الأربعاء 25 يناير 2023

لبنان: «زلزال» بيطار يتفاعل و«عاصفة» قضائية - سياسية تحاصره

لبنان: «زلزال» بيطار يتفاعل و«عاصفة» قضائية - سياسية تحاصره

لبنان: «زلزال» بيطار يتفاعل و«عاصفة» قضائية - سياسية تحاصره

... «إما تنفجر فيه وإما بالبلد». هكذا اختصرتْ أوساطٌ مطلعةٌ الآفاقَ المحتملةَ لـ «القنبلة» التي سَحَبَ صاعقَها المحققُ العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار وأحدثتْ غباراً كثيفاً في أروقة العدلية حيث ارتسمت ملامحُ معركةٍ ضارية داخل الجسم القضائي مدجّجَة بـ «بارودٍ» سياسي لطالما زنّر ملف «بيروتشيما».

وحده هديرُ «الدولار الأسود» الذي ناطَحَ أمس 55 ألف ليرة واستعادة الشارع بعضاً من ملامح الاحتقان (في الشمال والجنوب وبيروت) بخلفياتٍ معيشيةٍ «نافَسَ» دويّ القرار - الاجتهاد الذي «حَكَمَ» بيطار بموجبه «لنفسه» باستئنافِ التحقيقات في انفجار المرفأ (بعد تعليقها لنحو 13 شهراً) واضعاً نفسه «فوق» عشرات دعاوى الردّ والمخاصمة المقدّمة بحقه من سياسيين مدعى عليهم، وذلك على قاعدة عدم امتلاك «أي جهة سلطة تنحيته أو استبداله أو مداعاته»، وأيضاً «استيعاب» صلاحيات النيابة العامة التمييزية لنفسه وإعلان عدم الحاجة إلى أذونات لملاحقة سياسيين وعسكريين وأمنيين وقضاة وإداريين.

 

وفيما كانت أنظار اللبنانيين على شاشات هواتفهم ترصد الانهيار المتوالي لليرة من قعر إلى آخر كما على عدّادات أسعار المحروقات التي تجاوزتْ مليون ليرة (لصفيحة المازوت) و950 ألفاً للبنزين وسط تحذيرات من مخاطر على الأمن الغذائي بحال واصل الدولار مسارَه الجنوني التصاعدي، فإنّ «هستيريا» قضائية – سياسية سادت بإزاء خلْط الأوراق المباغت في ملف المرفأ الذي تسبّب به قرار بيطار الذي بدا أنه حاول «حماية» استئناف تحقيقاته بمساريْن متوازييْن:

أوّلهما توسيع دائرة المدّعى عليهم لتشمل في سابقةٍ، مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، إلى جانب قادة أمنيين كبار بينهم المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا و3 قضاة، وتحديد مواعيد لاستجواب هؤلاء وسياسيين وعسكريين سبق أن ادعى عليهم بجرم الإهمال.

والثاني إطلاق «حبْل» تخلية موقوفين (منذ أغسطس 2020) في الملف، وكان أول الغيث طلب إطلاق 5 أشخاص، بينهم إداريان سابقان في المرفأ.

وسريعاً بدا أن بيطار حرّك «وكر دبابير» على وقع علامات استفهام كبرى حول قدرته على «الصمود» أمام «عاصفة مضادّة» هبّت بوجهه قضائياً وسياسياً، ما جعل أوساطاً مطلعة تعتبر أن ما يشبه «الزلزال» الذي أحْدَثه المحقق العدلي إما سيتسبب بتشققاتٍ تُسْقِط آخر قشور الأرضية المهتزّة التي يقف عليها منذ بدء مهمته، وإما يأخذ البلد إلى ارتجاجات سياسية وأمنية بحال وَجَدَ بيطار مَنْفذاً للمضي في مسارٍ وصفه أطراف في الموالاة بأنه «مجنون ولعب بالنار»، أو إذا اتضح أن اندفاعتَه لها «ظهيرٌ» دولي أطلّ من معاينةِ وفد قضائي فرنسي مآل التحقيق اللبناني الأسبوع الماضي كما من مناخاتِ دخول واشنطن على الملف من بوابة قضية الموقوفين من دون محاكمات وأحدهم يحمل الجنسية الأميركية.

وجاء «الهجوم المضاد» على بيطار على محوريْن:

* قضائي قاده القاضي عويدات الذي رَسَمَ ما يشبه معادلة ردْع بوجه بيطار مفادها: الادعاء بالادعاء، أي أنه إذا تبلّغ ادعاء المحقق العدلي عليه قد يعمد لملاحقته بجرم «اغتصاب السلطة» وانتحال صفة.

وبدا أن ثمة محاولةً من داخل الجسم القضائي، الذي أرْبكته خطوة بيطار وسط خشية من أن تفتح الباب أمام فوضى قضائية، لجعْل المحقق العدلي بـ «لا أذْرع» تنفيذية لقراراته سواء لجهة تخلية الموقوفين أو التبليغات للمدعى عليهم أو المطلوب سماعهم، بحيث يُخشى أن تتحوّل عودته إلى الملف «قنبلة صوتية» ما لم تحظَ بإسنادٍ شعبي وسياسي، تسود مخاوف من أن يتحوّل بدوره «جاذبة صواعق» في الواقع اللبناني الأقرب إلى «طنجرة ضغط».

ودشّن القاضي عويدات مسار محاولة تفريغ قرارات بيطار وجعْلها أشبه بـ «زوبعة في فنجان» بإعطاء أول إشارة لعودته عن تنحيه عن كل ما له علاقة بقضية «بيروتشيما»، إذ وجّه كتابَ رد على قرارات بيطار ذيّله بتوقيعه واستعان فيه بآية من القرآن الكريم وأخرى من الإنجيل وجاء فيه: «إن استطعتم أن تَنْفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا، لا تنفذون إلا بسلطان... بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم ويزاد لكم أيها السامعون»، مضيفاً: «بموجبه نؤكّد أن يدكم مكفوفة بحكم القانون ولم يصدر لغايته أي قرار بقبول أو رفض ردّكم أو نقل الدعوى من أمامكم».

ولاحقاً أشار عويدات إلى أنه لم يبلّغ بقرار المحقق العدلي عودته إلى التحقيق «إنما سمعتُ بقراره عبر وسائل الإعلام ما يعني أن قراره غير موجود بالنسبة لي»، مضيفاً بعد اجتماعٍ برئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود (الذي اجتمع قبلها بوزير العدل هنري خوري) أنه «إذا عُقدت جلسة لمجلس القضاء الأعلى أحضرها بشرط ألا يكون ملف تفجير 4 اغسطس بنداً وحيداً في الجلسة». وتابع رداً على سؤال عن التبليغات التي وجّهها الى النيابة العامة التمييزية لاستجواباتٍ قرّرها بيطار بعد عودته وطلبات التخلية أنه «إذا كان التنحّي غير وارد في القانون، في رأي القاضي بيطار متخطّياً طلبات رده، فأنا ايضاً سأعتبر نفسي غير متنحٍ في قضية المرفأ».

وكانت مصادر قضائية أشارت الى أن «النيابة العامة التمييزية تلقت من بيطار أسماء طلب استجواب أصحابها كمدعى عليهم، وليس بينهم أسماء قضاة، باعتبار أن تبليغ القاضي أصولاً تكون في مكتبه في قصر العدل» وأن قراراً اتُخذ بعدم تنفيذ أي أوراق وصلت إلى النيابة العامة التمييزية من المحقق العدلي لدعوة مسؤولين أمنيين باعتبار أنها ترتكز على قرارات باطلة وصادرة عن مرجع غير صالح.

وسبق ذلك معلومات عن أن بيطار وجّه اتهامات للمدعي العام التمييزي وثلاثة قضاة في قضية المرفأ (جاد معلوف وكارلا شواح وغسان الخوري)، كما ادعى على اللواءين ابراهيم وصليبا ورئيس المجلس الأعلى للجمارك العميد أسعد الطفيلي وعضو المجلس الأعلى للجمارك غراسيا القزي وأنه حدد مواعيد لسماعهم في فبراير المقبل مع آخرين بينهم القائد السابق للجيش العماد جان قهوجي ومدير المخابرات السابق العميد كميل ضاهر.

وبالتوازي أبلغ بيطار 3 سياسيين لصقاً للحضور أمامه لاستجوابهم في 6 و8 فبراير وهم الوزير السابق نهاد المشنوق والنائب غازي زعيتر والرئيس السابق للحكومة حسان دياب وعُلقت أوراق التبليغ على حائطٍ على مقربة من مكتبه في قصر العدل.

وفي موازاة «محاصرة» عودة بيطار بـ «ألغام» قضائية، يسود رصْد لتداعيات عدم تنفيذ النيابة العامة التمييزية قرارات تخلية 5 من الموقوفين الـ 17 باعتبار أنها قد تُفَسَّر حجْزاً لحرية مواطنين من دون مسوغ قانوني، وسط استحضار أن وكلاء الموقوفين سبق أن تقدموا بطلبات تخلية للرئيس الأول لمحكمة التمييز (القاضي عبود) بالاستناد إلى معاهدة دولية أبْرمها لبنان عبر مجلس النواب وتَعتبر أن الصفة المعطاة للموقوفين بعد مرور عامين ونصف العام على توقيفهم من دون محاكمة تصبح الاعتقال «وهي أصبحت من ضمن النظام القانوني اللبناني وتعلو عليه».

* وفي السياسة لم تتأخر «شرارات» التوتر العالي في الظهور، حيث كان مقر البرلمان ساحةً لسجال بأعلى صوت خلال اجتماع لجنة الإدارة والعدل حيث علا صوت النائبين الملاحَقين من بيطار علي حسن خليل وغازي زعيتر (وزيران سابقان) رداً على دفاع النائبة نجاة عون صليبا عن المحقق العدلي، حيث أكدا ان بيطار مسيَّس وينفذ أجندات معينة.

وخرج زعيتر من القاعة غاضباً قائلاً «ما بيفهوا بالقانون وبدن يناقشوا»، متهماً بيطار بـ «الجنون».

كما برز موقف للمفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان قال فيه إنه «بعد تضييعه للعدالة ونسف القيمة الوطنية لقضية المرفأ وشهدائه، عاد القاضي بيطار بعقلية ضابط بلا قوانين رغم أنه غير موجود عدلياً بعد كف يده، لذلك ما يقوم به البيطار تدمير تعسفي وكوميديا تطول قضية المرفأ ودماء شهدائه، والمطلوب إنقاذ العدالة من لعبة الابتزاز التي يقودها البيطار لأن البلد برميل بارود».

وإذ حضّت الخارجية الأميركية السلطات اللبنانية «على استكمال تحقيق سريع وشفاف في انفجار المرفأ»، مؤكدة «أن ضحايا هذا التفجير يستحقون العدالة والمسؤولين عنه يجب أن يعاقبوا»، برزت أسئلة في بيروت عن سرّ ترْك الدولار يتفلّت من كل ضوابط وتحريك الشارع في أكثر من منطقة عبر قطع الطرق وهل الأمر في إطار «إلهاء» الرأي العام بلقمة عيشه وتحويل قضية «بيروتشيما» والتحقيق فيها ملفاً ثانوياً أمام «ضحايا الموت البطيء» يومياً في بلد البؤساء؟

جميع الحقوق محفوظة