الأحد 06 نوفمبر 2022

محاربة التضخم.. هل تكون على حساب الودائع؟

محاربة التضخم.. هل تكون على حساب الودائع؟

محاربة التضخم.. هل تكون على حساب الودائع؟

بعد رفع الفدرالي الأميركي لأسعار الفائدة في 2 نوفمبر الحالي بـ75 نقطة أساس لتصبح بين %3.75 و%4.00، أعلنت جميع البنوك المركزية لدول مجلس التعاون، ما عدا الكويت، عن رفع مماثل للفائدة لتصبح الفائدة في قطر %4.75، والسعودية %4.5 وفي الامارات %3.9 مقارنة بالكويت التي لا تزال فيها الفائدة عند مستوى %3 سنوياً.

بحسب التوقعات ومؤشرات التضخم المستهدفة عند %2، لن يكون هذا هو الرفع الأخير للفائدة الأميركية على الرغم من كونه الأخير بهذا الحجم. اذ يعتقد المحللون ان سلسلة رفع الفائدة القادمة ستكون بــ50 نقطة أساس أو أقل، وبالتالي نحن أمام نقطة تحول واضحة ومفصلية في السياسة النقدية الكويتية بسبب ارتفاع فائدة الدولار الأميركي عن الدينار الكويتي بـ%1 (%4 للدولار مقابل %3 للدينار) والتي بررها بنك الكويت المركزي في بيانه الأخير، والواضح أنها ستحتاج إلى جهود حكومية كبيرة خارج نطاق سلطات البنك المركزي لتنجح في تحقيق النمو الاقتصادي للبلد.

بيانات التضخم

أشار بنك الكويت المركزي في بيانه الأخير إلى أنه يتابع كل التطورات الاقتصادية المحلية والإقليمية والعالمية، وأن التضخم في الكويت انخفض من %4.71 في شهر أبريل إلى %3.19 في شهر سبتمبر 2022 على أساس سنوي (كما جاء في تقرير الإدارة المركزية للإحصاء)، وهي نسبة جيدة مقارنة بـ%8.1 في الولايات المتحدة و%10 في منطقة اليورو و%10.1 في بريطانيا.

وفي الوقت نفسه حقق القطاع المصرفي في الكويت نمواً في ودائع المقيمين، التي تشمل الودائع الحكومية وودائع القطاع الخاص بمقدار %5.2 في نهاية شهر سبتمبر 2022 مقارنة بنهاية عام 2021. ونمت التسهيلات الائتمانية بمعدل %7.9 للمقيمين وغير المقيمين لشهر سبتمبر مقارنة بنهاية عام 2021. وبالتالي لا يوجد ما يدعو حتى الآن إلى الاستعجال برفع الفائدة.

حركة الودائع

قارن بيان «المركزي» ودائع المقيمين لشهر سبتمبر 2022 مع نهاية ديسمبر 2021، ولكن واقع الأمر أن الفدرالي الأميركي بدأ سلسلة رفع الفائدة منذ 17 مارس 2022 ومن مستوى %0.50 إلى مستوى %4.00 حتى 2 نوفمبر 2022. وهذا يعني أن التغييرات كبيرة ومتسارعة جداً، ولا يمكن وصفها فقط بمقارنة شهر سبتمبر، أي قبل أكثر من شهر وبعد رفع 150 نقطة أساس في الفائدة الأميركية (75 نقطة في 21 سبتمبر و75 نقطة في 2 نوفمبر) مع نهاية عام 2021.

ولو رجعنا لآخر تقرير منشور من البنك المركزي الكويتي نفسه لشهر سبتمبر 2022، الذي لا يظهر آثار التغييرات الأخيرة بطبيعة الحال، لوجدنا ان رصيد الودائع للمقيمين تراجع بنحو 296.1 مليون دينار وبنسبة %0.6 على أساس شهري. الأمر الذي يثير المخاوف من هجرة أموال المودعين من الكويت إلى ودائع خارجية بالدولار أو بالعملات الخليجية الأخرى المربوطة بالدولار وتعطي عوائد أعلى. وهنا يمكن القول بأن سياسة البنك المركزي الكويتي ليست استباقية (لا تستشرف المستقبل) بقدر ما هي تفاعلية مع المعطيات المحلية والعالمية، إلا إذا كانت جزءاً من خطة حكومية لتنمية قطاعات الاقتصاد المحلي، وتسعى لوضع الكويت في مقدمة الدول الجاذبة للاستثمارات الأجنبية.

تنافسية الاقتراض

اذا كانت هناك خطة تنمية اقتصادية شاملة للكويت، فيمكننا التأكيد على أن الكويت حالياً لديها أفضل ميزة تنافسية للاقتراض بين دول مجلس التعاون بسبب انخفاض أسعار الفائدة. كما لديها عملة مستقرة ومدعمة باحتياطيات نقدية هائلة، ولكنها بحاجة لتعديلات تشريعية وإعادة ترتيب الأولويات الحكومية، وتغيير في شكل الانفاق الحكومي لتكون تنمية الاقتصاد المحلي أولوية أساسية ورئيسية مثل:

السماح بتملك الأجانب للعقارات الاستثمارية والتجارية، ولا نقصد هنا تملك شقق أو محال تجارية، وانما تملك المباني الاستثمارية والتجارية التي لا تتطلب إقامة في الكويت من قبل الأجانب، أي السماح لرؤوس الأموال الأجنبية بشراء العقارات التجارية والاستثمارية في الكويت شرط الاقتراض بنسب كبيرة من البنوك المحلية. وبالتالي ستحقق رؤوس الأموال الأجنبية عوائد جيدة بسبب الفائدة المنخفضة وبعملة مستقرة محدودة المخاطر.

زيادة الانفاق التنموي الحكومي على المشاريع التنموية وبقروض من البنوك المحلية مستفيدين من الفائدة المنخفضة. وهذا الانفاق الحكومي من شأنه أن يحرك عجلة الاقتصاد المحلي ويزيد من اقتراض القطاع الخاص من البنوك المحلية ويمكنه من الاستفادة من الفوائد المنخفضة محليا.

الإعلان عن رفع قيمة الدينار مقابل الدولار نظرا لأن سلة العملات لا تعمل حاليا لمصلحة الدينار الكويتي مقارنة بالعملات الخليجية الأخرى المربوطة بالدولار كما كان الوضع في سنة 2007 (عندما انخفض الدولار) نظرا لارتفاع الدولار أمام العملات الأخرى مثل اليورو والاسترليني. وهو ما سيزيد من جاذبية الدينار الكويتي بالرغم من انخفاض الفائدة ويسهم في محاربة التضخم بشكل أكبر.

فجوة تجب معالجتها

على الرغم من قيام بنك الكويت المركزي برفع عوائد أدوات امتصاص السيولة لديه (أذونات بنك الكويت المركزي والريبو لآجال أسبوع وشهر)، وذلك بهدف تحفيز البنوك على رفع أسعار الفائدة على الودائع بالدينار الكويتي، إلا أن البنوك لا تستطيع حتى الآن مضاهاة وغلق الفجوة مع معدلات الفائدة على الودائع بالدولار الأميركي والودائع الأخرى بعملات دول مجلس التعاون الخليجي، لأن معدل الإقراض هو عند مستويات فائدة منخفض حالياً.

البنوك يمكنها رفع أسعار الفائدة على الودائع بالدينار الكويتي فقط وزيادة الهامش إذا كان بإمكانها إقراض الأموال بشكل مربح، وهو ما لا يمكنها فعله الآن نظرًا لسعر الخصم المنخفض. وبالتالي، فان رفع معدل الخصم هو الطريقة الوحيدة التي يُمكن للبنوك من خلالها رفع أسعار الودائع بالدينار الكويتي ووقف التدفق الخارجي إلى العملات الأخرى ذات العوائد الأعلى.

مخاوف تزايد التدفقات الخارجة إلى الدولار

يرى مراقبون ان استمرار عدم اللحاق بركب الفدرالي في رفع أسعار الفائدة خلال 2022 على عكس دول الخليج، قد يؤدي إلى تدفق عكسي للأموال من الكويت نحو عملات خليجية أخرى بسبب اتساع الفوارق بين عملاتها وبين الدولار، وهذا السيناريو ربما يدفع مستقبلاً نحو زيادة الطلب على الدولار الأميركي وهو ما من شأنه أن يستنزف الاحتياطي الأجنبي، خاصة إذا استمر التدفق الخارجي لفترة طويلة، وقد يؤدي ذلك إلى انخفاض في كل من قيمة العملة ومدخرات المواطنين التي ستكون أقل بكثير من الدولار. وأفاد مصدر مصرفي بان رفع الفائدة يساعد في حماية العملة المحلية من احتمال تزايد التدفقات الخارجة إلى الدولار الأميركي والعملات الأجنبية الأخرى، خاصة أن عائد الودائع الدولارية للمؤسسات والعملاء ذوي الملاءة العالية لآجل عام تعد أعلى حاليًا من نظيرتها الدينارية، مما قد يؤدي إلى تحويل أموال هؤلاء العملاء إلى الدولار.

فرصة الفوائد المنخفضة

لا يوجد شك حول قدرة الحكومة على زيادة الودائع الحكومية وتعويض النقص ان غادرت ودائع الآخرين البنوك المحلية، لكن استغلال فرصة الفوائد المنخفضة قد لا تكون متاحة إلا لفترة محدودة. لأن الفدرالي الأميركي وغيره من البنوك المركزية حول العالم سيعالج الركود الاقتصادي المتوقع بخفض كبير للفائدة بعد استقرار نسب التضخم. وهو ما سيجعل الكويت تخسر هذه الميزة التنافسية إن لم تستفد منها بأسرع وقت ممكن.

جميع الحقوق محفوظة