الخميس 26 يناير 2023

«البديل الاستراتيجي»... ليكن أعمق من مجرد تعديل الرواتب

«البديل الاستراتيجي»... ليكن أعمق من مجرد تعديل الرواتب

«البديل الاستراتيجي»... ليكن أعمق من مجرد تعديل الرواتب

عاد ملف ما يعرف ب «البديل الاستراتيجي للأجور والرواتب» إلى الواجهة مجدداً بعد نحو ثماني سنوات من بداية دراسته، بعدما أعلن نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء براك الشيتان، إحالة الدراسة بشأنه، والمعدّة من ديوان الخدمة المدنية، إلى مجلس الخدمة المدنية لمناقشتها، وإبداء الرأي تمهيداً لإقرارها.

ومع الإقرار بوجوب إعادة النظر في هيكل الرواتب والأجور في البلاد بعد سنوات من عبث الكوادر والبدلات المالية، التي حمّلت المالية العامة أعباء مستمرة ومتراكمة، وخلّفت تفاوتاً في تقييم الوظائف المتشابهة، واختلالاً لافتاً ما بين رواتب وأجور موظفي وزارات الدولة بالمقارنة مع نظرائهم في الهيئات الحكومية والجهات المستقلة، فإن التعامل مع مسألة البديل الاستراتيجي يجب أن يكون أعمق بكثير من مجرد تعديل الرواتب والأجور، بحيث تعالج مجموعة من اختلالات سوق العمل في البلاد.

ففي دولة تستهلك نحو 56 في المئة من ميزانيتها السنوية على بنود الرواتب والأجور، بمعدل نمو سنوي يتراوح ما بين 4 و5 في المئة، فإن الحديث عن اقتصار البديل الاستراتيجي على جانب الرواتب والأجور هو تعميق لأزمة المالية العامة وسوق العمل، إذ يجب أن يكون بديلاً بالفعل لخيارات العمل خارج القطاع العام من جهة، واستراتيجياً حقيقياً لما يقدمه من استدامة مالية الدولة في السنوات المقبلة، خصوصاً مع توقعات دخول 24 ألف شخص سنوياً إلى سوق العمل، مما يجعل أي معالجة لا تتعلق برفع جاذبية القطاع الخاص كبيئة عمل أولى مفضلة للخريجين الكوييتين هي معالجة منحرفة ومن شأنها تعميق أزمتي المالية العامة وسوق العمل بجعلهما أكثر استفحالاً.

جاذبية القطاع الخاص

ومع الأخذ بعين الاعتبار أن السياسة الحكومية في الفترة القصيرة الماضية كانت مخالفة لكل احتياجات سوق العمل والمالية العامة، بل وحتى الخطاب الاقتصادي الرسمي برفع جاذبية العمل بالقطاع الخاص، وكان آخرها منح الحكومة مزايا بيع الإجازات ومكافأة الصفوف الأمامية لموظفي القطاع العام دون الخاص، وهي بالأصل مزايا مالية غير ضرورية في مجملها وغير مستحقة لجميع المشمولين بها، فإن رفع جاذبية العمل في القطاع الخاص لا تتوقف عند مسألة رفع الجاذبية المالية عن طريق زيادة «دعم العمالة» إنما أيضاً عبر المزايا الوظيفية، التي يجب أن تدرس بعناية، كالتأمين ضد البطالة أو زيادة مدة الإجازات السنوية، وصولاً إلى مناقشة خفض مدة أو سن التقاعد للعاملين بالقطاع الخاص، ناهيك عن العمل على إصلاح قطاع مهم وأساسي يفترض أن يكون مفتاحاً حل لخلق فرص عمل للشباب الكويتيين، وهو قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، الذي يعاني الصندوق الوطني المكلف إدارته منذ عام 2013 من التعثر في تحقيق الحد الأدنى من أهدافه، رغم ضخامة رأسماله البالغ ملياري دينار، إذ إن أغلب المصاعب التي تعوق المبادرين الشباب لا تنحصر في الصعوبات المالية فقط، إنما أيضاً بعوائق التشغيل والأراضي والبيروقراطية الحكومية.

قضايا ذات صلة

من المهم كذلك أن يعالج «البديل الاستراتيجي» مجموعة من القضايا ذات الصلة مثل الرواتب العالية، التي يتقاضاها موظفو وقياديو بعض الهيئات الحكومية بالتوازي مع دعم التوجه الحكومي بدمجها وتقليصها وصولاً إلى إعادة تقييم رواتب ومزايا القطاع النفطي، مع التأكيد على أهمية أن يكون تطبيق «البديل» على موظفي الدولة الحاليين في اتجاه تعديل أوضاع ما تسببت به فوضى الكوادر والبدلات قبل 12عاماً مع الإقرار بصعوبة بلوغ حل يرضي كل الأطراف نتيجة التخريب المتعمد في نظام الدولة الوظيفي، لكن الأهم أن يطبق «البديل الاستراتيجي» على القادمين الجدد لسوق العمل اعتباراً من تاريخ معين ليكون بعد سنوات هو النظام الوظيفي المعتمد في البلاد، وهذا سيجعله اكثر استدامة.

 

وتظل مسألة علاقة البديل الاستراتيجي بأوضاع الصناديق الاكتوارية في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية مسألة حساسة لناحية ضرورة عمل دراسة دقيقة لأثر البديل الاستراتيجي على الاشتراكات السنوية وسن التقاعد والراتب التقاعدي، وهي مسائل أقرب إلى التوقعات لأن نتائجها تظهر على المديين المتوسط والطويل، بالتالي من المهم أن يتضمن أي بديل استراتيجي للرواتب سيناريوهات متعددة تبين آثار تطبيق البديل الاستراتيجي على صناديق التأمينات الاكتوارية، بما يقلل مخاطرها ويرفع درجة استدامة المؤسسة.

اهداف ضرورية

وتظل للبديل الاستراتيجي، إذا أُحسن تطبيقه، أهداف ضرورية لكنها متوسطة أو بعيدة المدى يمكن تحقيقها بالتوازي مع إصلاح الجهاز التنفيذي للدولة، منها إعداد برامج تقييم وإنجاز لكفاءة الموظفين وجهات عملهم في مدى تحقيق مستهدفات معينة.

ففي الوضع الحالي، تستهلك وزارتا التربية والصحة أعلى معدل إنفاق رواتب بين موظفي الدولة، ومع ذلك فمؤشرات قطاعي التعليم العام والصحة في تراجع مستمر على مختلف مؤشرات التقييم الدولية، أما القطاع النفطي، الذي تضاعفت فيه كلفة إنتاج البرميل خلال فترة زيادة الكوادر المالية إلى 8 دولارات للبرميل، فهو الأسوأ بين القطاعات النفطية الخليجية فيما يتعلق بالإخفاق في تنفيذ المشاريع الاستراتيجية داخل أو خارج الكويت وتأخرها أو إفلاسها فضلاً عن انخفاض المهنية وتفشي الشللية، مما يستلزم وضع نماذج تقييم تتحدد بعدها طبيعة رواتب أي جهة أو قطاع.

تضخم الوظائف القيادية

كذلك، من المهم العمل على هيكلة شاملة للقطاع العام تقلص تضخم الوظائف القيادية والقطاعات المتعددة في العديد من الوزارات، لتكن مثلاً أي وزارة ذات هيكل إداري مكون من وكيل وزارة يتبعه وكيل مساعد للمالية والإدارية، وآخر للقانونية، وثالث للاختصاص، لاسيما في الوزارات الفنية كالكهرباء والماء، والأشغال العامة، والصحة، إلى جانب توجيه مخرجات التعليم نحو احتياجات سوق العمل.

ومناقشة البديل الاستراتيجي للرواتب والأجور يجب ألا تكون ضمن صيغة تخفف على الحكومة حرج ما عرف أخيراً بالرواتب الاستثنائية، ويجب عدم حصرها بالجوانب المتعلقة بتقليص المصروفات، إنما من ضمن معالجة أكبر ومستدامة لاختلالات الاقتصاد الرئيسية كانحراف سوق العمل أو تضخم المالية العامة، ناهيك عن إصلاح بيئة الاستثمار التي توفر وظائف للشباب الكويتي بعيداً عن تركز القطاع العام.

 

 

جميع الحقوق محفوظة