الاثنين 03 مايو 2021

«رقص فوق الخطوط».. بين لبنان وإسرائيل

«رقص فوق الخطوط».. بين لبنان وإسرائيل

«رقص فوق الخطوط».. بين لبنان وإسرائيل

تحتضن بلدة الناقورة اللبنانية، أو «عاصمة» القوة الدولية العاملة في جنوب لبنان منذ سبعينات القرن الماضي، جولةً جديدة من المفاوضات اللبنانية – الإسرائيلية حول ترسيم الحدود البحرية، حيث المنطقة الإقتصادية الغنية بالنفط والغاز. الجولة الجديدة، التي تُعقد كالعادة تحت عَلَم الأمم المتحدة وفي «ديارها» وبمشاركة الوسيط الأميركي، تأتي غداً الثلاثاء بعد توقف قسري فرضتْه عملية «الرقص فوق الخطوط» في الإحتراب بخرائط الترسيم بين الجانبين. «الاتحاد الأوروبي» يعتزم السماح بدخول المسافرين الملقحين من دول أخرى منذ 42 دقائق المحكمة الدستورية السورية تقر 3 مرشحين لخوض انتخابات الرئاسة منذ ساعة وكان إعلان الولايات المتحدة رسمياً استئنافَ التفاوض بين لبنان وإسرائيل حول الحدود البحرية، في الرابع من الجاري، بعد توقفٍ لنحو خمسة أشهر، شكّل محطةً جديدة في مسار «ترطيب» العلاقات اللبنانية - الأميركية، التي ساهمت فيها إلى حد كبير زيارة مساعد زير الخارجية ديفيد هيل الأخيرة لبيروت، كما مسار «تهدئة» العاصفة اللبنانية ذات الأبعاد الداخلية حول الحدود البحرية. من المفيد بدايةً إستعادة هذا الملف من النقطة الأساسية التي تهمّ اللبنانيين، في موضوع الترسيم البحري، والتي لا تنحصر فحسب بالسيادة اللبنانية على البحر والبر والجو، إنما لأن الترسيم البحري يتعلّق في الدرجة الأولى بالتنقيب عن النفط والغاز، وما يمكن أن تساهم به هذه الثروة البحرية النفطية التي يسعى لبنان للمرة الأولى في تاريخه إلى إستخراجها. ومن هذه الزاوية يشغل هذا الملف بالَ اللبنانيين وخصوصاً في هذه المرحلة الإقتصادية السوداء في تاريخهم، مع بقاء الهواجس المتعلّقة بإحتمالات دخول الفساد إليه، وهو الأمر نفسه الذي تخشاه الدول المعنية بمساعدة لبنان عادةً، وكذلك صندوق النقد الدولي. أما النقطة الثانية فهي سياسية، لأن التفاوضَ حول النقاط البحرية بين لبنان وإسرائيل بوجودٍ أميركي وأممي، أي عبر ممثل الأمم المتحدة، يبقى في الإطار التقني البحت، لكنه يصبح متشعّباً كما في كل مفاوضات ترسيم حدود بين دولتين صديقتين أو عدوّتين، كما هي حال لبنان اليوم مع سورية (بعدما فُتح ملف ترسيم الحدود البحرية الشمالية أيضاً وسُحب من التداول سريعاً) وإسرائيل. علماً أن العودة غداً الثلاثاء إلى الطاولة، بعدما عُقدت فقط أربع جلسات تَفاوُض غير مباشرة، تحتاج إلى كثير من الإيضاحات حول إذا كانت ستُستكمل من حيث إنتهت متعثّرةً، أم أن هناك طروحات جديدة سيقدّمها الوفدان، أو تقترحها واشنطن عبر موفدها السفير جون ديروشيه لتسريع التفاوض، مع الإشارة إلى أن موقف الولايات المتحدة كان رافضاً كلياً للمرسوم الذي أريد إصداره وفق ما عرَضَه الجيش من توسيع حدود لبنان البحرية، وحذّر من مغبة السير به. سياسياَ، لا تشبه جولة التفاوض الجديدة المرتقبة الجولات السابقة، التي عُقدت أواخر العام الماضي، رغم ما حصدتْه من ضجة إعلامية وسياسية. لأن الإستئناف اليوم يأتي بعد عاصفة لبنانية داخلية، أدى تدخل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في اللحظات الأخيرة إلى وأدها، لأسباب «دستورية وقانونية» بحسب الرئاسة، وسياسية تتعلّق بالعلاقة مع واشنطن، بحسب ما بدأ يظهر من تسلسل الأحداث وتليين المواقف بين بيروت وواشنطن. فملف التنقيب عن النفط والترسيم البحري كان حمله لأعوام طويلة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو الذي فاوَضَ حوله الأميركيين حتى وصل الى خواتيمه بإعلان التفاوض غير المباشر بين وفديْ لبنان وإسرائيل في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، وسط خشية حينها أن يكون من ضمن عمليات ترتيب التطبيع بين إسرائيل ودول المنطقة، قبل أن يحسم لبنان رسمياً وسياسياً رفْض أي تطبيع مع إسرائيل ويتشدّد حتى في شكل التفاوض ووضعية جلوس الوفديْن وعدم السماح بأي اتصال مباشر بينهما. وقد حصر التفاوض بالشق العسكري - التقني بعد محاولاتٍ من جانب رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير السابق جبران باسيل لإدخال عناصر سياسية إلى الوفد وهو الأمر الذي رفضه «حزب الله» وبري معاً. مع العلم أن باسيل (صهر الرئيس عون) تولى إدارة ملف النفط والتنقيب عنه لأعوام خلال تسلُّمه مهمات وزارة الطاقة وقد إستثمره إلى الحد الأقصى آنذاك، إعلامياً وسياسياً في الترويج لثروة لبنان النفطية. مع انتقال الملف إلى عهدة عون، كان الوفد العسكري ملتزماً تعليماته في شأن التفاوض وتحديد النقاط التي على لبنان التمسك بها. لكن المراوحة التي حصلت وثبات الوفد اللبناني على مواقفه تجاه الرفض الإسرائيلي لإعطاء لبنان حقه في النقاط المتنازَع عليها، أدى إلى «تعليق التفاوض»، فلم تُعقد الجولة التي كانت مقررة في بداية هذه السنة. ومن هنا أهمية العودة اليوم إلى الناقورة حيث تلتئم جولة التفاوض الجديدة في ظل إعادة رسم مشهد سياسي داخلي وخارجي مختلف. شكلت زيارة هيل الأخيرة له كموفد ديبلوماسي، أول خطوة في إعادة تطبيع العلاقة بين الإدارة الأميركية الجديدة والعهد. فالمفاوضات التي تتم برعاية أميركية مباشرة، والأمم المتحدة، توقّفتْ تَزامُناً مع مرحلة إنتخاب الرئيس الأميركي جو بايدن، وقبل تسلُّمه مهماته رسمياً وشروع إدارته الجديدة في التعاطي مع الأزمات المطروحة. كما أتى تعليقها بعد إقرار الإدارة الأميركية السابقة فرْض عقوبات على باسيل. والواقع أن الإدارة الجديدة لم تتخذ أي قرارٍ مُعاكِسٍ في حق باسيل، الذي لم يلتقه هيل خلال زيارته لبيروت، لكنه اجتمع بثلاث شخصيات قريبة منه ومن العهد. ورغم أن هيل يخرج من إشرافه على الملف اللبناني من ضمن مهماته في الإدارة السابقة، فإن زيارته أسفرت عن «مسايرة» لبنانية رسمية فائقة في تزخيم ملف الحدود البحرية، رأت فيها دوائر على صلة بما يجري محاولة من عون وحلفائه لكسب الوقت ولتجنب رئيس الجمهورية إظهار نفسه كـ«معادي للأميركيين». ففي الوقت الضائع بين توقُّف المفاوضات وبين محاولات معاودة مدّ الجسور مع واشنطن، دخل الجيش اللبناني على خط البحث في نقاط جديدة يمكن طرْحها على الطاولة، للتفاوض على مساحة جديدة يثبت الإختصاصيون التقنيون أن لبنان يحقّ له بها. وبعد البلبلة التي جرت حول المساحة الجديدة وكيفية التعامل معها قانونياً في ظل حكومة تصريف الأعمال، جرت محاولاتٌ لتوقيع المرسوم الذي يُفترض إرسال إخبار به إلى الأمم المتحدة لتأكيد حق لبنان. وحينها وَقَعَتْ الواقعة: الجيش الخاضع للسلطة السياسية، إعتقد أنه حقق إنجازاً لضم مساحة جديدة بحراً إلى لبنان، ورئاسة الجمهورية إعتبرت أن التوقيت غير مُناسِب لزيادة العقد حول التفاوض، في حين وَقَفَ بري متفرّجاً. لكن في السياسة صبّ عدم توقيع رئيس الجمهورية المرسوم، لمصلحة توجيه رسالة حُسن نية إلى واشنطن. إذ أن لجوء عون إلى سحبه له من التداول، فَتَحَ ثغرةً في اتجاه استئناف التفاوض. وإستكمالاً لهذا المنحى عاد باسيل مجدداً ليقترح تشكيل وفد سياسي - عسكري للتفاوض ما أثار رفضاً كلياً متجدداً من بري و«حزب الله». وبهذا يكون أراد أن يحقق أكثر من هدف، إبعاد الجيش عن الواجهة في التفاوض، وجعل التفاوض حصرياً في يد رئيس الجمهورية تقنياً وسياسياً، ووَضَعَ واشنطن بصورة تسهيله عملية التفاوض، في ظل إدارة بايدن وفريقه الجديد الذي سيتولى متابعة ملف لبنان. وقد ظهر باسيل من موسكو، واضحاً في محاولة القبض على هذا الملف، ولو مع التشدّد في سقف رفْض التنازل عن حقوق لبنان النفطية مقابل ما تسعى إسرائيل إلى الحصول عليه. لكن العِبرة تبقى في ما تريده القوى السياسية وأوّلها «حزب الله» في تحديد حجم ما يمكن الإتفاق عليه من خلال عملية التفاوض، وما يمكن أن تقدمه واشنطن لتحريك عجلته فلا يصطدم لبنان بردود اسرائيل وتبقى الجلسة الجديدة يتيمة، لأن القضية أصبحت أكبر من مجرد تَفاوُض على النفط. 

جميع الحقوق محفوظة