الاثنين 13 فبراير 2023

باسيل «الجريح» يزداد... ارتباكاً

باسيل «الجريح» يزداد... ارتباكاً

باسيل «الجريح» يزداد... ارتباكاً

يعود «التيار الوطني الحر» إلى واجهةِ الحدَث السياسي من خلال طريقة تَعاطيه مع الملفات الداخلية في لبنان المُنْهَك بأزمات مالية وسياسية ضارية.

ففي الآونة الآخيرة، علتْ انتقاداتُ «التيار الحر» ضدّ الأسلوب الذي تعتمده حكومة تصريف الأعمال في عقْد جلساتِ مجلس الوزراء في صورةٍ أصبحت شبه عادية. وكذلك قام في الملف الرئاسي بخطواتٍ مماثلة تصعيدية برفْض المرشح الرئاسي رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي يريده حليفه «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري.

ويتّخذ الموقف نفسه تجاه أي احتمالٍ للاتفاق على قائد الجيش العماد جوزف عون.

في الملفين يحاول التيار الوطني الحر ورئيسه النائب جبران باسيل التلطي خلف مواقف البطريركية المارونية في عدم تحبيذها عقْد مجلس الوزراء بغيابِ رئيس الجمهورية إلا للضرورات القصوى، ساعياً إلى دفْعها لاستضافة حوارات مسيحية موسعة من أجل الاتفاق على مرشحٍ رئاسي غير فرنجية والعماد جوزف عون.

وفي الملفين كذلك يصوّب على «حزب الله» لعدم منْعه انعقاد مجلس الوزراء ولاستمراره في دعم زعيم «المردة». وخلال الأشهر الماضية رَفَعَ التيار سقف المواجهة مع «حزب الله» وبري صاحب فكرة ترشيح فرنجية، ليرفض عقْد جلسات تشريعية لمجلس النواب، لأنه دستورياً لا يحقّ لمجلس النواب التشريع حين يكون المجلس هيئة انتخابية.

توافَقَ التيار مع «القوات اللبنانية» والكتائب على هذا الرفض ومعهم نواب مستقلون وتغيرييون، وعلى أساسه، لم تنعقد أي جلسة تشريعية في غياب المكونات المسيحية.

وفي خلال 48 ساعة، تحوّلت مواقف التيار فجأة وانقلبتْ رأساً على عقب في موضوعين حساسيْن.

الأول يخصّ مجلس الوزراء. إذ خصّص التيار الأشهر الثلاثة الماضية لشنّ حملاتٍ ضد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وكان باسيل يرفض أي ذريعة تُعطى تحت عنوانٍ استثنائي لانعقاد مجلس الوزراء، سواء كان الموضوع يتعلّق بالكهرباء ومساعدات العسكريين أو بالحاجات الضرورية من أدوية ومحروقات وغيرها، متمسّكاً بآلية المَراسيم الجوالة.

واستهدف مسؤولو التيار ميقاتي بسلسلة هجماتٍ ارتكزت على الدستور وضرورة عدم تخطي المسيحيين في عقْد جلسة مجلس الوزراء.

لكن ما أن وقع الزلزال في سورية حتى بادر وزراء التيار إلى التحرك تحت جناح ميقاتي، ومن خلال وزراء التيار للذهاب الى دمشق لتقديم المساعدات الإنسانية.

ورغم أن هذا الموضوع تحوّل سِجالياً في لبنان بين رافِضٍ لتمرير المساعدات عن طريق الحكومة السورية، وبين مؤيّدي التعاطي مع نظام الرئيس بشار الأسد، ظَهَرَ التيار من الفريق الثاني، وحفلتْ خطبه أخيراً باندفاعةٍ نحو مساعدة سورية وتغطية تحرّك الحكومة تجاه دمشق، بمعية حزب الله.

ولا يمكن عَزْلُ الملف الرئاسي عن هذه الاندفاعة. فالمرشّح فرنجية، الذي يقف ضدّه باسيل، هو حليف دمشق.

والتيار حرص على أن يكون خلال الحرب السورية مؤيّداً لمواقف نظام الأسد، وهو تحيّن الفرصةَ الملائمة عبر المساعدات وإغاثة المنكوبين والمتضررين من الزلزال ليعيد إحياء العلاقة مع دمشق عبر ملفٍ إنساني للوصول إلى الرئاسيات، ومن خلال الحكومة التي لم يجفّ حبر انتقاداتِ التيار لرئيسها. وهو الأمر الذي عرّض باسيل لردود فعل من صفوف خصومه الذين رأوا في حركة التيار تجاه سورية التفافاً على مواقفه في رفْض عقد جلساتٍ حكومية للحاجات الحياتية الطارئة في لبنان، وتقرُّباً من النظام السوري في مرحلة الرئاسيات.

وفي الشق الثاني، ومنذ أن تحوّل مجلس النواب هيئةً ناخبةً وشَغَرَ موقع رئيس الجمهورية، والتيار يردّد رفْضه التشريع النيابي حتى للضرورة، أسوة برفضه انعقاد مجلس الوزراء.

وفجأةً ارتسم موقف للتيار وضع معه شرطاً للقبول بجلسة تشريعية مقابل تمرير بند «الكابيتول كونترول»، ما جعله يَظْهَر ُكمَن يمحو كل الاعتراضات السابقة ومرتكزاتها الدستورية، قبل أن يعود في ربع الساعة الأخير ويعلن عدم المشاركة في الجلسة التشريعيّة على قاعدة «أنّ ما ينطبق على حكومة تصريف الأعمال لجهة عدم الانعقاد في ظلّ الفراغ الرئاسي، ينسحب أيضاً على مجلس النّواب الذي يُعتبر هيئة ناخبة إلا في حالات الطوارئ والضرورة القصوى».

وجاء هذا التذبذب في موقف «التيار» من الجلسة التشريعية ليعكس ارتباكاً ظاهراً، وسط معطياتٍ كانت تحدثت عن أن «التحوّل الأول» باتجاه تغطية الجلسة التشريعية كان ينطوي على رغبة في أن يجاري «حزب الله» في بند التمديد للمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم.

ففي خضم معركته ضد قائد الجيش، مرشّحاً رئاسياً، بدا «مفيداً» ألا يمانع باسيل التمديد لابراهيم، الذي طُرحت من أجل إبقائه في منصبه مجموعة من اقتراحات القوانين.

وتناولتْ بعض الاقتراحات التمديد له وحده أو إلحاقه مع مجموعة من المديرين العامين والمسؤولين الأمنيين على «قاعدة 6 و6 مكرر» أي عبر توازن طائفي، ولو أن تاريخ إحالة بعض هؤلاء على التقاعد يصادف بعد سنة من الآن.

لكن بما أن حزب الله وبموافقة بري الذي استقبل ابراهيم أخيراً، يريد إبقاء الأخير في منصبه، وبما أن المدير العام للامن العام ينسج علاقات جيدة مع باسيل كما مع الرئيس السابق ميشال عون الذي كان يكلّفه بمهمات عدة، فإن التيار كان قرّر عدم الوقوف في وجه التمديد له.

ولذا اشترط باسيل وضع مشروع «الكابيتول كونترول» على جدول أعمال الجلسة التشريعية، وهو ما كان سيعني تأمين غطاء التمثيل المسيحي للجلسة التشريعية.

وهذا الشرط لم يقنع قوى المعارضة التي رأت في موقف باسيل محاولة للتقرب من بري وحزب الله مجدداً بعدم رفض التمديد لابراهيم، بعد خلافات الأشهر الماضية.

ومع «التحوّل الثاني» في موقفه بإعلان باسيل الأحد عدم المشاركة في الجلسة، بدا أن ثمة قطبة مخفية انطوتْ على عدم نيْل التيار «مقابلاً» لتوفيره «بوليصة تأمين» للجلسة التشريعية، يتّصل ربما بالتمديد للمدراء العامين (بعضهم محسوبون عليه)، ناهيك عن أن بيان الـ 46 نائباً من المعارضة (وبينهم نواب أكبر كتلة مسيحية لـ «القوات اللبنانية»، والكتائب ونواب مستقلون) الذي رفَضَ عقد الجلسة والتطبيعَ مع الفراغ الرئاسي مستنداً إلى المواد الدستورية التي تنص على تحوُّل البرلمان «هيئة إنتخابيّة لا تشريعيّة»، ثم رفْع الكنيسة المارونية ما يشبه الفيتو بوجه التئامها للأسباب نفسها محذرة أيضاً من المساس بصلاحيّة رئيس الجمهورية، وضعا باسيل في موقع حَرِج.

وبدا واضحاً أنه بحال مضى باسيل بقرار المشاركة في الجلسة التشريعية فإن ذلك كان من شأنه أن يعطي المعارضة تقدّماً عليه ويتسَبَّب بأضرار على ما يحاول أن «يَبْنيه» مع بكركي في الملف الرئاسي، ناهيك عن معلومات تحدثت عن تباينات داخل كتلته في ما خص الموقف من الجلسة التي لم يحبّذ بعض النواب تأمين مظلّة لها في ضوء معارضة مسيحية واسعة وتلويح بعض النواب السنّة بالاعتكاف عن المشاركة فيها.

جميع الحقوق محفوظة