الأحد 15 مايو 2022

لبنان: انتخابات اليوم على «خطوط التماس» السياسية... و«الصوت العقابي» في الصدارة؟

لبنان: انتخابات اليوم على «خطوط التماس» السياسية... و«الصوت العقابي» في الصدارة؟

لبنان: انتخابات اليوم على «خطوط التماس» السياسية... و«الصوت العقابي» في الصدارة؟

... مصيرية، وجودية، مفصلية، تأسيسية، تغييرية. غَيضٌ من فيضِ «الأسماء الحَرَكية» التي أُعطيتْ لانتخاباتٍ نيابيةٍ تُطوى صفحتُها اليوم ليدخل لبنان مرحلةً انتقالية رمادية تنطبع باستحقاقات دستورية «متسلسلة»، تزنّرها مهلٌ يُخشى أن تكون «مميتة» بحال حَكَمَها «اللعب المعتاد» على قاعدة «أنا وبعدي الطوفان».

اليوم، تٌفتح صناديق الاقتراع لـ 3.967.507 ناخبين، أُدرجوا على لوائح الشطب (يبلغ عدد المسيحيين بينهم 1.361.546 ناخباً، وعدد المسلمين 2.584.993 ناخباً) وسبق أن دعي نحو 225 ألفاً منهم إلى الانتخاب في 58 دولة حول العالم (في 6 و 8 مايو الجاري)، ويتعيّن عليهم ملء المقاعد الـ 128 في البرلمان (موزّعين مناصفة بين المسيحيين والمسلمين) والتي يتنافس عليها 718 مرشحاً ينضوون في 103 لوائح على امتداد الدوائر الـ 15 الانتخابية الموزَّعة على المحافظات الخمس.

ولا تشبه انتخاباتُ 15 مايو أيَّ استحقاقٍ نيابي شهده لبنان منذ استقلاله، إذ لم يسبق لـ «بلاد الأرز» أن وُضعت خلال عامين في عيْن «أعاصير» متلاحقة، تبدأ من الانهيار الشامل الذي احتلّ معه الوطن الصغير المرتبة الثالثة في لائحة أسوأ الأزمات التي عرفها التاريخ منذ 1850، ولا تنتهي بـ «بيروتشيما» (4 أغسطس 2020)، الذي صُنّف بين أقوى 3 انفجارات شهدها العالم، وقبْلهما انفجار انتفاضة 17 أكتوبر 2019 التي بقيت ثورة... «ناقصة».

وإلى هذه العناصر التي ستحضر بقوّة في صناديق الاقتراع التي دَخَل عليها للمرة الأولى «الخيار الثالث» أي قوى المجتمع المدني الذي يُرتقب أن يستقطب «الصوت العقابي» لطبقة سياسية اتُّهمت بالتسبب بـ «تَحَلُّل» الدولة ومؤسساتها ورمي شعبها في «أفواه البراكين» وخلف أحزمة البؤس، فإن انتخابات اليوم تبقى محكومةً في «مسرحها السياسي» الرئيسي بكل أبعاد «الصراع الاستراتيجي» الذي جَعَل البلاد رهينة «حرب النفوذ» في طول المنطقة وعرْضها، وأيضاً «الحروب الصغيرة» بين الأطراف السياسية على الأحجام في لعبة السلطة وإدارة الحُكم.

وعَكَستْ الحمّى الانتخابية التي طبعتْ الأسابيعَ الأخيرةَ وعمليةَ استنهاض الناخبين والتي استُخدمت فيها كل «الأسلحة التجييشية» وحتى «المحرَّمة» منها، الأهميةَ التي يعلّقها غالبية الأطراف على استحقاقٍ يعاينه الخارج ميدانياً عبر «عيون» بعثتيْ مراقبةٍ من الاتحاد الأوروبي ومن جامعة الدول العربية، وديبلوماسياً بوصْفه سيكون مؤشراً لمدى القدرة على التفلّت من الوقائع الكاسرة للتوازنات الداخلية التي انزلقت معها البلاد خصوصاً منذ 2018 - مع إمساك ائتلاف «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون) بالغالبية النيابية - إلى «المحور الإيراني» وهو ما عمّق عزلته الخارجية والعربية خصوصاً وترَكه «يُلاطم» العاصفة الكاملة، مُقاوِماً حتى الساعة جاذبية السقوط... المميت.

وإذ تخوض غالبية القوى معركة رفْع نسبة الاقتراع (كانت بنحو 49.5 في المئة في 2018) التي يُراهن على أن تُلاقي الإقبال الكبير الذي سُجّل في دول الانتشار (بلغ 63 في المئة)، فإنّ أحداً لم يكن قادراً على الجزم بمآلات معاركَ تبقى مرشحة لأن تتحول «صندوقة مفاجآت» غير سارة لهذا الطرف أو ذاك، وسط «خطوط عريضة» تحكم مقاربة هذه القوى للاستحقاق النيابي وفق الآتي:

* خوض «حزب الله» خصوصاً معركة مزدوجة لـ «الإمساك» بكل نواب المكوّن الشيعي الـ 27 والاحتفاظ بالغالبية النيابية وتالياً بكامل الإمرة على «لوحة التحكم» الداخلية بعد الاستراتيجية، وهو ما استوجب دخول قيادته على خط «تنظيم خلافات» حلفائه ولا سيما المسيحيين وضبطها تحت سقف أولوياته الكبرى، و«تصويب» معركتهم في الساحة المسيحية على حزب «القوات اللبنانية» على قاعدة «تحريم» أن يفوز بالكتلة المسيحية الأكبر كي لا يُرْبك ذلك إدارته المريحة للانتخابات الرئاسية (موعدها بين 31 أغسطس و31 أكتوبر).

ورَفَعَ «حزب الله» سقف التحفيز الانتخابي لأعلى مستوياته مطلقاً على تركيز «القوى السيادية» حملاتها عليه وعلى سلاحه صفةَ «حرب يوليو سياسية»، بالتوازي مع إصدار المرجعية الدينية الشيعية تكليفاً شرعياً بالتصويت للثنائي الحزب - حركة أمل وحلفائهما.

* انخراط المكوّن السنّي للمرة الأولى في الانتخابات مُثْقَلاً بانكفاء زعيمه الأقوى الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري وحزبه تيار «المستقبل» عن الاستحقاق النيابي والعمل السياسي، وهو ما طرح تحديات كبرى في الساحة السنية التي بدت «متروكة»، قبل أن تتبلور ملامح إدارة جَماعية للانتخابات، لم تغب عنها دار الفتوى، ورمت إلى قطع الطريق على أي تَوَغُّل لـ «حزب الله» وحلفائه خصوصاً وقضمٍ إضافي لمقاعد سنية ولا سيما في بيروت الثانية، الأمر الذي استوجب تعميماً لمفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد الطيف دريان على خطباء المساجد للحض على الاقتراع بكثافة فـ «الانتخاب واجب ديني ووطني والمقاطعة استسلام ولا نريد أن نسلّم لبنان لأعداء العروبة».

* خوض الأحزاب المسيحية الانتخابات وكأنها «تمهيدية» للاستحقاق الرئاسي ولترتيب «الأحصنة الأقوى» في السباق إليها، وهو ما يجعل التوقعات بأن ترتفع نسبة الاقتراع مسيحياً في مختلف الدوائر بعدما أفرغت كل الأطراف أقوى ما في جعبتها من «التقاصف الكلامي» وبأعيرةٍ من الأثقل، ولا سيما بين «التيار الحر» و«القوات اللبنانية»، في حين توّجت الكنيسة المارونية دعواتها للاقتراع بكثافة بنداءٍ بارز وجهه أمس البطريرك مار بشارة بطرس الراعي توجّه فيه للناخب «انْـفُض عنكَ غبارَ التبعيّة، واسْتعِد عنفوانَك، وحَرِّر قرارَك، وأعِدْ بناءَ دولتَك على أساسِ القيمِ التي تأسّستَ عليها، وسار على هَدْيها الآباءُ والأجداد».

* تكريس الزعيم الدرزي وليد جنبلاط استحقاق 15 مايو بوصْفه ذات طبيعة «وجودية» بفعل استشعاره بمحاولة لمحاصرته في معقله (الشوف – عاليه) كما مناطق أخرى وتحجيم دوره السياسي من «حزب الله» وحلفائه، وفق أجندة ترتبط بالتوازنات الداخلية و«إسكات» الأصوات المناهضة للسلاح كما بالرغبة في تعويم حلفاء للنظام السوري، وأيضاً بـ «معاقبة» جنبلاط على تموْضعاتٍ سابقة و«لاحقة» وهو ما جَعَل الأخير يدق النفير، داعياً مناصريه لمنْع «الاغتيال الثاني» (بعد والده كمال جنبلاط).

* أما المجتمع المدني، الذي خَرَج من ساحات الثورة وتحوّل رقماً متقدّما لم يعُد ممكناً القفز فوق تأثيراته العابرة للطوائف والمناطق، فرغم أنه لم ينجح في الانخراط بلوائح موحدة في الدوائر الـ 15 بما يحول دون تَشَتُّت أصوات مؤيدي الثورة وبما يضمن أن تكون «مفيدة»، إلا أنه اقتحم المشهد الانتخابي بقوةٍ في مختلف الدوائر ووفّر منصّةً لـ «المتردّدين» ومناهضي الطبقة السياسية، وسط رصْدٍ من جميع الأحزاب لِما إذا كانت «رياح التغيير» ستهبّ اليوم في ما يشبه «انتفاضة بيضاء» في الصناديق.

ووفق هذه اللوحة، تقف كل القوى اليوم أمام امتحان تحقيق «سلة الأهداف» التي رسمتْها وترجمة «النتائج الافتراضية» للماكينات الانتخابية، كما تجاوُز «حروب الإخوة» داخل اللوائح التي تخوض، وبفضل ما وُصف بـ «قانون الخنجر» (يقوم على النسبية مع صوت تفضيلي واحد للناخب ضمن دائرته الصغرى) معركةَ تحصيل الحواصل الانتخابية (الحد الأدنى لتمثيل كل لائحة بمقعد وما فوق ويتحدد بقسمة عدد المقترعين في كل دائرة على عدد مقاعدها)، وهي المعركة التي توازيها منازلاتٌ بين مرشحيها على «تَناتُش» الأصوات التفضيلية وتأمين أعلى نسبة منها باعتبار أنها تعطي الأفضلية لكل منهم حين يتم إسقاط الحواصل على المقاعد طائفياً ومذهبياً تحت السقف المحدّد لكل لائحة.

... ساعاتٌ تفصل لبنان عن اتضاح نتائج أسابيع تحوّلت معها البلاد «صندوقة فرجة» انتخابية علا معها صوت «الصراخ» السياسي الأقرب الى «الهستيريا». وفي ربع الساعة الأخير قبل فتْح الصناديق تضع «الراي» ما يُعرف بـ «الجوائر الحمر» دوائرفي الغربال مقلّبة «قطبها المخفية» وخلفياتها غير الخفية.

«فرسان الثلاثة» في الدائرة الرئاسية

منذ الأشهر الأولى التي تلتْ انفجار الصراع بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» على خلفية احتجاجات 17 أكتوبر 2019 وما تلاها، وانفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020، ومن ثم الخلاف الحاد بين «التيار الحر» وتيار «المردة»، تَرَكَّزَ الاهتمام على دائرة الشمال الثالثة التي تضم أقضية ذات غالبية مسيحية: البترون، الكورة، بشري وزغرتا.

فالصراعُ رئاسي بين زعماء الأحزاب الثلاثة، سليمان فرنجية الذي ترشح نجله طوني في لائحة «وحدة الشمال»، وسمير جعجع الذي ترشحت زوجته النائبة ستريدا جعجع في لائحة «نبض الجمهورية القوية»، وجبران باسيل المرشح في لائحة «رح نبقى هون».

الثلاثة مرشحون لرئاسة الجمهورية وينتمون إلى زغرتا وبشري والبترون. لكن الصراع تَعَدَّدَ لاحقاً ليصبح ساحة مواجهة بين كل الأحزاب المسيحية والقوى والشخصيات المستقلة كالنائب المستقيل ميشال معوض ومجد حرب نجل النائب السابق بطرس حرب، وحزب «الكتائب» في لائحة واحدة «شمال المواجهة».

وانضم إلى هذا الصراع المتعدد الوجه، المجتمع المدني الذي أراد من خلال لائحة «شمالنا»، وهي الأقوى كمجتمع مدني إضافة إلى لائحتي «وعّي صوتك» و«قادرين نغيّر»، العمل ضد الأحزاب والموروثات العائلية والسلطوية.

في هذه الدائرة يقترع 257.964 ناخباً، يشكل المسيحيون منهم 88.61 في المئة والمسلمون 11 في المئة. والتنافس المسيحي على أشده بين لائحتي موالاة و5 لوائح معارضة تكمن الخشية في أن تتوزَّع أصوات المعارضة عليها على نحو يساهم في فوز لوائح الموالاة وتحديداً فوز باسيل.

والمسلمون في هذه الأقضية يشكلون دعماً انتخابياً لأي من اللوائح المرشح عليها نواب مسيحيون فقط. ففي هذه الدائرة 2650 صوتاً شيعياً و24994 صوتاً سنياً. وهنا يُفهم معنى مبادرة «حزب الله» لترتيب اللقاء الذي عُقد بين «التيار الوطني» و«المردة» وسعيه إلى توحيد الصفوف وعدم شرذمة الأصوات، وخصوصاً ان العين ستكون على الصوت الشيعي كما السني بعد انكفاء «تيار المستقبل» ومعرفة إلى أين ستتجه الأصوات السنية التي صبّت في انتخابات 2018 بدعم من الرئيس سعد الحريري لمصلحة باسيل ورجحت فوزه.

صناديق اقتراع فوق... القبور المفتوحة

لم تكن الشمال الثانية، التي تضم طرابلس، المنية والضنية، تحتاج إلى الانتخابات لتتصدر المشهد الموحش على طول البلاد وعرضها.

فطرابلس العاصمة الثانية للبنان لم تغادر عين الحدَث منذ ثمانينات القرن الماضي، أيام الوصاية السورية وحتى آخر قوارب الموت قبل أسابيع.

لم يعد من مكان لرائحة زهر الليمون في الفيحاء وجوارها.

بارودٌ وموت وهذيانٌ ينافس معركة ضارية بين 11 لائحة لحصد العدد الأكثر من الـ11 مقعداً. مكبرات الصوت بُحّت في أحياء ما تحت تحت خط الفقر، التي تحولت خطوط تماس بين محورين: الممانعة وخصومها وعلى طرفيهما أسماء ملتبسة وشعارات فضفاضة.

فوق هشيم المدينة، الذي ملّ حرائق الأمن وحَرْقات القلب، العينُ على مَن سيقترع من 377111 ناخباً في دائرة ترجلت زعاماتها... سعد الحريري انكفأ حتى إشعار آخر، نجيب ميقاتي يخرج من النيابة ليبقى في الرئاسة ومحمد الصفدي ذهب ولم يعد.

ربما تكون طرابلس، علبة مفاجآت وهي التي تُقتاد إلى صناديق الاقتراع في وقت ما زالت صناديق الموت مفتوحة في انتظار جثامين أبناء لها تواروا في أعماق البحر وتُركوا... كأن شيئاً لم يكن.

صراع على مقعد الرئيس...و«كرسي» حزب الله «يشعلها»

تشكل دائرة كسروان - جبيل قلب جبل لبنان. فوق رقعتها المترامية معركةٌ حامية يُنافِس ضجيجُها هديرَ بحرِ جونية وضوضاء بلاد جبيل وأرصفتها العامرة بالحياة و...التاريخ.

ففي هذه الدائرة (جبل لبنان الأولى) التي يبلغ عدد ناخبيها 182524 صوتاً (تضم كسروان 96.551 من بينهم وجبيل 85.973) ونحو 85 في المئة منهم مسيحيون، تَرَشَّح رئيس الجمهورية ميشال عون بعد عودته من باريس عام 2005، ومنها انطلق يومها ما بات يعرف بـ «التسونامي العوني» في دوائر جبل لبنان وخارجه.

لكن المعركة اليوم في «عاصمة الموارنة» التي تحتضن مقرّ البطريركية (بكركي) ويرفع سيّدها البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الصوت عالياً ضدّ «حزب الله» و«نموذج عون»، تبدو صعبة على الجميع و«التيار الوطني الحر» في مقدمهم.

فلوائح المعارضة قوية وتضمّ مَن كان في لوائح موحّدة معه، كالنائب شامل روكز (صهر الرئيس عون) والنائب المستقيل نعمة أفرام.

ست لوائح تتنافس في هذه الدائرة، والاهتمام ينصبّ ليس على التنافس الماروني فيها بين لوائح «القوات اللبنانية» و«التيار» والمستقلين فحسب، بل أيضاً على المقعد الشيعي الوحيد في جبيل، الذي يرْمي «حزب الله» بثقله لإيصال مرشّحه «الحزبي» عنه، وهو ما بات يشكل عصباً لـ«معركة مضادة» يخوضها النائب السابق فارس سعيد لإحباط انتخاب مرشح الحزب، وذلك في إطار مواجهة سياسية متمادية عَنْوَنَها سعيد بـ «مقاومة الاحتلال الإيراني للبنان».

معركة «الرمزية» الدرزية في الشوف - عالية

تتمتع دائرة جبل لبنان الرابعة الشوف - عاليه (نحو 346 ألف ناخب) بخصوصيةٍ مردّها إلى أنها أقرب ما تكون إلى صندوقة تنافس درزي - درزي، كما تشهد في الوقت عينه تنافساً مسيحياً بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية».

لكن الصراع بين «الثنائي المسيحي» أصبح روتينياً في كل الدوائر، في حين أن المعركة درزياً هي الأهمّ.

في «دائرة المصالحة الدرزية – المسيحية» التي تَحْكُمها «نقزة» شبه دائمة درزية – شيعية ربْطاً بوضعية «حزب الله»، استبق رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، المتحالف مع «القوات» الانتخابات بالكلام عن محاولة تطويقه من جهتين: «حزب الله» الذي جَمَعَ خصوم رئيس «التقدمي»، أي «التيار الوطني» والنائب طلال أرسلان والوزير السابق وئام وهاب في لائحة واحدة، فيما هو أي جنبلاط تعوّد ترك مقعد درزي شاغر لخصمه أرسلان، ومن «تيار المستقبل» بفعل انكفاء الرئيس سعد الحريري عن خوض المعركة وترك أنصاره السنة في إقليم الخروب، الذين يشكلون في هذه الدائرة 19.28 في المئة أسرى الضياع والتشتت.

المعركة الدرزية حامية وفق هذا المعيار، كونها الدائرة الأكثر تمثيلاً للدروز بـ 39.85 في المئة وقد رفع جنبلاط مستوى المعركة فيها بوصْفها لمنْع «اغتيال ثانٍ» (بعد والده كمال جنبلاط)، عدا عن معركة حاصبيا والبقاع الغربي وهي مماثلة بتحدياتها لكنها أقل رمزية.

معركة في عقر دار مقار... الرئاسة والحزب

لا تقلّ دائرة جبل لبنان الثالثة (بعبدا) التي تشكّل امتداداً جغرافيا لـ عاليه - الشوف صخباً، هي التي «يتعايش» فيها معقل الشرعية المتمثل بالقصر الجمهوري ومقر وزارة الدفاع وقيادة الجيش مع المعقل الرئيسي لـ«حزب الله» في الضاحية الجنوبية لبيروت.

وفي بعبدا، التي تضم 3 مقاعد مارونية، ومقعدين شيعيين ومقعداً درزياً، تتنافس لائحتان حزبيتان رئيسيتان واحدة لـ«التيار الوطني الحر» - «حزب الله» - حركة «أمل» وثانية لـ«القوات اللبنانية» - التقدمي الاشتراكي و5 لوائح أخرى (إحداها مدعومة من «الكتائب اللبنانية») ترفع «لائحة» التغيير وبنكهة المجتمع المدني الذي «أفرط» بتشتيت قواه.

وتنطبع المعركة في هذه الدائرة (عدد ناخبيها نحو 172 ألفاً) بـ«مواجهةٍ موازيةٍ» ستدور بين ابن شقيقة الرئيس ميشال عون النائب آلان عون (على لائحة «التيار») وان شقيق رئيس الجمهورية نعيم عون القيادي السابق في «التيار» الذي انشقّ عنه (ترشح على اللائحة المدعومة من «الكتائب»)، كما بمنازلة بين الأحزاب الكبرى لإثبات وجودها أيضاً بوجه قوى التغيير، وكل ذلك على وهجٍ لم يخمد بعد لأحداث الطيونة - عين الرمانة (قبل نحو 7 أشهر) على «خط التماس» المسيحي – الشيعي والتي أحيت بعضاً من ذاكرة حرب أهلية أقلعت على متن «البوسطة» (في عين الرمانة).

مطاحنة شرسة بين الموزاييك المسيحي

في دائرة المتن (جبل لبنان الثانية)، معركة مشوبة بـ«خلط أوراق» كبير قَلَب تحالفاتها ويجري رصْد تشظياته على نتائج «مكاسَرة» على الأمر لمَن مسيحياً في منطقةٍ تتمثل بثمانية نواب (4 موارنة، 2 روم أرثوذكس، 1 أرمن أرثوذكس، 1 كاثوليك) تتنافس عليهم 6 لوائح بينها 4 حزبية و2 للمجتمع المدني.

وما يجعل «معارك المتن» (عدد ناخبيه نحو 184 ألفاً) تكتسب أهمية خاصة هو طابع هذه الدائرة التي تتفرّد بحضور وازن لغالبية الموازييك السياسي – الحزبي المسيحي، الأمر الذي يضعها أمام مطاحنةٍ ضارية يسعى فيها «التيار الوطني الحر» خصوصاً لتظهير أن حجمه فيها ليس «منفوخاً» وأنه قادر على الفوز بـ 3 نواب، كما في 2018، ولكن بـ«عضلاته» منفرداً هذه المرة بعدما افترق عنه حزب «الطاشناق» و«القومي» (تحالفا مع نائب رئيس الحكومة السابق إلياس المر الذي رشح نجله ميشال).

عاصفة في العاصمة عنوانها الاقتراع السني

في العاصمة اللبنانية التي بالكاد «نجت» من «بيروتشيما» الذي «أردى» نصفها بأطنان نيترات الأمونيوم والتي «لُدغت» منذ 2005 بالاغتيالات ومحاولات تطويعها بـ«القوة الناعمة» أو العمليات العسكرية «الموقّعة» بأهداف سياسية، تشهد دائرتا بيروت الأولى والثانية معارك بخلفياتٍ «موروثة» من صراعات الأعوام الـ 17 الماضية في الداخل، وأخرى استجدت بفعل «الجِراح» التي أثخنت العلاقات بين «كياناتٍ سياسية» (قوى 14 مارس) غَلَبَتْها «لعبةُ نكاياتٍ» فرضتْها التوازناتُ المختلّة أو حساباتٌ سُلْطوية.

في بيروت الثانية «موْقعة» متعددة البُعد تنطلق من تكوينها الديموغرافي – الانتخابي حيث يشكل أصوات السنّة نحو 60 في المئة من عدد الناخبين الموزَّعين أيضاً على 22 في المئة أصوات شيعية و13.91 في المئة مسيحية.

ويمكن القول إنها معركة الصوت السني بإمتياز بسبب أمرين: تَرَقُّب حجم المقاطعة بعد انكفاء «تيار المستقبل» بفعل قرار زعيمه سعد الحريري تعليق عمله السياسي، وهل ستنجح لائحة «بيروت تواجه» المُعارِضة التي يرعاها الرئيس فؤاد السنيورة، ويرفع عبرها لواء المواجهة مع «حزب الله» في استقطاب سنّة العاصمة ومناهضي الحزب الذي يدعم لائحة الموالاة «وحدة بيروت».

تضم هذه الدائرة 11 مقعداً نيابياً: 6 للطائفة السنية، 2 للطائفة الشيعية، مقعد درزي، مقعد للروم الأرثوذكس ومقعد للإنجيليين (عدد ناخبيها 371020) وتتعدّد فيها اللوائح التي بلغت 9 تراوح بين سياسية وأخرى للمجتمع المدني ومستقلين.

ورغم أن الثقل السني في عكار وطرابلس والبقاع الغربي يواجه التحديات نفسها بالنسبة إلى الوجود السني المعارض ومقاطعة «تيار المستقبل»، يبقى أن بيروت هي العاصمة ولها رمزيتها، فهي التي كان يترشح فيها الرئيسان الراحل رفيق الحريري الذي يحتضن مسجد محمد الأمين (وسط بيروت) ضريحه، والسابق سعد الحريري، وتعطي تالياً عباءة الزعامة السنية لمَن يفوز بأصواتها.

وفي بيروت الأولى (الأشرفية والرميل والصيفي والمدور) «معركة مسيحية» على 8 مقاعد (3 أرمن أرثوذكس، 1 روم أرثوذكس، 1 أرمن كاثوليك، 1 ماروني، 1 روم كاثوليك، 1 للأقليات) تتنافس عليها 6 لوائح نصفها حزبية (لكل من «القوات اللبنانية» و«الكتائب» و«التيار الوطني الحر») ونصفها الآخر للوائح المجتمع المدني.

يقترع في هذه الدائرة، التي «تلقّت بصدرها» العصف الأكبر للانفجار الهيروشيمي في 4 أغسطس 2020، يقترع نحو 134.886 ناخباً (نحو 132 ألفاً منهم مسيحيون) «تَقاتَل» الجميع على اجتذابهم وفق شعاراتٍ مدجّجة بكل عناصر التجييش السياسي الذي بدا أقرب إلى «خطوط تماسٍ» موصولة بترسيمات الصراع الكبير في لبنان وعليه.

«سكاكين» سياسية بين الإخوة – الأعداء

في دائرة الجنوب الأولى، المعروفة بدائرة جزين – صيدا (نحو 130 ألف ناخب وهي أصغر دوائر الجنوب)، مفارقةٌ لا يضاهيها أي شيء آخر، وهي لا تتعلق بالصراع بين قوى السلطة والموالاة، بل بين مرشحي الصف الواحد وخصوصاً على مقاعد جزين المسيحية الثلاثة، مقعدان مارونيان وكاثوليكي، وفيها مقعدان سنيان لصيدا وتتنافس فيها 7 لوائح.

في جزين «العروس» التي تحتضن خامس أطول شلال في العالم والأطول في لبنان (بارتفاع نحو 80 متراً) الاهتمام منصبّ على أمرين الأول يتعلق بمدى التزام حركة «أمل» بمنح بعض أصواتها لمرشحي «التيار الوطني الحر» إنفاذاً لتفاهم رعاه «حزب الله»، علماً أن الأصوات الشيعية تشكل 16 في المئة من عدد الناخبين.

والأمر الثاني حدة الخلاف الذي بلغ ذروته بين المرشحيْن عن «التيار» أمل أبوزيد وزياد أسود واستخدمت فيه «الخناجر» السياسية في المدينة التي اشتهرت بصناعة السكاكين.

ووصل الصراع بين أسود وأبوزيد إلى حد سحب الأخير ترشيحه واستخدامه تعابير قاسية في حق أسود، قبل أن يعود إلى الترشح بناء على طلب الرئيس عون وهو مستشاره للشؤون الروسية.

وما هو متداول أن العهد و«التيار» يفضّلان أبوزيد على أسود، وأن الأصوات التفضيلية للتيار ستصبّ لمصلحته

قتال على «الحاصل» في «جمهورية حزب الله»

في بعلبك - الهرمل أو دائرة البقاع الثالثة يدور الصراع على الفوز بمقعدين مسيحيين واحد ماروني وواحد كاثوليكي، وستة مقاعد شيعية ومقعدين سنيين، تتنافس ست لوائح عليها (بينها 4 لمستقلّين).

ومنذ أن بدأ «حزب الله» يدخل بقوة إلى العمل البرلماني، كانت هذه الدائرة التي تُعتبر «جمهورية» الحزب (يشكل الناخبون الشيعة 72.43 في المئة من مجمل أصواتها) تحت وصايته ومنها خرج أول نائب معمَّم إلى المجلس النيابي.

وفي انتخابات عام 2018، تمكنت «القوات اللبنانية» من الفوز بمقعد ماروني فيها.

لكن هذا العام، وبعد حادثة الطيونة - عين الرمانة الدامية وذهاب الانتخابات إلى منحى تصعيدي بين «حزب الله» و«القوات» وبين «التيار» و«القوات»، اتجه الحزب إلى الضغط على ثلاثة من المرشحين الشيعة للانسحاب من اللائحة، وتالياً وضْع اللائحة المدعومة من «القوات» أمام خطر عدم إمكان تأمين الحاصل الإنتخابي للائحة.

في المقابل تعول «القوات» على الحصول على الأصوات السنية في عرسال، علماً أن السنّة يشكلون 14.44 في المئة من الناخبين البالغ عددهم في بعلبك الهرمل نحو 350 ألفاً مدعوون للاقتراع في «معركة المقعد» الذي يكاد أن يوازي الـ... 10.

جميع الحقوق محفوظة