السبت 17 يوليو 2021

«ستاندرد آند بورز»: المواجهة بين الحكومة والمجلس.. تُعقد جهود الإصلاح

«ستاندرد آند بورز»: المواجهة بين الحكومة والمجلس.. تُعقد جهود الإصلاح

«ستاندرد آند بورز»: المواجهة بين الحكومة والمجلس.. تُعقد جهود الإصلاح

خفّضت وكالة «ستاندرد آند بورز» التصنيف الائتماني السيادي لدولة الكويت من المرتبة - AA إلى المرتبة +A مع نظرة مستقبلية سلبية، بسبب عدم وجود استراتيجية شاملة لتمويل عجز الموازنة العامة للدولة وبطء وتيرة الاصلاحات الهيكلية. وتعكس النظرة المستقبلية السلبية في المقام الأول المخاطر المتعلقة بقدرة الحكومة على التغلب على العوائق المؤسسية التي تمنعها من تطبيق استراتيجية لتمويل العجز في المستقبل على مدى 12 الى 24 شهرا مقبل.

وتوقعت الوكالة أن يصل متوسط عجز موازنة الكويت إلى نحو %17 من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا خلال السنوات 2021-2024، داعية الحكومة لوضع استراتيجية شاملة لزيادة مصدرها الرئيسي لتمويل عجز الموازنة، وهو صندوق الاحتياطي العام الناضب.

ورجحت «ستاندرد آند بورز»، أن تتبنى السلطات قانونًا للدين العام، أو تتغلب على المعارضة البرلمانية للوصول إلى بدائل التمويل الأخرى المتاحة مثل صندوق الأجيال القادمة. ومع ذلك، فإن الغياب المطول والمستمر لاستراتيجية التمويل طويل الأجل يشير إلى مخاطر ائتمانية بشكلٍ أكبر بما يتماشى مع فئة التصنيف «A» الخاصة بالوكالة.

وقالت الوكالة: هنالك إمكانية لتخفيض التصنيف الائتماني السيادي لدولة الكويت إذا استمر العجز المرتفع للموازنة على المدى المتوسط، مع عدم وجود ترتيبات تمويلية شاملة ومستدامة ومتفق عليها. ويمكن أن يحدث هذا، على سبيل المثال، نتيجة المواجهة المستمرة بين الحكومة ومجلس الأمة مما يجعل الحكومة غير قادرة على تنفيذ الإصلاحات المالية، أو تمرير قانون الدين العام، أو التصريح بمصادر أخرى لتمويل عجز الموازنة العامة. في المقابل اشارت الوكالة إلى إمكانية رفع تصنيف الكويت السيادي إذا أظهرت السلطات سجلاً حافلاً في تنفيذ الإصلاح الهيكلي الذي يُعالج احتياجات الكويت التمويلية طويلة الأجل، وتعزيز صنع السياسات، وتحسين الآفاق الاقتصادية.

العجز الأعلى بالعالم

ورجحت الوكالة أن يصل العجز في الموازنة العامة نحو %33 من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 20/2021، وهي أعلى نسبة بين جميع الحكومات على مستوى العالم. وأشارت إلى تعافي أسعار النفط بشكلٍ كبير من أدنى مستوياتها في العام الماضي، وتتوقع زيادة صادرات النفط الكويتية مع وقف تخفيضات الإنتاج وفقًا لاتفاقية «أوبك+» تدريجيًا. ومع ذلك، من المتوقع أن يبلغ متوسط عجز الموازنة العامة نحو %17 من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات 2021- 2024. وتُقدّر الوكالة السعر التوازني للموازنة العامة عند نحو 90 دولارًا للبرميل، وهو أعلى بكثير من افتراضات أسعار النفط على المدى المتوسط.

وأشارت إلى أن العجز المتوقع في الموازنة العامة المعتمدة في يونيو 2021 سيصل إلى نحو %31 من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2021- 2022، مع زيادة الإنفاق العام بنسبة %8.5 مقارنة بالسنة المالية السابقة. وعلى الرغم من أن الوكالة تعتقد أن رصيد الحساب الختامي للسنة المالية 21/2022 سيكون جيدًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى ارتفاع أسعار النفط عما هو مرصود في الموازنة، فإنها تعتبر أن الموازنة المعتمدة تنحرف عن الأهداف المعلنة للسيطرة على اختلال التوازن المالي واحتواء النفقات العامة.

إستراتيجية التمويل.. غائبة

وعلى عكس توقعات الوكالة السابقة، لم تضع الحكومة لغاية الآن استراتيجية شاملة لتمويل عجز الموازنة، ومع انتهاء قانون الدين العام في عام 2017 لم تكن الحكومة قادرة على الاقتراض منذ ذلك الحين، واعتمدت بدلاً من ذلك على صندوق الاحتياطي العام للوفاء بمتطلبات الموازنة العامة، وقد أدى هذا إلى نفاد صندوق الاحتياطي العام في ظل عدم قدرة الحكومة على الاعتماد على صندوق الأجيال القادمة في تمويل الموازنة العامة للدولة.

وأشارت الوكالة إلى أنه في حال نفاد صندوق الاحتياطي العام تمامًا، فقد تواجه دولة الكويت قيودًا صعبة في الموازنة وتتطلب تعديلًا سريعًا وكبيرًا في الإنفاق العام. ومع ذلك، حتى في ظل مثل هذا السيناريو الأصعب، لا تتوقع الوكالة أن تتأثر خدمة الدين في المقام الأول كونها مبالغ صغيرة. وتُقدّر الوكالة إجمالي الدين الحكومي العام لدولة الكويت عند نحو %10 من الناتج المحلي الإجمالي، في حين تبلغ نفقات الفوائد نحو %1 من إجمالي الإنفاق العام. ومع ذلك، فإن أي تعديل محتمل للإنفاق العام غير المنضبط يُمكن أن يضعف الاقتصاد ويضعف ثقة المستثمرين الأجانب. وقد يكون هذا الأخير مهمًا بشكلٍ خاص في ظل خطط الحكومة للعودة إلى التمويل من الأسواق العالمية في السنوات القادمة.

ارتفاع النفط يخفف الضغوط

وأفادت بأن الارتفاع الأخير في أسعار النفط يُساعد في تخفيف بعض الضغوط الفورية، ولكنه قد يؤدي إلى تأخّر خطط الإصلاح الهيكلي للحكومة. وهذا من شأنه أن يجعل دولة الكويت أقل استعدادًا لأي صدمات معاكسة في شروط التبادل التجاري في المستقبل.

وأشارت إلى أن جهود الإصلاح في دولة الكويت لا تزال معقّدة بسبب علاقة المواجهة بين الحكومة ومجلس الأمة. وكانت هذه سمة مؤسسية متكررة، لكنها تصاعدت أخيرًا، حيث حصل نواب المعارضة على ما يقرب من %50 من المقاعد البرلمانية في انتخابات ديسمبر 2020، ومنذ ذلك الحين يعارضون مقترحات الحكومة، بما في ذلك اعتماد قانون الدين العام والسماح بسحب محدود من صندوق احتياطي الأجيال.       

وأشارت الوكالة إلى أن تصنيفها الائتماني لدولة الكويت لا يزال مدعومًا بارتفاع احتياطيات الدولة المالية والخارجية المتراكمة، ما يخفف من الطبيعة غير المتنوعة للاقتصاد. ولا يزال السيناريو الأساسي للوكالة يفترض أن الحكومة ستكون قادرة على التغلب على المعارضة البرلمانية، ربما من خلال إصدار مرسوم أميري يسمح باستخدام صندوق احتياطي الأجيال القادمة إذا لم تكن الخيارات الأخرى متاحة. واوضحت أن التصنيفات مقيدة بالظروف المؤسساتية الضعيفة نسبيًا مقارنة مع نظرائهم غير الإقليميين في نفس فئة التصنيف، إلى جانب حقيقة أن العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة غالبًا ما تؤدي إلى الجمود السياسي، وهناك فجوة في المعلومات فيما يتعلق بحجم وتكوين صندوق الاحتياطي العام وصندوق احتياطي الأجيال القادمة.

السياسة النقدية

 

أشارت الوكالة إلى أن مرونة السياسة النقدية لدولة الكويت محدودة نسبيًا نظرًا لارتباط الدينار بسلة من العملات يهيمن عليها الدولار الأميركي. وهذا يُقلّص القدرة على استجابة نقدية مستقلة لتخفيف شروط التمويل أو تخفيف تقلبات الدورة الاقتصادية. وينطبق هذا بشكلٍ خاص على الاقتصاد الذي يهيمن عليه قطاع النفط، وتحرّكه في الغالب عوامل خارجية وليست محلية. وقالت ان ركود الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي المتوقع في 2021 يأتي في أعقاب الانكماش الاقتصادي العميق بنسبة %9 في عام 2020 ويعكس استمرار تخفيضات إنتاج النفط المتفق عليها في اتفاقية (أوبك+)، كما من المتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نموًا بنسبة %0.5 في عام 2021 وبنسبة %8.5 في عام 2022، مدفوعًا بتعافي القطاعات غير النفطية من الجائحة وتعويض تخفيض إنتاج النفط بموجب اتفاقية «أوبك+». وترى الوكالة بأن إجمالي احتياطيات النفط المؤكدة تكفي لنحو 100 عام، في حين أن تكلفة الإنتاج هي الأدنى على مستوى العالم. ونظراً لهذا التركّز الكبير، فإن الأداء الاقتصادي لدولة الكويت سيظل مرتبطًا بدرجة كبيرة باتجاهات الصناعة النفطية.

الإنتاج النفطي

وقدرت الوكالة انتاج الكويت النفطي في المتوسط بنحو 2.43 مليون برميل يوميًا في 2020، ونحو 2.39 مليون برميل في 2021، ثم سيزيد الإنتاج إلى نحو 2.78 مليون برميل في عامي 2022، ونحو 3.10 في عام 2023، وسيصل إلى نحو 3.20 مليون برميل في عام 2024. ونظرًا لمستويات الإنتاج المُقدّرة، تتوقع الوكالة أن ينكمش القطاع النفطي في عام 2021 مقارنة بعام 2020. كما توقعت أن يبلغ متوسط سعر نفط خام برنت نحو 65 دولارًا للبرميل في 2021 ونحو 60 دولارًا في عام 2022 ونحو 55 دولارًا للبرميل اعتبارًا من عام 2023.

وتوقعت أن يبلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نحو %0.5 في 2021، مدفوعًا بانخفاض كميات إنتاج النفط والآثار السلبية للجائحة، مقارنة بانكماش بنحو %8.9 في عام 2020. ومن المتوقع أن يصل النمو بالمتوسط إلى نحو %7.0 في عامي 2022 و2023، وذلك مع انتهاء تخفيضات اتفاقية «أوبك+» وزيادة الانتاج النفطي لدولة الكويت. كما لا تزال الكويت متقدمة قليلاً عن متوسط الأسواق الناشئة من حيث وتيرة طرح اللقاح، حيث تلقى %30 من السكان جرعة واحدة على الأقل اعتبارًا من أوائل شهر يوليو 2021، وهذا التقدم يدعم توقعات الوكالة بحدوث انتعاش تدريجي في القطاعات غير النفطية خلال هذا العام والعام القادم.

استنزاف الاحتياطي العام

واشارت الوكالة الى مخاطر الاستنزاف المستمر لصندوق الاحتياطي العام، على الرغم من أن إجمالي أصول صناديق الثروة السيادية يتجاوز ما نسبته %470 من الناتج المحلي الإجمالي، ويُقدّر صافي الأصول الحكومية العامة لدولة الكويت بنحو %460 من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية عام 2020، وهي أعلى نسبة بين جميع الجهات السيادية المصنفة من قِبل الوكالة. وفقًا لتقديرات الوكالة لمستويات إنتاج النفط وأسعاره، من المتوقع أن يصل عجز الموازنة العامة للدولة إلى ما نسبته %20 من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 21/2022 مقارنة بعجز مالي نسبته %33 من الناتج المحلي الإجمالي للسنة المالية 20/2021. وأشارت إلى أن الأصول السائلة المتوافرة في صندوق الاحتياطي العام لا تكفي لتغطية هذا العجز الكبير في الموازنة. ومن المتوقع أن تسجل الموازنة العامة لدولة الكويت (بحساب دخل الاستثمارات الحكومية) فوائض مالية خلال أفق توقعات الوكالة، ويعود ذلك بشكلٍ رئيسي إلى عوائد الاستثمارات الحكومية الضخمة التي يولّدها صندوق الأجيال.

تمرير «الدين العام»

أشارت الوكالة إلى أن تمرير قانون الدين العام الجديد يُمكن أن يوفّر مصدر تمويل للعجز المالي في الموازنة على مدى السنوات الثلاث المقبلة. وأشارت إلى أن اتباع نهج أكثر واقعية يهدف إلى تقليص الدعوم الحكومية المُهدرة وزيادة الإيرادات العامة من خلال مصادر بديلة يُمكن أن يوفر الاستقرار على المدى الطويل، ولكن لا يزال من الصعب جدًا تحقيقه لأسباب سياسية.

ثروة «الأجيال».. كبيرة جداً

قالت «ستاندرد آند بورز»: بالرغم من أن صندوق الاحتياطي العام يتناقص بشكلٍ مستمر، فان حجم إجمالي أصول صندوق الثروة السيادي «بما في ذلك صندوق احتياطي الأجيال القادمة» لا يزال كبيرًا جدًا وهو العامل الرئيسي الذي يدعم التصنيفات السيادية. وتُقدّر الوكالة إجمالي أصول صندوق الثروة السيادي بأكثر من %470 من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية عام 2020.

عوائد الاستثمارات

توقعت «ستاندرد آند بورز» أن يصل صافي الوضع الدائن الخارجي لدولة الكويت إلى نحو %600 من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية عام 2020، ما يجعلها من بين أقوى الدول التي حصلت على نفس التصنيف الائتماني. وخلال 2020، سجل الحساب الجاري لميزان المدفوعات فائضًا بنحو %31 من الناتج المحلي الإجمالي مقارنةً بفائض بنحو %16.3 من الناتج المحلي الإجمالي في 2019، وذلك بالرغم من انخفاض أسعار النفط وتآكل قاعدة الإيرادات العامة للدولة. وجاء ذلك مدفوعًا في المقام الأول بارتفاع عوائد محفظة استثمارات الهيئة العامة للاستثمار في النصف الثاني من عام 2020، والتي ساهمت في تحقيق فائض دخل مرتفع واستثنائي في ميزان المدفوعات.

أداء القطاع المصرفي

أشارت الوكالة إلى أن أداء القطاع المصرفي الكويتي كان جيدًا خلال فترة الجائحة، وأضافت: من الملاحظ أن القطاع دخل مرحلة الانكماش الاقتصادي في وضع قوي نسبيًا، فعند بداية الجائحة كانت القروض غير المنتظمة منخفضة عند نحو %1.5، وكانت نسبة تغطية المخصصات للقروض غير المنتظمة مرتفعة عند نحو %200، ومعدلات الرسملة قوية. وفي بداية الجائحة في عام 2020، تحرّك بنك الكويت المركزي على الفور لتنفيذ عدد من تدابير الدعم للاقتصاد والنظام المالي. وخلال عام 2020 وبداية عام 2021، زادت القروض غير المنتظمة بشكلٍ هامشي، وجار سحب تدابير التخفيف الرقابية والدعم المعتمدة سابقًا.

 

 

 

جميع الحقوق محفوظة