الأحد 11 نوفمبر 2018

الدستور الكويتي.. لحظة فارقة في مسيرة الديمقراطية بالبلاد

الدستور الكويتي.. لحظة فارقة في مسيرة الديمقراطية بالبلاد

الدستور الكويتي.. لحظة فارقة في مسيرة الديمقراطية بالبلاد

يستذكر أهل الكويت، اليوم الأحد، بمزيد من الفخر والاعتزاز لحظات فارقة في مسيرة الديمقراطية وبناء الدولة الحديثة بعد أن صادق أمير البلاد الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح الحاكم الـ11 لدولة الكويت على دستورها يوم 11 نوفمبر عام 1962. وفي هذا اليوم تحتفل الكويت بالذكرى ال 56 لإقرار تلك الوثيقة المهمة التي لا زال ينظر إليها الكويتيون بكثير من التقدير والإجلال لاسيما أنها نظمت العلاقة بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. وقد أطر الدستور الكويتي أسلوب الحكم بشكل ينسجم وطبيعة العلاقة العريقة بين الحاكم والشعب ونقلها إلى وضع أكثر عصرية واستقرارا اذ تؤكد مضامين الدستور ومقوماته الأساسية التمسك بثوابت العدل والحرية والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين. وخاض الدستور الكويتي مرحلة مخاض قبل إقراره حيث تم في يناير عام 1962 انتخاب مجلس تأسيسي لوضع دستور للدولة كما شكل المجلس لجنة لإعداد مشروع الدستور تتألف من خمسة أعضاء مهمتها إعداد دستور ينظم كيان دولة الكويت وينظم السلطات والحريات على أن يتم عرضه على سمو أمير البلاد. وفي جلسة افتتاح المجلس التأسيسي ألقى الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم كلمة قال فيها "باسم الله العلي القدير نفتتح أعمال المجلس التأسيسي الذي تقع على عاتقه مهمة وضع أساس الحكم في المستقبل". وأضاف "أختتم كلمتي بالنصح لكم كوالد لأولاده أن تحافظوا على وحدة وجمع الكلمة حتى تؤدوا رسالتكم الجليلة في خدمة هذا الشعب على أكمل وجه وأحسنه والله ولي التوفيق". وعقب ذلك تم انتخاب المرحوم عبد اللطيف ثنيان الغانم رئيسا للمجلس التأسيسي فيما انتخب الدكتور أحمد الخطيب نائبا للرئيس. ولعل أول مهمة قام بها المجلس التأسيسي هي تشكيل لجنة اعداد مشروع الدستور التي ضمت خمسة اعضاء هم المرحوم عبداللطيف ثنيان الغانم رئيس المجلس التأسيسي وسمو الأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح رحمه الله وكان حينها وزيرا للداخلية ورئيس لجنة اعداد مشروع الدستور المرحوم حمود الزيد الخالد الذي كان وزيرا للعدل والمرحوم يعقوب يوسف الحميضي عضو المجلس التأسيسي وأمين سر اللجنة والمرحوم سعود عبدالعزيز العبدالرزاق عضو المجلس التأسيسي. وتولى سكرتارية اللجنة الأمين العام للمجلس التأسيسي علي محمد الرضوان كما تمت الاستعانة بالخبرات القانونية لكل من الخبير القانوني محسن عبدالحافظ الى جانب الخبير الدستوري الدكتور عثمان خليل عثمان. وعقدت لجنة الدستور 23 جلسة كانت الاولى يوم 17 مارس 1962 واستمرت حتى الجلسة الاخيرة في 27 اكتوبر 1962 حيث أحالت اللجنة بعدها مشروع الدستور بأكمله الى المجلس التأسيسي لمناقشته واقراره. وبدأ المجلس التأسيسي النظر في مشروع الدستور في 12 أغسطس 1962 وفي جلسته المنعقدة يوم 30 أكتوبر من العام نفسه تمت تلاوة مواد مشروع الدستور مادة تلو الأخرى ومن ثم أخذ التصويت على المشروع بالمناداة على الأعضاء فردا فردا وتمت الموافقة عليه بالإجماع من جميع اعضاء المجلس ومن ثم أقر المجلس بالإجماع مشروع الدستور في جلسة 3 نوفمبر 1962. وفي الثامن من نوفمبر عام 1962 قدم رئيس المجلس التأسيسي المرحوم عبداللطيف ثنيان الغانم الدستور الجديد الى الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح بقصر السيف حيث ألقى كلمة قال فيها "إنه لشرف كبير لزملائي أعضاء لجنة الدستور ولشخصي أن نتقدم الى سموكم في هذا اليوم التاريخي نيابة عن المجلس التأسيسي بمشروع الدستور الذي رأيتم وضعه للبلاد على أساس المبادئ الديمقراطية المستوحاة من واقع الكويت". وصادق الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم على الدستور بعد ثلاثة أيام من تاريخ رفعه إليه وتم اصداره وكان على الصورة التي اقرها المجلس وتم نشره في الجريدة الرسمية في اليوم التالي لصدوره. وبعد مضي 72 يوما فقط على اقرار الدستور أجريت في 23 يناير عام 1963 أول انتخابات شاملة في الكويت لاختيار أعضاء مجلس للامة وكان ذلك إيذانا رسميا ببدء العمل بالممارسة السياسية بموجب أحكام الدستور الجديد كما كان المدخل الذي نفذت من خلاله حدود سلطات البلاد الرئيسية التشريعية والتنفيذية والقضائية. ويتألف دستور الكويت من 183 مادة موزعة على خمسة أبواب أولها عن الدولة ونظام الحكم والثاني عن المقومات الأساسية للمجتمع الكويتي والثالث عن الحقوق والواجبات العامة والرابع عن السلطات فيما احتوى الخامس على نصوص الاحكام العامة والمؤقتة. وقد اشتمل الباب الرابع من الدستور على خمسة فصول جاء الاول على شكل أحكام عامة والثاني عن رئيس الدولة والثالث عن السلطة التشريعية والرابع عن السلطة التنفيذية والخامس عن السلطة القضائية. وأوضحت المذكرة التفسيرية للدستور التي تعتبر بمنزلة العمود الفقري لمواده التصور العام لنظام الحكم في البلاد وفسرت كل المواد التي قد تخضع لأكثر من تفسير أو اجتهاد. وفي 10 فبراير عام 1980 شكل أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح لجنة للنظر في تنقيح الدستور تكونت من 35 عضوا. وعقدت اللجنة المذكورة أعلاه أول اجتماع لها في 19 فبراير 1980 بحضور الأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح الذي ألقى خطابا في الاجتماع طالب فيه الاعضاء بالحفاظ على الدستور وصيانة مبادئه الاساسية ومشددا على المسؤولية الملقاة على عاتق اللجنة لخدمة شعب الكويت وتحقيق أمنه ورخائه واستقراره. وأنهت لجنة تنقيح الدستور أعمالها في 22 يونيو 1980 بعد أن عقدت عدة اجتماعات استمرت 18 أسبوعا اطلعت خلالها على 13 تصورا من الحكومة وتصور واحد من الاعضاء. ومثلما كان دستور الكويت درعها الواقي في الرخاء كان كذلك في الشدة لاسيما أيام الغزو العراقي الغاشم للبلاد في أغسطس عام 1990 حيث أصبح بمنزلة السقف الذي وحد الكويتيين في الداخل والخارج تحت ظله ورايته وعزز تمسكهم بشرعيتهم فأهل الكويت في الداخل صمدوا ورفضوا التعاون مع الغزاة فيما اجتمع الكويتيون في الخارج بجدة في اكتوبر عام 1990 وأعلنوا تمسكهم بدستورهم. ولعل كلمات أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح التي ألقاها في المؤتمر الشعبي بجدة والذي عقد أثناء فترة الاحتلال أبلغ دليل على تمسك الكويتيين قيادة وشعبا بدستورهم حينما قال ان "الكويتيين عاشوا منذ القدم في أجواء من الحرية والتزموا الشورى ومارسوا الديمقراطية في إطار دستورنا الذي ارتضيناه". ومن جهته كان رئيس المؤتمر عبدالعزيز الصقر رحمه الله قال في كلمته أمام المؤتمر إن "استرشاد دستور الكويت بتجارب الدول الأخرى قد عزز هويته الكويتية الصادقة فجاء بمنزلة عباءة سياسية كويتية النسيج والنموذج". وبعد أن من الله على الكويت بنعمة التحرير وجه الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد كلمة للشعب الكويتي في العشر الأواخر من رمضان الموافق للسابع من أبريل عام 1991 قال فيها إن "الشورى والمشاركة الشعبية في أمور البلاد كانت طبيعة الحياة في بلدنا ولها طرق عدة الا أن عودة الحياة النيابية هي ما اتفقنا عليه في المؤتمر الشعبي بجدة". وأضاف الأمير الراحل "ووفاء بهذا العهد فقد قررنا بعد أن تستقر الأوضاع وتبدأ مسيرة الحياة ويعود أهل الكويت الى أهلهم أن تجري الانتخابات النيابية خلال السنة المقبلة بإذن الله تعالى حسب ما نص عليه دستورنا". ومنذ صدور الدستور قبل 56 عاما وحتى اليوم تم انتخاب 15 فصلا تشريعيا وتم تشكيل 34 حكومة. وعلى هذا النهج سار سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الذي كان ولا يزال يؤكد في كل مناسبة أو خطاب لسموه حرصه على التمسك بما جاء بالدستور وكان آخرها ما جاء في نطقه السامي الذي افتتح فيه دور الانعقاد العادي الثالث من الفصل التشريعي ال 15 لمجلس الأمة في 30 أكتوبر الماضي عندما قال "وإذ نؤكد مجددا إيماننا بالديمقراطية فكرا ونهجا وممارسة.. وحرصنا عليها ودعمنا لها فقد عملنا وسنظل نعمل على ترسيخها ورفع قواعدها وكنا نأمل ونتطلع وقد مضى على انطلاقتها الحديثة أكثر من خمسين عاما أن تكون قد بلغت أو قاربت مرحلة النضج والرشاد". لقد شدد الدستور الكويتي على أن العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع وأن التعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين وأكد مسؤولية الدولة في صيانة دعامات المجتمع وضمان الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص للمواطنين وسيبقى على هذا النهج في ظل الرعاية الأبوية السامية لسمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وسمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح حفظهما الله ورعاهما.

جميع الحقوق محفوظة