الأربعاء 24 يونيو 2020

«وايركارد» فخر ألمانيا.. فضيحة إلى العلن!

«وايركارد» فخر ألمانيا.. فضيحة إلى العلن!

«وايركارد» فخر ألمانيا.. فضيحة إلى العلن!

تفجرت في ألمانيا فضيحة طالت شركة، كانت توصف يوماً بأنها مستقبل التمويل في ألمانيا، لتتحول إلى مصدر للإحراج الوطني.

فبعد أن وعدت شركة وايركارد ايه جي بتغيير عالم المدفوعات، ها هي الآن تشهد انهياراً في أسهمها واستقالة رئيسها التنفيذي، بعد أن فقد مبلغ 1.9 مليار يورو (2.1 مليار دولار)، أو نحو ربع ميزانيتها العمومية. وهو الأمر الذي أجبرها لاحقا على سحب نتائجها المالية لعام 2019 والربع الأول من عام 2020 التي نشرت سابقا، بعد أن قالت إن الأموال المسجلة في ميزانيتها غير متوافرة. وقد كان ذلك بمنزلة صدمة للمؤسسة الألمانية بعد أن كانت دافعت عن وايركارد أمام مستثمرين مهمين حذروا منذ فترة طويلة من مخالفات محاسبية في دفاترها.

قالت الشركة، التي تقدم خدمات معاملات الدفع الإلكتروني للعملاء وإدارة المخاطر وإصدار ومعالجة البطاقات الملموسة والافتراضية، في بيان لها، إن الأوصاف السابقة للأعمال مع أطراف ثالثة تعالج المعاملات نيابة عن وايركارد، «لم تكن صحيحة». وحتى قبل هذا البيان، أدت الفضيحة التي تزداد اتساعا إلى انهيار أسهم وسندات وايركارد، واستقالة رئيسها التنفيذي، ودخول الشركة في عملية إعادة التفاوض على شروط الديون مع المقرضين.

وتم اعتقال الرئيس التنفيذي المستقيل ماركوس براون للاشتباه بمخالفات محاسبية والتلاعب في السوق، بعد يومين من اعتراف الشركة التي أسسها وجعل منها شركة رائدة للتكنولوجيا المالية في أوروبا، بعدم وجود مبلغ الـ2.1 مليار دولار المسجل سابقا في الميزانية العمومية، وتم اخلاء سبيله بكفالة 5 ملايين يورو.

وتدرس شركة المدفوعات الآن إعادة هيكلة واسعة النطاق، في محاولة للبقاء على قيد الحياة من قبيل اجراء تخفيضات في التكاليف وإعادة الهيكلة، والتخلص من بعض وحدات الأعمال وقطاعات المنتجات.

وقالت «وايركارد» إن المناقشات البناءة مع مجموعة من البنوك بشأن تمديد قروض بقيمة 2 مليار يورو مستمرة، بعد أن فوتت الشركة مهلة 19 يونيو لنشر النتائج السنوية المدققة. وقد أخرت الشركة مرارا وتكرارا الإعلان عن بياناتها المالية.

مزاعم فساد قديمة

واجهت شركة التكنولوجيا المالية الألمانية، التي كانت تحلق عاليا ذات مرة، مزاعم المبلغين عن وجود احتيال محاسبي لأكثر من 18 شهرا. كما فشلت المراجعة الدقيقة التي أجرتها شركة KPMG، بتكليف من مجلس الإشراف في «وايركارد» في تبديد المخاوف عندما نشرت نتائجها في أبريل.

وقال أشخاص مطلعون على الأمر في وقت سابق، إن مقرضي «وايركارد» يطالبون بمزيد من الوضوح من الشركة في مقابل تمديد ما يقرب من 2 مليار دولار من التمويل بعد خرق شروط القرض. وقالوا ان 15 مقرضا على الأقل، بما في ذلك «كوميرزبنك ايه جي» و «ايه بي ان أمرو»، يجرون مفاوضات محمومة بشأن الخطوات التي يجب اتخاذها.

وقال جوستين تانغ، رئيس قسم الأبحاث الآسيوية في «يونايتد فيرست بارتنرز» بسنغافورة، إن الأموال المفقودة «يمكن أن تؤدي إلى حدوث حالة تخلف عن السداد ما يسمح للدائنين بسحب خطوط الائتمان».

وكانت وكالة موديز لخدمات المستثمرين خفضت تصنيفات «وايركارد» الائتمانية ستة مستويات، مما يضعها على بعد خطوة واحدة من بلوغ أدنى مستوى من التصنيف عند فئة «جانك» أي عالية المخاطر وتواجه خطرا حقيقيا بالتخلف عن السداد.

وكانت أسهم «وايركارد» تراجعت بنسبة %91 الأسبوع الماضي، بعد أن توجت الفضيحة باستقالة ماركوس براون، بعد ما يقرب من عقدين من الزمن كرئيس تنفيذي. وتم استبداله بشكل مؤقت بجيمس فريس.

النظام المالي الفلبيني

تمحور الغموض الكبير الذي يحيط بالأموال المفقودة حول مصرفين فلبينيين، بعد أن قالت «وايركارد» إن اثنين من البنوك الآسيوية التي لم تتم تسميتها لم يتمكنا من العثور على حسابات بها أموال.

وقال كل من «بنك أوف فيلبين ايلاندس» و«بي دي او يونيبانك» إن «وايركارد» لم تكن عميلا ولم يريا أية أموال. ووفق البنك المركزي الفلبيني، الذي يجري تحقيقاته الخاصة، فانه لم تدخل الأموال المفقودة النظام المالي الفلبيني.

وقال سيزار كونسينغ، رئيس بنك أوف فيلبين ايلاندس، إن الوثيقة التي تهدف إلى إظهار وجود صلة بين «وايركارد» والبنك كانت «وهمية» وقد تكون جزءا من محاولة احتيال. وقال الرئيس التنفيذي لبنك بي دي أو يونيبانك، نيستور تان، إن الأمر يتعلق بـ«تزوير مستندات أكد البنك لاحقا أنها زائفة».

عملاء من الوزن الثقيل

على الرغم من براعتها في قطاع الهندسة والصناعة، تخلفت ألمانيا في إنتاج عمالقة تكنولوجيا مثل فيسبوك، باستثناء شركة البرمجيات SAP SE.

وبعد سلسلة من عمليات الاستحواذ، بدت «وايركارد» وكأنها على استعداد لتغيير هذه الرواية. يقع مقرها في إحدى ضواحي ميونخ النائمة، وهي مدينة معروفة بكونها موطن بي ام دبليو وسيمنز. وفي عام 2018، أخرجت الشركة الناشئة «كوميرس بنك ايه جي» البالغ من العمر 148 عاما من مؤشر داكس الألماني.

ركزت «وايركارد» في البداية على خدمة مدفوعات المقامرة والمواد الإباحية عبر الانترنت. ومن بين أحدث عملائها أنجح ناد لكرة القدم في ألمانيا بايرن ميونخ، وشركة الهاتف المحمول الفرنسية أورانج إس إيه، وعملاق الأثاث السويدي إيكيا.

وكان المستثمرون والمحللون والمنظمون على استعداد للتغاضي عن الغموض الذي يحيط بـ«وايركارد» طالما أنها مستمرة في النمو، حتى مع ظهور تساؤلات حول حساباتها العام الماضي، من خلال سلسلة من التقارير الإعلامية، تتقدمها صحيفة فايننشال تايمز التي كانت أول من أثار الموضوع.

وتهدد هذه الفضيحة وانهيار الأسهم بتقويض استعداد الألمان للاستثمار في الأسهم بدلا من حسابات التوفير، التي تقدم حاليا فائدة ضئيلة.

كما قامت الهيئة التنظيمية الألمانية بالتحقيق في التلاعب المحتمل بالسوق من قبل المتداولين الذي يبيعون على المكشوف والصحافيين، وما إذا كانت «وايركارد» فشلت في تلبية التزامات الإفصاح الخاصة بها. وطلبت من النيابة العامة في ميونخ التحقيق في كلا الأمرين.

تجاهل علامات التحذير

ربما لم يكن صعود «وايركارد» ممكنا من دون المقرضين. حتى ان «دويتشه بنك»، أكبر بنك في ألمانيا، قدم قرضا الى الرئيس التنفيذي السابق ماركوس براون بضمان أسهم «وايركارد»، وهي معاملة تعرف باسم قرض الهامش.

وقال تيم ألبريشت، مدير الصناديق في وحدة إدارة الأصول DWS التابعة لبنك دويتشه بنك، في مقابلة مع «فرانكفورتر ألجماينه زيتونغ»: «هناك الكثير من الجهات المسؤولة. يبدأ الأمر بالفشل المؤسسي في وايركارد لينتقل بعدها إلى البنوك التي أرسلت إشارات إيجابية عن الشركة من خلال تقارير المحللين الموثوق بهم». وكان مدير الأصول في «دويتشه بنك» قام برهان كبير على «وايركارد» العام الماضي.

فضائح قطاع الشركات

تمثل مشكلات «وايركارد» نكسة أخرى لقطاع الشركات في ألمانيا، بعد فضيحة الغش في الانبعاثات التي اجتاحت شركات صناعة السيارات، ومليارات الدولارات التي دفعها «دويتشه بنك» على شكل غرامات وتسويات قانونية لسوء السلوك، في أعقاب عمليات توسع كبيرة قام بها البنك الاستثماري العالمي.

نشوة ألمانية

قال هانز بيتر بورغوف، أستاذ العلوم المالية في جامعة هوهنهايم في شتوتغارت «نحن الألمان لا نميل الي الشعور بالحماس والاثارة كما هو الحال في الولايات المتحدة، لكن عندما انضمت وايركارد إلى مؤشر داكس، كان هناك شعور رائع بالنشوة بأن بإمكاننا أيضا إنتاج عمالقة ناجحين في التكنولوجيا. ان ما نراه الآن أمر مروع». وأضاف «إنه أمر محرج لألمانيا. لم تكن البنوك ومدققو الحسابات والمنظمون يطرحون الأسئلة الصحيحة».

  •  

جميع الحقوق محفوظة