الأربعاء 04 مايو 2022

المعركةُ الانتخابية الأكثر شراسة في لبنان.. مسيحية

المعركةُ الانتخابية الأكثر شراسة في لبنان.. مسيحية

المعركةُ الانتخابية الأكثر شراسة في لبنان.. مسيحية

منذ ان انفرط عقد «اتفاق معراب» الذي أُبرم بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» وأفضى إلى انتخاب زعيم «التيار» العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، لم يحتدم الخلاف بينهما إلى هذا الحد الذي يُسَجَّل حالياً.

خلال ستة أعوام إلا خمسة أشهر من عمر ولاية عون الرئاسية، تَرَنَّحَ «اتفاق معراب» إلى أن سقط نهائياً.

أنهت الحملاتُ الانتخابية آخِر مدماكٍ في العلاقة بين الطرفين، رغم أغنية «أوعى خيك» التي تمّ الترويج أنها تنطوي على مغزى التفاهم في الشارع القواتي والعوني، وكَتَبَ كلماتَها الوزيرُ السابق والمرشح للانتخابات حالياً ملحم الرياشي الذي شكّل مع النائب من «التيار الوطني» إبراهيم كنعان عرّابا التفاهم.

افترق الطرفان في محطات كثيرة خلال ولاية عون، منذ أن قدّم الرئيس سعد الحريري استقالته من الرياض، واتهم الحريري ومعه عون وحزبه القوات اللبنانية بأنها وقفت ضد زعيم «تيار المستقبل»، فيما رأت «القوات» ان الحريري يساير رئيس الجمهورية وتياره على حساب حلفائه في قوى «14 مارس».

تَطَوَّرَ الخلافُ بين الفريقين في ملفات الكهرباء حيث وقفت «القوات» ضدّ أداء «التيار» في وزارة الطاقة.

وبين كل الخلافات المستعرة كان موقف «القوات» من ملف الكهرباء هو فتيل التفجير الحقيقي بينهما بعدما رفضت كل ما تطلبه الوزارة من سلفات مالية في وقت يُسَجَّلُ عجزٌ متماد في تأمين الوزارة التيار الكهربائي للبنانيين.

وذروة الصِدام كان في موقف «القوات اللبنانية» إبان إحتجاجات 17 أكتوبر 2019، فهي أوعزتْ إلى وزرائها بالاستقالة من الحكومة، ونزل القواتيون إلى الشارع فاتهمهم رئيس الجمهورية وتياره بأنهم يقطعون الطرق ضد العهد، وانهم يركبون موجةَ الثوار.

سقطتْ الحكومةُ وافترقَ «التيار» و«القوات» جذرياً بعدما انكفأت «القوات» عن الدخول في الحكومتين المتتاليتين، إلى أن جاء إنفجارُ مرفأ بيروت (4 اغسطس 2020) فانكسرت الجَرّة بينهما نهائياً.

تَفاعَلَ الخلافُ منذ إنفجار المرفأ الذي سقط فيه لـ «القوات» ضحايا، فتحوّلت مآتمهم إلى مظهر إعتراضي ضد العهد والحكومة. وتوالت الإنقساماتُ إلى أن وقعت حادثة الطيونة - عين الرمانة (اكتوبر الماضي)، بين «القوات» وحركة «أمل» و«حزب الله».

شنّ رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل هجوماً شاملاً ضد القوات على غرار ما فعله «حزب الله»، وأعاد باسيل تذكيرها بإرتكابات الحرب السابقة. وإزداد الخلافُ حدةً مع قانون الإنتخاب الذي أيّدت القوات عدم تعديل بعض بنوده، ورفضتْ ما أراده باسيل في إقتراع المغتربين خارج لبنان.

لكن السجال السياسي شيء والإنتخابات النيابية والرئاسية لاحقاً شيء آخَر. وكل ما قيل سابقاً قابلٌ للإستثمار في الإنتخابات. هي وحدها المفصل الحقيقي للطرفين، وعلى أساسها إندلعت حربٌ على مواقع التواصل بين المُناصرين، أشبه بحرب التسعينات أي «حرب الإلغاء» لكن من دون أصوات المَدافع. وتطوّرت إلى خطب المرشحين من الطرفين وصولاً إلى قيادتهما أي رئيس حزب «القوات» سمير جعجع من جهة وباسيل من جهة ثانية، ومعهما بدأ فصل جديد من فصول المعركة على نحو أكثر وضوحاً وإثارة.

يخوض الطرفان معارك إنتخابية في غالبية الدوائر، لكن هناك دوائر بالنسبة إليهما أشدّ حماوة من الأخرى كونها تؤسس لحضورهما التنافسي على القاعدة المسيحية البحت. من دائرة الشمال الثالثة إلى كسروان وجبيل والمتن وبعبدا وجزين وزحلة وبيروت الأولى. معركتهما التنافسية على عدد الأصوات هي معركة كسر عظم تُعَزِّزُها حملاتٌ إنتخابية بلهجة حادة.

يشنّ «التيار» هجوماً مركّزاً على «القوات» بدءاً من إتهامها بأنها تحظى برعاية إقليمية وتحصل على دعم مالي في حملتها الإنتخابية. وجاء الإفطار الذي أقامه السفير السعودي وليد بخاري لشخصيات من حلفاء السعودية وحضره جعجع ليكون مناسبة لهجوم مركّز على «القوات». علماً أن باسيل كان لبى قبل أيام دعوة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله إلى إفطار مصالحة مع رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية.

رَفَعَ التيار هجومَه على القوات في مهرجان إطلاق الحملة الإنتخابية والمرشحين، حيث استُخدمت في الخطب تعابير وكلمات من زمن «حرب الإلغاء»، فأعاد «التيار»، الذي تحالف مع جعجع لإيصال عون إلى قصر بعبدا، التذكيرَ بما إرتكبه جعجع أيام الحرب.

وفي درس مفصّل للخطب خلال الأسابيع الأخيرة للمرشحين وباسيل، هجومٌ شخصي أكثر منه سياسي على جعجع، أكثر من أي شخصية أخرى من خصوم «التيار». فالصفات التي باتت تُستخدم على كل منصات التواصل والخطب مكتوبة بلغة واحدة. والهدف يبقى كسر إحتمال تفوق «القوات» في عدد المقاعد لأن الغاية التي تُبنى عليها معركة التيار هي تحقيق الزعامة المسيحية وتحديداً المارونية التي تخوّل رئيس «التيار» الحصول على كتلة مسيحية أولى في المجلس النيابي، وتالياً ان يكون المرشح الرئاسي الذي تدعمه أكبر كتلة مسيحية.

حاول باسيل في الأيام الأخيرة اللعب على وتر الحضور الشخصي في الدوائر التي يسعى إلى رفْع الحاصل الإنتخابي وتأكيد حضور «التيار» خصوصاً في مناطق الأطراف من عكار إلى البقاع الشمالي والغربي. وهو بذلك أراد تقديم مشهدية مختلفة عن إطلالات جعجع عبر الشاشات لمخاطبة محازبيه ومناصريه في الأقضية والدوائر نفسها. وتَقَدَّم بشكوى ادعى فيها تخطي «الكتائب» و«القوات» سقف الإنفاق الإنتخابي وحاول «التيار» الإشارة إلى رفع «القوات» حملة إعلانية، علماً ان صوره ولافتاته تملأ كل الدوائر الإنتخابية.

في مقابل حملة باسيل المركّزة على عرقلة «القوات» مشاريع الطاقة والكهرباء وعدم إنجاز وزرائها أي مشاريع، تقوم حملة جعجع على شقين: تفنيد إنجازات وزراء «القوات»، وسياسياً شنُّ هجوم مركّز على العهد وما وصلت إليه أحوال اللبنانيين، وتَراجُع مستوى رئاسة الجمهورية وإغراقها البلاد بعزلة عربية ودولية.

تسعى «القوات» إلى إختصار كل المعارضة عبر حملة مركّزة للتصويت فقط لمرشحيها على أساس ان «التصويت لشخص جيد ولكن لا يتمتع بقدرة تحقيق الأهداف هو صوت ضائع» كما يقول جعجع الذي يسعى إلى إبراز خصمين له: «حزب الله» و«التيار». مع الحزب إذ انه منذ حادثة عين الرمانة والأمور بينهما تتصاعد حدة، علماً أن مسارَ «القوات» والحزب لم يشهد خلال الأعوام القليلة الماضية ظروفاً سيئة. فلم ترفع القوات مثلاً شعارَ تحرير لبنان من الإحتلال الإيراني، رغم أنها تحاول تصوير نفسها مختزِلة لكل قوى ثورة الإستقلال. لكن مسارَ الحزب في تحديد أدوات معركته لتعزيز فرص فوز حلفائه، أعطى للمعركة بينهما بعداً جديداً. وتَعَزَّزَ ذلك مع ضغط الحزب لسحب المرشحين الشيعة من لائحة «القوات» في بعلبك - الهرمل.

في موازاة ذلك تصوّب «القوات» على العهد وأدائه وعلى «التيار الوطني» في سعيٍ إلى سحْبِ البساطِ المسيحي من تحت أقدامه. وتشكل المعركةُ النيابيةُ، كونها جواز مرور إلى رئاسة الجمهورية وإلى تزعم الكتلة المسيحية الأكبر عدداً، مفتاحَ الخلاف الأساسي بينهما. ولأجل ذلك تُستخدم فيها كل الأدوات السياسية. علماً أن جعجع يحاول تخفيف عوامل الإحتقان وعدم الإنسياق وراء مشاحنات على الإرض التي أصبحت خصبة لأي نوع من أنواع التوتر.

يريد «التيار» و«القوات» تحديد حجم قوتهما بنبش الحساسيات والخلافات السابقة بينهما، في انتظار الليل الطويل في 15 مايو حين ستُعلن النتائج. حينها سيكونان أمام استحقاق إعادة ضبط الشارع بعدما جرى بث الإحتقان فيه إلى الحد الأقصى.

 

 

جميع الحقوق محفوظة