السبت 08 أكتوبر 2022

شارع الحمرا.. مرآة للزمن اللبناني وتحولاته

شارع الحمرا.. مرآة للزمن اللبناني وتحولاته

شارع الحمرا.. مرآة للزمن اللبناني وتحولاته

يختزل شارع الحمرا في بيروت حال لبنان وأطواره وتحولاته. فصورة العاصمة التي لقبت يوماً سويسرا الشرق كانت تتمثل في هذا الشارع بكل مظاهره، من حركة ثقافية ومسارح ومقاه ومتاجر عالمية، انحسرت تدريجيا ابان الحرب اللبنانية، وما بعدها، لتندثر معالمها كليا اليوم، معلنة انتهاء زمن قد لا يعود.

فقدت بيروت رونقها وجاذبيتها، وما عادت مصرفا للعرب ولا مكتبة لهم ولا مستشفى. لكن الخراب الأكثر قسوة على المدينة والشارع كان في انطفاء الروح، «فبيروت لم تعد تشبه نفسها والحمرا لم تعد حمرا الماضي الجميل».

من زقاق في 1898 يسكنه مزارعون وصيادو أسماك الى شارع كوزموبوليتي، أطوار وحقب عبر بها شارع الحمراء كانت ترمز في كل حقبة إلى صورة المشهد الاكبر. فقبل الحرب الأهلية كان شارع الحمرا نخبوياً. وخلال ذروة الستينيات والسبعينيات شكلت الحمراء عنواناً جذاباً يختزل أناقة العصر حتى استحقت لقب «شانزليزيه بيروت» أسوة بالشارع الباريسي الشهير: دور سينما ومسارح عريقة، مقاهٍ تعجّ بالفنانين والنخب، متاجر فاخرة تعرض أفخم الماركات العالمية، ومقصداً للسياح العرب والأوروبيين يرتادون متاجره.

خيمة الأدباء ومنطلق الإبداع

يقول الشاعر شوقي بزيع المداوم في شارع الحمرا ان النخب كانت تأتي الى بيروت باعتبارها المتنفس. وشكل شارع الحمرا محطة للمثقفين من الأقطار العربية كافة، فكان «خيمتهم» ومنطلق ابداعهم.

مبدعون كثر مروا على الحمرا. محمد الماغوط ومحمود درويش وانسي الحاج ونزار قباني ومحمد فيتوري وغيرهم المئات من الكتاب والشعراء اللبنانيين والعرب، ظلت مقاعدهم في مقاهي الشارع -التي أقفلت أقفلت تباعاً في التسعينيات من القرن الماضي- شاهدة على العصر الذهبي لشارع الحمرا.

انطفأ وهج الحمرا خلال سنوات الحرب اللبنانية. وكان الشارع مسرحا لبعض فصولها، اقتتالا بين الميليشيات المتصارعة او عمليات اغتيال في مقاهيه. لكن السنوات الأقسى على الشارع كانت تلك التي أعقبت انتهاء الحرب وشهدت الاطاحة برموزه من متاجر ودور نشر وصحافة وسينما، بالإضافة إلى المقاهي التي ظلت طويلا تشكل ملتقى أدبيا وفكريا وسياسيا للعديد من اللبنانيين والعرب.

ويمكن القول ان تهشيم روح هذا الشارع بدأ مع إقفال المقاهي الثقافية لمصلحة مقاهي الاستهلاك والفاست فوود، ومع اختفاء أكشاك بائعي الصحف والمجلات بعدما ذوت الصحافة الورقية، ومع تحول المتاجر العالمية الى محال للألبسة الشعبية.

سحبت منطقة وسط بيروت، التي أعيد اعمارها بعد الحرب، الضوء من شارع الحمرا، وأصبحت مقصدا للسياحة ومركز التجارة والتسوق الدولي. لكن اغتيال الرئيس رفيق الحريري (2005) واضع خطة إعادة إعمارها أعادها منطقة أشباح رغم بعض المحاولات لانعاشها من جديد. وباتت منطقة وسط بيروت في اذهان الجيل الجديد مرتبطة بانتفاضة اكتوبر 2019 بعدما باتت مسرحا لاعتصامات وتظاهرات اللبنانيين بوجه السلطة السياسية والنظام السياسي الفاسد.

مسرح تسول وقمامة

قضت الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان أواخر 2019 على ما تبقى من روح الحمرا. صار الشارع اقرب الى أسواق شعبية. والعابر في هذا الشارع ستلفته انتشار ظاهرة التسول عند كل ناصية شارع وأمام المتاجر، اطفال ونساء وكبار في السن، سوريون ولبنانيون يتشابهون في المصائر والأقدار.

أصبحت أكوام القمامة مكدسة أمام المباني والمتاجر بشكل منفر للمشاة العابرين، وخيمت العتمة شبه الشاملة على الشارع الذي كان يتلألأ بالأضواء في ما مضى، فيما تنفث مولدات الطاقة الكهربائية دخان المازوت في كل أحيائه وأزقته لتزويد المتاجر والشركات والبيوت بالكهرباء.

شارع العراقيين

العراق بات سمة شارع الحمرا الجديدة. وإن كان من البديهي ان يجذب لبنان السياح العراقيين مثلهم مثل السياح العرب والخليجيين، فإن الأمر لم يعد يقتصر على السياحة، اذ أمسى الشارع جزءاً من شوارع بغداد، لكن بالتأكيد ليس شارع المتنبي الشهير، فنرى المحال والمتاجر العراقية منتشرة في طول الشارع باسماء عراقية واضحة «مطعم البغدادي» «مطعم خيرات العراق» «صالون عيون بغداد للحلاقة».

أصل تسمية الشارع

ينسب الكاتب زياد عيتاني المهتم بالتراث البيروتي تسمية الشارع الى توطن قبيلة «بني الحمرا» في المنطقة منذ مطلع القرن الخامس عشر. كانت المنطقة زراعية يقطنها الفلاحون، ويدخل اليها من جهات مختلفة بممرات لا يتجاوز الواحد منها ذراعين، فلا يكاد يتسع للرجل ودابته.

وحملت المنطقة وفقا للمؤرخ عبد اللطيف فاخوري أسماء عدة وفقا لوثائق المحكمة الشرعية، منها كرم الحمرا، وزقاق الحمرا، وسهوم الحمرا الى ان استقرت التسمية النهائية على «الحمرا».

هي سيرة مختصرة لشارع الحمرا منذ ان كان فسحة زراعية كامتداد طبيعي لمحلة رأس بيروت حتى تحوله واحدا من أرقى شوارع بيروت واكثرها أناقة. اناقة هشمتها الحروب اللبنانية المتقطعة ومحت ملامحها تقريبا الأزمة المالية الأخيرة.

أغانٍ

وحضرت الحمرا في العديد من الأغاني حين كان في ذروة تألقه. الفنان خالد الهبر غنى الحمرا في أغنية سياسية عاطفية تقول:

«يا شارع الحمرا يا شارع الألوان.. يا مصيدة القلوب ويا حسارة الجوعان.. يا شارع الثقافة، التجار البياعين»، لكن الفنانة الراحلة صباح اتخذت من الحمرا عنوانها وخلدتها في أغنية يقول مطلعها: «غلطان بالنمرة غلطان بالنمرة / أنا مش بيضة ولا سمرة / أنا حنطية / وعندي ولاد وعندي جوزي بيسوى بلاد / وبيتي بشارع الحمرا». وتكريماً لها ارتفعت صورة الشحرورة على أحد المباني في مدخل شارع الحمرا.

 

 

جميع الحقوق محفوظة