الأحد 08 مايو 2022

هل تجرؤ روسيا على الصدام مع الناتو؟

هل تجرؤ روسيا على الصدام مع الناتو؟

هل تجرؤ روسيا على الصدام مع الناتو؟

نجحت أميركا في إعطاء انطباع عام بأن ثمة جبهة متضامنة (غربية ليس إلا) تقف ضد روسيا في أوروبا، وأن الخطر الروسي قادم إلى فنلندا والسويد المحايدتين، وإلى دول أوروبا الشرقية التي كانت يوماً تحت السيطرة السوفياتية الستالينية. وهذا ما دفع السويد وفنلندا إلى طلب الانضمام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ورفع أميركا ورقة البند الخامس من الحلف الذي ينص على حق الناتو في الرد على أي اعتداء على دولة عضو في شكل موحد... فهل تصطدم موسكو مع الناتو بعد حربها في أوكرانيا؟

ثمة خوف حقيقي لدى بعض دول أوروبا، من ان روسيا تملك أهدافاً توسعية في القارة العجوز، خصوصاً بعدما نجحت أميركا في حربها الإعلامية وفي شيطنة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقد أصبح مستوى الكره والعداء لروسيا لا سابقة له إلا أثناء الحرب الباردة (1945 – 1990). ومنذ عام 1990، كان يفترض عدم توسع الناتو لأكثر من 12 عضواً كانوا شكلوا نواته. إلا أن الولايات المتحدة أخلت بوعدها – كما قال الرئيس بيل كلينتون في مقال أخير – على الرغم من نصائح عدة وجهت إليه من أعضاء إدارته وسفراء وأكاديميين وإعلاميين وخبراء أميركيين، كما أكد في المقال الذي نشر منذ مدة قصيرة.

ولم تكن روسيا في موقع قوي لتقف بشدة في وجه أميركا لصد محاولة زيادة عدد أعضاء الناتو، إلا أن بوتين وقف في مؤتمر ميونيخ للأمن عام 2007 ليرفع الصوت ضد هذا التوسع.

ولم تعر الولايات المتحدة إهتماماً لنداء بوتين آنذاك بل تحدته وردت عليه بعد أقل من عام، في إجتماع الناتو في الـ2008، بالإعلان عن إنضمام دول أخرى إلى الحلف والتحضر لإستقبال أوكرانيا وجورجيا.

ومن الواضح ان الأجندة الأميركية لا تتناغم أبداً مع أهداف روسيا التي ذهبت إلى سورية عام 2015 لإفشال المخطط الأميركي. وإقتربت موسكو من إيران والصين أكثر من أي وقت مضى وبدأت بالحديث عن إلغاء الأحادية الدولية التي هيمنت عليها أميركا طيلة أكثر من 30 عاماً. وشكلت عودة روسيا إلى ساحة الشرق الأوسط من النافذة السورية مصدر قلق جدي لأميركا وتحدياً لمخططاتها.

غير أن السؤال هو: هل يتحد الناتو فعلاً في مواجهة أي إعتداء أو طلب مؤازرة من أحد أعضائه؟

في عام 1990، بعد إنتهاء الحرب الباردة، كان عدد أعضاء الناتو 12 عضواً وأصبح يضم 30 عضواً في العام 2020 وهو يدعي باتحاده ضد أي خطر يصيب أي من أعضائه. إلا أن التحدي الأول لهذا الحلف أظهر هشاشة التضامن بين مكوناته عام 2012 عندما طلبت تركيا، ثاني أكبر دولة تملك أكثر عدد من الجنود في الحلف، التضامن معها إنفاذاً للبند الخامس.

وكانت طائرة إستطلاع تركيا خرقت الأجواء السورية وإسقطتها الدفاعات السورية ومعها الطياران التركيان. وقد طلبت أنقره من الأمين العام لحلف الناتو حينها أندرس فوغ راسموسن التدخل تحت البند الخامس، إلا ان الجواب أتى ان «الناتو يقف إلى جانب تركيا بروح من التضامن القوي وأنه يندد بالرد السوري بأشد العبارات ولكن لن يتدخل عسكرياً».

وأعد هذا التطور بمثابة الفشل الأول لتضامن الناتو تحت البند الخامس ليأتي عام 2015 وتسقط تركيا طائرة روسية فوق سورية وتركض للإختباء خلف «الناتو» الذي لم يبد أي حماسة للتضامن العسكري والوقوف في وجه روسيا حينها.

يمكن أن تكون الأمور إختلفت اليوم لأن أميركا تشعر فعلاً ان هيمنتها مهددة، وأنها يجب ان تساعد أي عضو يتعرض لهجوم روسي فقط لتمنع وباء تحدي الآحادية من الانتشار. ويمكن أيضاً أن لا يكون لأي دولة عضو في الناتو الرغبة في الدفاع عن تركيا التي يعاديها أهم عضو في الناتو، أي فرنسا، التي قال رئيسها ايمانويل ماكرون منذ بضعة أعوام أن «الناتو مصاب بموت سريري». إلا أن أي هجوم روسي على دول أعضاء ملاصقة لروسيا (استونيا ولاتيفيا) من الصعب أن يمر دون رد فعل.

المشكلة أن مساحة استونيا هي نحو 45000 كليومتر مربع يقطنها نحو مليون و350 الف نسمة. ولاتيفيا نحو 64500 كيلومتر مربع يقطنها 1.9 مليون نسمة. وهي مساحات لا تحتاج لأي مجهود لروسيا لإحتلالها إذا أرادت ذلك. إلا أن عدم الرد الأميركي سيولد إنقساماً ونهاية للناتو، وتالياً فأن المعركة المقبلة لن تكون معركة إحتلال جزء من البلاد كما تفعل روسيا في أوكرانيا حيث يوجد جزء من السكان – في محافظة دونباس – يريد الإنضمام إلى روسيا ويتكلم لغتها.

ومن هنا، فإن أي مجابهة عسكرية روسية – أميركية على أي أرض أخرى ستكون نووية ولو في شكل أصغر بكثير من الضربة النووية الوحيدة التي قامت بها الولايات المتحدة ضد اليابان في هيروشيما وناكازاكي والتي ذهب ضحيتها 214000 نسمة.

إذاً من المتوقع ليس الدفاع عن أي دولة عضو في الناتو بل عودة سباق التسلح النووي إلى العالم وإنتشار هذه الأسلحة الفتاكة على حدود الدول الخمس التي تحد روسيا، والعكس صحيح أيضاً.

في الـ12 من الشهر الحالي، من المتوقع ان يعلن الرئيس الفنلندي ساولي نينيستو إنضمام بلاده إلى الناتو. وستعتبر هذه الخطوة إستفزازاً لروسيا بعدما كانت فنلندا محايدة تماماً. ولا تكتفي الولايات المحدة بهذا القدر، بل تشجع في بيلاروسيا، الموالية لموسكو، على «ثورة ملونة» تحت شعار «الحرية والديموقراطية» عبر دعمها لزعيمة المعارضة سفيتلانا تيخانوفسكايا تكنولوجياً وتدرب المعارضين والصحافيين البيلاروسيين على أحدث التقنيات لمجابهة النظام وإسقاطه، كما فعلت واشنطن مع أنظمة عدة في الأعوام الماضية. وبالطبع فان روسيا لن تقف مكتوفة الأيدي.

إنها العودة إلى الحرب الباردة – الساخنة وعودة إنتشار الأسلحة النووية وتطوير السلاح الفتاك الفرض صوتي. وسط دفاع الدول العظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، عن أجندتها وعرشها بكل شراسة. وتالياً فان حرب أوكرانيا ما هي إلا بداية الصراع على إدارة العالم وإضعاف الهيمنة الآحادية.

 

جميع الحقوق محفوظة