الخميس 04 أغسطس 2022

الغزو العراقي للكويت أدخل المنطقة في تعقيدات

الغزو العراقي للكويت أدخل المنطقة في تعقيدات

الغزو العراقي للكويت أدخل المنطقة في تعقيدات

أنتجت حرب الخليج الثانية والغزو العراقي للكويت، بأسبابها ووقائعها وأبعادها، أزمة وكارثة أصابت الأمة العربية في الصميم مازالت آثارها حتى الآن، كما أوجدت تلك الكارثة في المنطقة أوضاعاً معقدة واجهت فيها أطراف الصراع ــ حتى دول التحالف ــ صعوبة بالغة جداً في السيطرة عليها.

وألحقت تلك الحرب بالكويت ـــ وكذلك العراق في ما بعد الذي تعنت نظامه ورفض الانسحاب من الكويت ـــ دماراً كبيراً وتسببت بوضع المنطقة كلها أمام خيارات حاسمة في مناحٍ أمنية وتنموية وقابلية العمل المشترك مع ما أفرزته من بعض الانقسام بين بلدان عربية، فأطلقت ديناميات تضامن عربي وإسلامي في مستوى القواعد الشعبية، وأعادت أسئلة جوهرية حول نوازع الشعور الوطني والقومي في المغرب والمشرق.

Sorry, the video player failed to load.(Error Code: 101102)

وشكلت تلك الكارثة التي مر عليها 32 عاماً، مفصلاً تاريخياً في واقع بلدان المنطقة ومستقبلها، يستوجب دراستها وأخذ العبر والخلاصة لمنع وقوع كوارث كهذه من جهة والاستعداد الأمثل لمجابهة مخاطر كهذه في المستقبل إن وقعت في ظل تعقد وحالة سيولة دولية وعالمية تعيدنا في الزمن إلى مرحلة الغزو العراقي في تشابه ممكن في كثير من جوانبه، خصوصاً تغيّر المنظومة الدولية وبناء اصطفافات وكتل وأحلاف قد نشهد فيها ولادة عالم جديد كما شهدنا بعد 1990 انهيار الكتلة الشرقية وصعود منظومة القطب الواحد واستغلال نظام صدام حسين لمختلف العوامل وقيامه بالغزو الغاشم على الكويت.

جذور الأزمة

عالجت كثير من التحليلات والتقارير، محركات وأسباب العدوان العراقي الغاشم على الكويت ظاهرياً وباطنياً من منظور سياسي واقتصادي وعسكري.. وسواء بأقلام نظام صدام حسين ومناصريه أم الأقلام التي انبرت للدفاع عن الكويت التي تعرضت لعدوان غير مبرر مهما كانت الخلافات حينها بينها وبين بغداد، فالحرب ليست خياراً إلا لدى المفلسين.

إلا أن النظر إلى أزمة الخليج بعدوان العراق على الكويت، يتطلب زوايا أكثر عمقاً وإدراكاً أشد يفكك خيوط المتشابك ويوضح الصحيح والخطأ بتوصيل دقيق يقود إلى تفسير وتحليل ونتائج واضحة.

فحالة الصراع والتوتر وعدم الاستقرار سائدة في منطقتنا ـــ وان اختفت مظاهرها ومؤشراتها تحت السطح ـــ فيمكن أن نستخدمها قاعدة عامة لوصف الأوضاع السياسية في منطقة الشرق الأوسط عموماً والخليج العربي خصوصاً في بعدها الخارجي على الأقل وفي بعض مشاكلها الداخلية.

تعقيدات أمنية

إن منطقتنا الخليجية منذ القدم، منطقة ذات حساسية أمنية شديدة، في ظل تعقيدات داخلية وتهديدات خارجية متنوعة ومعقدة، ترتبط وتتعلق وتنال اهتمام مختلف القوى العالمية بسبب توليفة مميزة من الظروف الجيوبولوتيكية؛ تتحول فيها أي صراعات ونزاعات إلى قضايا ذات أبعاد وترتيبات دولية قد تعقّد الحلول وتزيد المشاكل.

إذن، فعوامل التاريخ والجغرافيا والسياسات الداخلية وبعض العوامل الخارجية التي تعزز التوترات والنزاعات، جعلت من الخليج منطقة غير مستقرة أمنيًا، فتشابك تلك العوامل ساهم وقاد إلى الغزو الغاشم على الكويت.

عوامل النفط والخلافات الحدودية والأيدي الخارجية، عمقت الخلافات وقادت إلى نزاع تطور إلى غزو غاشم، إلا أن البعد السياسي المعاصر لا يقل أهمية عن تلك العوامل، فالديكتاتورية وغياب الديموقراطية في بغداد إبان الغزو، مع احتكار السلطة بيد شخص واحد احتكارًا مطلقًا يتخذ فيها قرارات عشوائية مدمرة يتجاوز أثرها بلده إلى البلدان المجاورة، وهذا ما وجدناه في حالة العدوان العراقي قبل ثلاثة عقود ألقى فيها تعنت نظام البعث في العراق المنطقة في متاهات كبرى. 

أوهام وتصورات

إن تصورات حاكم بغداد حينها وأوهامه النفسية، من أهم دوافع غزو الكويت، دون الاستناد إلى معطيات موضوعية وحقائق ملموسة، ما جلب كوارث ومآسي ومحنا على العراق نفسه دون نسيان آثار العدوان على الكويت وأهلها.

الاستبداد وغياب الديموقراطية في العراق مع النتائج المختلفة لحرب طويلة مع إيران أرهقت العراق فعليًا وجعلت نظامه أمام تساؤلات جديّة حول شرعيته في ظل الفشل في الانتقال إلى الديموقراطية وغياب التنمية والرفاهية والثقة الداخلية، رفعت الضغوطات الاقتصادية والسياسية داخل بغداد فأصبح المحفز قويًا لحل الأزمة الداخلية على حساب الآخرين، فكانت الكويت هي الحلّ الخارجي لأزمة نظام صدام حسين الداخلية.

الكويت.. وحسن النية

من زاوية ثانية، فإن الكويت التي حركت ملف الحدود وبعض القضايا الشائكة -من وجهة نظر بغداد- التي تذرع بها نظام صدام حسين للغزو واستخدمها اعلاميًا، لم تكن في أي لحظة من لحظاتها مدفوعة بسوء نية أو تهدف التآمر على العراق أو تقصد إيذاءه، بل إن الحكومة الكويتية لم يخطر ببالها أنها تستفز القيادة العراقية، بل تحركت معتقدة أن الوقت قد حان لإنهاء قضية الحدود الباقية من الإرث الاستعماري مدفوعة بتحليل منطقي أن وقوف الكويت ودعمها الشقيق العراقي وسخاء الكويت حكومة وشعبًا مع بغداد في حرب العراق مع إيران، أن العراق سيتفهم المبادرة الكويتية ويرحب بها ويدرك لماذا الاصرار الكويتي على وضع حد لتلك المشكلة المصطنعة، لا أن الخطأ الكويتي فعليًا كان بعدم إدراك طبيعة النظام القائم في العراق والمراهنة أن الظرف الاقتصادي العراقي بعد ثماني سنوات من الحرب قد جعل الفرصة مواتية.

حسابات العدوان

وربما لم توضع حسابات العدوان العراقي في التقديرات الكويتية التي حافظت على حسن النية ولم تضع احتمالات العدوان وبناء تحالفات تحمي البلاد من هكذا عدوان قبل المطالبة بحقوقها التي اعتبرها الطرف الآخر استفزازًا، لكن خطأ الحسابات لا يسمح للقيادة العراقية بأخذها بخباثة وإظهارها بمظهر مريب وشرّير -وهو معدل عملت عليه الآلة الإعلامية العراقية حينها- وهنا نذكّر أن الدبلوماسية الكويتية استطاعت محو تلك الآثار والاتهامات العراقية ضد الكويت وتمكنت خلال سنوات قليلة إثبات موقفها وسياساتها الخارجية الداعمة للسلام وللشعوب وحقوقها وقضاياها العادلة.

المأزق الإستراتيجي

إن تقييم نتائج الغزو العراقي للكويت بصورة موضوعية يقود إلى إمكانية التفكير باستراتيجية عربية خليجية كويتية تسمح باستخلاص العبر وأخطاء الماضي والتناقضات الإقليمية والدولية لفهم تعقيدات الساحة الاستراتيجية الدولية والإقليمية لرسم مسارات المستقبل بدقة رغم كثرة الألغام والتحديات، فمثلًا التهديدات الإيرانية القائمة والمستمرة تفرض ضرورة العودة للماضي القريب (والبعيد) لضمان وحدة الصف الخليجي والعربي لاستعادة زمام المبادرة والتأثير في مجريات التاريخ، فما بعد الحرب هو المرحلة الأهم من الحرب. 

العراق يمكّن الأميركان

قادت واشنطن التحالف الدولي لإخراج نظام صدام حسين من الكويت بعد أن رفض الأخير الاستجابة للدعوات العربية والإسلامية بالانسحاب وإعادة الحق إلى أهله بعد حرب غاشمة مهما كانت مبرراتها عراقيًا.. لكن العراق ورغم دعواته لمواجهة اميركا والكيان الصهيوني فقد سمح بعداونه بتحقيق أميركا لنجاح كبير في فرض سيطرة استراتيجية أميركية على مصادر النفط الأهم في العالم في منطقة الخليج بعد أن وضع دول الخليج أمام خيارات مرة جعلت دول مجلس التعاون مضطرة لاستقدام القوات الأجنبية /‏ الأميركية للدفاع عن نفسها أمام العدوان العراقي.. وفي البعد الدولي استفادت واشنطن من ذلك في إعادة تأكيد قوتها كقطب أوحد عالمي أمام التكتلات الأخرى المنافسة بشكل أعطاها هامشًا وأداة مناورة استراتيجية لا تقدر بثمن.

ودمرت الحرب مصداقية الأمم المتحدة عند شعوب العالم غير الغربي، وباتت تلك المنظمة أداة طبيعية خاضعة لسياسات الدول الكبرى فقد فشلت بمنع وقوع الغزو قبل حدوثه بشكل خالف مهمة المنظمة التي أنشئت من أجلها.

ضعف الجامعة العربية

مع عجز العرب عن منع عدوان نظام صدام حسين وغزو الكويت، ثم عجزهم عن ثنيه وإجباره على التراجع عن الاحتلال، وجهت الحرب ضربة قوية لمصداقية الجامعة العربية وفاعليتها.. ضربة كانت تسعى لها قوى إقليمية ودولية تعادي فكرة الاندماج والتجمع العربي فاستغلت عدوان العراق لتأكيد فكرة استحالة الوحدة العربية واعتبارها افكارًا حالمة وهمية.. وصولًا لتوجيه ضربة استراتيجية لفكرة الأمة العربية وكل آفاق العمل العربي المشترك في وعي دولها واللاوعي كذلك.

10 عوامل ساهمت في كارثة الغزو

01- عوامل النفط والخلافات الحدودية

02- الأبعاد السياسية والصراعات الدولية التي سبقت الغزو

03- التهور الذي كان يتسم به النظام العراقي البائد

04- القرارات العشوائية المدمرة التي انفرد بها صدام حسين

05- عدم استناد النظام العراقي البائد إلى معطيات وحقائق موضوعية

06- تدخلات الأطراف الخارجية في الأحداث

07- الدكتاتورية وغياب الديموقراطية في بغداد إبان الغزو

08- تصورات حاكم بغداد حينها وأوهامه النفسية

09- تعنت نظام البعث في العراق وسياسته القائمة على الغطرسة

10- استغلال صدام حسين لحالة السيولة الدولية والاصطفافات العالمية آنذاك

إستراتيجيات المستقبل وآفاقه:

لا يمكن لأي إستراتيجية حقيقية أن تصبح واقعاً إلا بعد إدراك طبيعة المواجهة القائمة والتناقضات الكبرى التي تحرّك الأطراف المختلفة وطبيعة مصالحهم المتباينة.. من دون نسيان العوامل التي يستند إليها الخصم في صناعة إستراتيجيته وتكتيكاته في حساباته المختلفة، وعليه فالمسألة الأهم في صناعة ورسم إستراتيجية كويتية/ خليجية في الفترات المقبلة ترتبط بطبيعة الصراعات الحالية والقادمة في ظل تبدل مفاهيم المواجهة الإستراتيجية نفسها، والتي تغيرت فيها مفاهيم الحرب والهزيمة والانتصار.

ومع حلول المواجهة الإستراتيجية محل مفهوم الحرب، التي كانت تعني انتصاراً عسكرياً خاطفاً، عكس المواجهة التي تستند إلى عمليات تاريخية طويلة ومستمرة، لم يعد للحرب معنى وقيمة كما السابق ملاحظة عنف ضرورية ضمن أي مواجهة عامة وتاريخية ينطبق عليها حال الكويت ومن ورائها دول الخليج العربي وبقية الدول العربية، التي تستمر المواجهات والتهديدات حولها (التهديد الإيراني وذراعه في العراق مثلاً كخطر أبرز ضد الكويت والخليج) الأمر الذي يستوجب عدم الاستناد إلى ضرورة خوض الحرب بمفهومها العنيف، بل العدول عن ذلك إلى أسلوب المواجهة الشاملة والمستمرة لمنع دخول بلادنا في سلسلة حروب لا نهائية تأكل الأخضر واليابس.

توظيف المعركة

ومع نجاح الكويت والتحالف في دحر العدوان العراقي قبل ثلاثة عقود، فإن التأكيد على فكرة وضرورة إعادة توظيف نتائج المعركة العسكرية في إستراتيجية المواجهة المستمرة لمختلف التحديات تتحول معه إلى عنصر إيجابي في أي معركة قادمة محتملة نستفيد منها من مختلف العوامل الجديدة التي نتجت عن ذلك الغزو الغاشم، في سياق مناورات إستراتيجية جديدة تحول عوامل الضعف إلى مصدر قوة يدعم الكويت ومنظومة دول مجلس التعاون في التحديات المستقبلية.

إن ضرورة إعادة بناء الاستراتيجية العربية لدول مجلس التعاون باتت ملحة في الظروف الراهنة كحال أيام ما قبل الغزو العراقي الغاشم، لذلك فهي تستوجب تغيير - أو تعزيز- الخيارات الأساسية في استراتيجية النهضة لدول الخليج العربي وفي قلبها الكويت، كتجربة عربية مهمة تقود الأمة العربية ككل، عبر التركيز على تكثيف الاستثمار في التقدم العلمي والتقني والاقتصادي والاجتماعي الذي يدعم التقدم العسكري ويؤازره ويمنع انسداد أُفقه لو بقي وحده.

من زاوية أخرى اعمق، فإن الضرورة ملحة لإدراك العوامل التي تحكم المنظومة الدولية التي تعيش إرهاصات كبرى نشهد فيها نمو توترات في المعسكر الغربي والوضع الجيوسياسي العالمي مع بدايات تبديل التوازنات وعلاقات القوة التي تربط التكتلات الدولية، وتقاطعها مع التهديدات المختلفة التي تواجه بلادنا.

تلافي المخاطر

ختامـاً، ولتعزيز الاستقرار المستقبلي ومواجهة التهديدات المشتركة، فإن بلداننا العربية في الخليج العربي تحتاج لتحقيق تكامل وتوحد واصطفاف فعلي، بالنظر إلى أن أغلب دول الخليج من الناحية الجغرافية، هي دول صغيرة لكنها غنية ونفطية ومرتبطة باستراتيجية النظام الدولي، فلها خصوصية تستوجب التوقف عندها وفهم مشكلاتها من جهة وتعزيز تعاونها في ما بينها لتلافي المخاطر المستقبلية وضمان عدم تكرار مأساة الغزو العراقي.. لذلك فإن حلّ مشكلات الحدود في منطقة الخليج مطلب ملّح؛ فهي قنابل موقوتة لا يعرف وقت انفجارها سواء بخطأ داخلي أو تدخل خارجي.. مع ضرورة تعزيز الإدراك العميق لمختلف التحديات والابتعاد عن التصورات الخطأ البعيدة عن الموضوعية، فالمرحلة الحالية حساسة وخطيرة وتشابه في حساسيتها كواليس عام ١٩٩٠ دولياً واقليمياً وعربياً.

 

جميع الحقوق محفوظة