الخميس 30 يونيو 2022

الملف النووي يفتح الطريق لحل مشكلات في الشرق الأوسط

الملف النووي يفتح الطريق لحل مشكلات في الشرق الأوسط

الملف النووي يفتح الطريق لحل مشكلات في الشرق الأوسط

يدشّن الشرق الأوسط مرحلة جديدة بعد نزاعات دامت عقوداً، وهي مرحلة بدأت تتبلور بعد خروج الولايات المتحدة وحلف «الناتو» من أفغانستان، وتبرز ملامحها على نحو أكثر وضوحاً مع بدء المفاوضات غير المباشرة بين إيران وأميركا في دولة قطر الخليجية.

ولاختيار الدوحة مكاناً للمفاوضات، قيمة كبيرة ودلالات عدة، لعل أكثرها أهمية أن منطقة الخليج تستضيف الآن أكبر المشكلات والأزمات التي شهدها الشرق الأوسط، وهو الصراع الإيراني - الأميركي، وتالياً فإن للمكان رمزية تنطوي على رسالة للعالم مفادها بان دول المنطقة تستطيع حل مشكلاتها بنفسها من دون اللجوء إلى الحلول العسكرية بل إلى لغة الديبلوماسية.

 

ليست مصادفة أن تستضيف قطر المباحثات المعقدة بين عدوين بدأ صراعهما منذ عام 1979 وما زال - وسيبقى قائماً في شكل مختلف وأقل حدة ظاهرياً - حتى توقيع الاتفاق الذي من الممكن أن «يتضرر» مستقبلاً.

وعملت الدوحة بصمت لمدة طويلة في محاولة لإزالة الخلافات بين واشنطن وطهران.

وكان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قام بنفسه بزيارة أخيراً لطهران، لتتويج مرحلة العودة إلى المفاوضات التي توقفت لمدة ثلاثة أشهر.

وقد دعمت الدوحة، الاتفاق منذ عام 2015 ويتمتع قادتها بعلاقة ممتازة ومميزة مع الدولتين.

فإيران تنظر إلى قطر على أنها «دولة صديقة». أما أميركا، فتعلن دائماً ان الدوحة لديها دور مميز في مجالات عدة، وقد وقفت مع واشنطن في أكثر من محطة آخرها في أفغانستان.

وللدوحة مكانتها في منطقة الخليج، وتالياً فإن موافقة إيران على المفاوضات على أرض الخليج، هي رسالة أرادت عبرها القول انها تريد علاقة جيدة مع جيرانها، وتتمنى أن تحل الخلافات في ما بينهم من دون أي تدخل خارجي وأن قبول استضافة المفاوضات لم يحصل من دون رضا دول المنطقة التي هي على علم بتفاصيل الاتفاق النووي وستعلم إلى أين وصل ما دام اللقاء يحصل على أرض الخليج وفي منطقته.

ووصلت محادثات فيينا إلى «خاتمة الأمور» بعد أن اتفق الطرفان الإيراني والأميركي - من خلال الوسيط الأوروبي - على أكثر من 90 صفحة تحتوي كل التفاصيل العالقة والتي وافق عليها الطرفان.

وبقيت بعض الأمور عالقة وهي تتعلق بالضمانات التي تطلبها إيران وبرفع الحرس الثوري عن لائحة العقوبات، لكي لا يبقى أي عذر لإدارة الرئيس جو بايدن لفرض العقوبات مجدداً على طهران بعد التوقيع، وتحت عناوين مختلفة.

وتؤكد إيران انها لن تتنازل عن خطوطها الحمر، وان مطالبها لن تتغير لأنها ستدفع ثمن رفع العقوبات بخفض التخصيب النووي وكميات اليورانيوم المخضب وإزالة أجهزة الطرد المتطورة، وتالياً فهي تريد ضمانات أميركية قبل القيام بأي خطوة تؤذيها، كما فعلت عندما وقعت حكومة الرئيس حسن روحاني على الاتفاق، وصبت الأسمنت في مفاعلها في فوردو والذي تسبب بخسائر ضخمة لإزالته بعد خروج الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018.

وكانت طهران، عقدت 6 جولات مفاوضات في فيينا قبل أن تتوقف المباحثات عند استلام حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي، الحكم والذي أعادها إلى سكتها حتى 11 مارس الماضي، لتتوقف مجدداً بطلب من الوسيط الأوروبي بعد أن وصلت إلى طريق شبه مسدود.

لكن اللقاءات والاتصالات السرية وغير المعلنة استمرت، إذ حصلت 6 لقاءات وأكثر من 20 اتصالاً بين وزارة الخارجية الإيرانية ودول عدة، أهمها أوروبية، إضافة إلى قطر، في محاولة لإزالة العقبات.

فطهران تريد بشدة رفع العقوبات عنها وأميركا لا تريد لإيران أن تصل إلى مستوى اللاعودة لتصبح دولة تملك القدرة النووية العسكرية، وتالياً فإن من المرجح أن يصل الطرفان إلى معادلة رابح - رابح أو على الأقل لن يخرج أحداً خاسراً من المفاوضات.

وقد حاولت أميركا طلب ضمانات من إيران، ليعلن مسؤولوها أقله، أنها لن تستهدف إسرائيل في المستقبل. فرفضت طهران بشدة لأن المفاوضات تتركز حول الاتفاق النووي من دون إضافة أي بند خارجي عليه، بالإضافة إلى أن إيران لن تعطي أبداً أي ضمانة لإسرائيل.

قدمت قطر صيغة وافق عليها الطرفان، فأوعزت لمنسق العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بالعودة إلى طهران وقطف الثمار الإعلامية.

إلا أن أخذ الملف النووي المعقد إلى منطقة الخليج، سيكون له انعكاسات إيجابية ومهمة، وعلى رأسها عودة الزخم إلى العلاقات السعودية - الإيرانية ووضع الملفات العالقة بين دول المنطقة (اليمن والعراق وسورية ولبنان وفلسطين) على الطاولة من جديد، لكن هذه المرة ضمن المنطقة الواحدة ومن دون أي تدخل لدول خارجية تستخدم أسلوب التهديد العسكري الذي أثبت فشله وتسبب بمقتل مئات الآلاف، في الشرق الأوسط.

من المتوقع أن ينهي الصراع الأميركي - الإيراني، صراعات أخرى في المنطقة أو على الأقل، سيرسم خطوطاً جديدة ومرحلة مستقبلية تُبعد شبح الحروب وسباق التسلح والتشنج الحالي ويدفع قدماً محاولة إعادة جسور الثقة. وقد تجلى ذلك عندما اعتبرت طهران ان الضامن الأوروبي غير موثوق به وقبلت بالدور الخليجي بالنيابة عنه.

إلا أنّ إيران تعلم بأن العالم مليء بالتهديدات، وبأنها ستبقى مستهدفة وسيستمر العمل على استهدافها ما دامت تتحدى «الأحادية الأميركية» المهيمنة على العالم.

جميع الحقوق محفوظة