيأت أسبابه ليأتي على الاخضر واليابس في منطقة القلب من الامة.

التحول الديموقراطي

● ما تقييمك للتجربة السياسية المحلية في الكويت؟

تعتبر التجربة السياسية الديموقراطية في الكويت من أوليات تجارب التحول الديموقراطي في المنطقة العربية، إذ نجحت في تفادي موجة الانقلابات التي اجتاحت الإقليم تحت مسمى الثورة، بما أتى على تلكم التجارب الديموقراطية الوليدة المبكرة في مصر وسوريا والعراق، بينما نجح الكويتيون رغم التعثرات، في أن تتكسر الرياح الفاشستية الانقلابية العاتية على أسوار بلادهم، فحافظت الانتخابات على قدر معقول من المصداقية في إنتاج مجالس قوية، صوت المعارضة فيها عال. كما حافظ الاعلام على نسبة متميزة من الحرية، وكذا مؤسسات للمجتمع المدني كالديوانيات والجمعيات الخيرية والصحف على مساحة حرية واستقلال عن الحكم. ذلك ما تشهد به وقائع وإرهاصات التحول الديموقراطي، وتعتبر تاريخيا آباء وأمهات لثورات الربيع العربي التي اندلعت 2011 انطلاقا من تونس، حيث أرسيت معالم نموذج ديموقراطي كامل الأوصاف.

شكر وتقدير

وجه الغنوشي في بداية حديثه شكراً لمحاوره مبارك الجري الذي أصدر كتابين عن تجربة حركة النهضة التونسية وله عدد من الدراسات والمقالات في حقل الإسلام السياسي.

وقال الغنوشي: «تحية تقدير وامتنان لك لما قدمته وتقدمه من خدمة علمية لتجربة الانتقال الديموقراطي في تونس، تعريفاً بها في الأوساط الأكاديمية، وسبراً لأغوارها، لاكتشاف سنن وآليات تطورها».

جميع الحقوق محفوظة