السبت 24 أكتوبر 2020

هل تضرب مصر «سد النهضة» الأثيوبي؟

هل تضرب مصر «سد النهضة» الأثيوبي؟

هل تضرب مصر «سد النهضة» الأثيوبي؟

الأمن المائي مسألة شديدة الحساسية في مصر، لا سيما عندما شرعت أثيوبيا في ملء سد النهضة، بشكل أحادي، ما يثير تبعات على نصيب القاهرة من مياه النيل، لا سيما أنه في يوليو 2019 انخفض إيراد مصر من النيل بمقدار 5 مليارات متر مكعب من أصل 55.5 مليار متر مكعب حصتها من النهر.  وإن كانت القاهرة استطاعت تعويض المليارات الخمسة من المخزون الاستراتيجي لبحيرة ناصر، إلا أن أي نقص جديد في حصتها مع استمرار اثيوبيا في إجراءاتها الأحادية قد يدفع القاهرة إلى الخيار العسكري الصعب الذي لا تريده وتتجنب الحديث فيه حتى اليوم.

ويرى مراقبون أن القاهرة أخطرت الولايات المتحدة في الكواليس بهذا الخيار بعد تعنت أثيوبيا ورفضها توقيع اتفاق رعته واشنطن. فتقليص حصة مصر وحرمان الشعب المصري كي تبيع أديس أبابا الكهرباء سيدفع القاهرة حكماً للحفاظ على أمنها المائي القومي.

ويبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب صدّر هذا الخيار إلى المشهد العام، الجمعة، في اتصاله برئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك خلال الاعلان عن بدء محادثات التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب، ربما للضغط على اثيوبيا للامتثال وتوقيع اتفاق قبل الانتخابات الأميركية بما يحسب إنجازاً لإدارته ويعطيه دفعاً في الانتخابات. فقد حذّر ترامب من خطورة الوضع، مشيرا إلى أن «الأمر قد ينتهي بقيام المصريين بتفجير السد». وقال مخاطبا حمدوك إن الاثيوبيين «توصلوا إلى اتفاق حول السد، لكنهم خرقوا الاتفاق ولا يمكنهم أن يفعلوا ذلك».  مضيفاً: «الوضع خطير جدا، ومصر لا تستطيع أن تستمر على هذا الحال، وسينتهي المطاف إلى نسف السد».

ولفت ترامب إلى أن بلاده قطعت أموالا عن الاثيوبيين تصل إلى 130 مليون دولار إثر رفضهم توقيع الاتفاق. وقال: «لن يروا تلك الأموال أبدا ما لم يلتزموا بالاتفاق.. لا يمكن لوم مصر».

وإثر جولات من المفاوضات جرت في واشنطن، أعلنت الإدارة الأميركية، في فبراير الماضي، التوصل إلى اتفاق حول آلية عمل السد. وبينما وقعت القاهرة الاتفاق بالأحرف الأولى، قالت واشنطن إن أديس أبابا امتنعت عن حضور الجولة الأخيرة من المفاوضات التي كانت مخصصة للتوقيع. في اتهمت اثيوبيا واشنطن بالانحياز إلى مصر.

وتساءل مراقبون حول ما إذا كان حديث ترامب الجمعة يعطي ضوءاً أخضراً أميركياً لمصر للتحرك عسكرياً، لا سيما أن تحذيره لم يأت من فراغ، وما قاله في العلن يتداوله المصريون منذ فترة، لا سيما مع تعثر جولات المفاوضات الأخيرة، ما دفع بالقاهرة إلى اللجوء إلى مجلس الأمن للشكوى على أمل الحصول على شرعية دولية تدعم حقوقها وموقفها.

كما أن حجج اديس أبابا غير مقنعة، وهي تحصل على حصتها كاملة من مياه النيل. وهناك حقائق حول حجم الاستفادة الاثيوبية من مياه النيل ولا تعاني من أزمة مياه إذ إن عدد أحواض الأنهار في اثيوبيا تسعة بكل حوض عشرات الأنهار مقابل نهر وحيد بلا روافد أو فروع في مصر، وبحيرة تانا في اثيوبيا التي ينبع منها النيل الأزرق بها مياه تستأثر بها اثيوبيا وحدها تزيد على حصة مصر من المياه». واثيوبيا بها خزان سد تاكيزي أحد روافد عطبرة النيل يضم 10 مليارات متر مكعب تستفيد منها اثيوبيا، وعدد السدود المقامة على الأنهار والبحيرات في اثيوبيا 12 سداً، بالإضافة إلى سدها الأخير أي 13 سداً مقابل سد وحيد في مصر.

وفي حال اكتمال سد النهضة ستحرم مصر من نحو 15 مليار متر مكعب من المياه سنوياً وربما أكثر. ومن هنا برز تأكيد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في أكثر من محفل بأنه لن يتم تشغيل سد النهضة بفرض الأمر الواقع، لأن مصر ليس لها مصدر آخر للمياه سوى نهر النيل.

آخر الدواء الكي؟

وفقاً لمحللين مصريين، فإن القاهرة اتخذت مسار التفاوض للوصول إلى ضرب سد النهضة كخطوة نهائية أخيرة، لأن مبدأ وجوده يهدد الأمن القومي المصري، فقد أعلنت في البداية اتفاق المبادئ ودخلت في محادثات لتفادي أي صدام أو أي إدانة دولية لها وهي تتصرف وفقاً للقانون الدولي.  كما أنه لو حصل بناء السد بصورة طبيعية ونتيجة تفاوض جاد، لكان الامر اسهل، لكن أديس ابابا استغلت الفراغ السياسي عقب ثورة 2011، وقامت بخطوات أحادية تصنف في خانة العمل العدائي. لكن مع وصول الرئيس السيسي دفع باتجاه تصحيح المسار، ولجأ إلى الشرعية الدولية في 2014 لوقف تمويل السد إلى حين التوصل إلى اتفاق، غير أن اثيوبيا استمرت بالعمل.

واتفاق اعلان المبادئ لم يكن اتفاقاً نهائياً لتقاسم الحصص، وهو لا يحدد أي إطار قانوني، وتم وضعه عندما ذهبت أديس ابابا في مسار أحادي، ويتألف من عشرة بنود، تسعة منها تلزم أديس ابابا والعاشر فقط يلزم مصر والسودان، بحسب محللين، وأثيوبيا انتهكت البنود التسعة وبدأت في ملء السد من دون أي اتفاق. وبحسب الخبراء، فإن القاهرة اليوم في وضع لا تحسد عليه، وفي زاوية لا تستطيع فيها المناورة أو المساومة وتقديم المزيد من التنازلات، فحصتها من النيل البالغة 55.5 مليار متر مكعب تريدها كاملة وتسعى إلى زيادتها، وفي حال العكس فإن القاهرة حكماً ستضرب السد، لا سيما مع النمو السكاني المطرد والتصحر جراء الذي قد يتفاقم بحلول 2060 إذا لم يتم التحرك العاجل اليوم لضمان مستقبل الأجيال القادمة.

أديس أبابا: لن نرضخ

في المقابل، تعهدت اثيوبيا بـ«عدم الرضوخ لأي نوع من الاعتداءات» بعد حديث ترامب واستدعت السفير الأميركي لديها. ودافع مكتب رئيس الوزراء أبي أحمد عن سد النهضة، وقال إن اثيوبيا تعمل على حل المشكلات القائمة. وقال «مع ذلك، ما زالت التصريحات بتهديدات حربية لإخضاع اثيوبيا لشروط غير عادلة كثيرة. هذه التهديدات والإهانات للسيادة الاثيوبية هي انتهاكات واضحة للقانون الدولي». ونشرت نسخة منفصلة من البيان باللغة الأمهرية بلهجة أكثر حدة، وجاء فيها «هناك حقيقتان، الأولى أنه لن يعيش أحد بسلام بعد استفزاز اثيوبيا».

ودخل الاتحاد الأوروبي على الأزمة، وقال المفوض الأعلى للشؤون الخارجية والأمن بالاتحاد جوزيب بوريل إن أكثر من 250 ألف شخص يقيمون في حوض النيل الأزرق قد يستفيدون من اتفاق محتمل يعتمد على توافق بشأن ملء سد النهضة، موضحاً أنه «بات بإمكان مصر والسودان واثيوبيا بلوغ اتفاق، والآن هو وقت للتصرف وليس لزيادة التوترات»، معرباً عن الدعم الأوروبي الكامل لجهود الاتحاد الأفريقي لدفع الأطراف إلى حل تفاوضي. 

 

5 مبررات قد تدفع مصر للخيار العسكري

رغم أن القاهرة تتريث في استخدام الخيار العسكري ضد سد النهضة وتضعه في آخر الخيارات المتاحة، فإن عدة مبررات تجعلها تفكر في استخدام هذا الخيار:

 

1 - انخفاض حصة مصر عن 55 مليار متر مكعب، وهو أمر وارد جراء التغير المناخي.

2 - عجز المخزون الاستراتيجي لبحيرة ناصر عن سد أي نقص مع استمرار أثيوبيا بإجراءاتها.

3 - عدم توقيع أثيوبيا لاتفاق نهائي يضمن الحصص، أو التعهد بعدم ملء السد اوقات الجفاف.

4 - الحصول على ضوء أخضر دولي مبني على أساس انتهاك أثيوبيا للقوانين الدولية.

5 - توجيه انتباه المجتمع الدولي نحو النزاع وفرضه على جدول أعمال الرئيس الأميركي.

  •  

جميع الحقوق محفوظة