الثلاثاء 12 يونيو 2018

هدف السميط الأكبر كان إنقاذ المسلمين في أفريقيا

هدف السميط الأكبر كان إنقاذ المسلمين في أفريقيا

هدف السميط الأكبر كان إنقاذ المسلمين في أفريقيا

حرم المرحوم الدكتور عبدالرحمن السميط، نورية محمد الخشرم، أم صهيب، تقص علينا رحلة زوجها السميط، والغريب في لقائنا معها، أننا وجدنا أنها تعلم تفاصيل شخصيته ومنذ نعومة أظافره، وهذا يدل على قوة العلاقة بينهما، وكيف حكى لها عن طفولته وشغفه في الحياة، فهي كانت صديقته ورفيقة دربه التي اختارها الله لتكون معيناً له في رحلته، وحافظة لميراثه وتراثه الخيري بعد وفاته. أم صهيب تسرد لـ القبس قصة رجل فعل في قارة أفريقيا ما لم يفعله مسلم قبله، وتسلح فقط بعزيمة نسى معها أي أدوار أخرى، كالزوج والأب، فقد وهب نفسه لأفريقيا ولعمل الخير، معتمداً على زوجته أن تقوم بكل الأدوار في البيت. نستمع منها ونتعرف على تفاصيل نعرفها للمرة الأولى عن د. عبدالرحمن السميط. عن طفولة دكتور السميط والتي علمت عنها منه شخصياً بعد زواجهما أنه كان محب للمسجد منذ نعومة أظافره فتقول: «لقد تربى تربية ربانية، وهداه الله للمساجد منذ نعومة أظافره، حيث كان يذهب للمسجد وهو في عمر ست سنوات، وكان لديه حرص على استمرارية الصلاة في المسجد حتى صلاة الفجر، وعندما رأي أهله حرصه وتدينه فرحوا بالتزامه، وشجعوا فيه ذلك». حب القراءة عرف السميط القراءة في السنة الثانية من المرحلة الابتدائية وبدأ شغفه وولعه بعالم القراءة، فكان عندما يأخذه والده للسوق، أو لزيارة مريض كان طوال الطريق يلتقط قصاصات الورق من الشارع، فيبدأ يقرأ فيها، أو يأخذ المجلات والكتب الملقاة ويقرأ فيها، هناك ثلاثة أشياء أسست هذا الإنسان، أولها الرعاية الربانية، ثانياً حبه للقراءة، وثالثاً أنه نشأ مع الكشافة في المرحلة المتوسطة، وكان يغيب عن أهله في رحلاتهم البرية، وعلمته الكشافة الجلد والصبر، وتحمل المشقة، والروح القيادية. انتقل الطالب السميط للمرحلة الثانوية، وكان في سكن داخلي في مدرسة ثانوية الشويخ، وهذا السكن كان موجوداً من قبل في الكويت للأولاد فقط، وفي هذه الفترة في الستينيات كان الشباب ضائعاً، وقلة من الشباب هم الصالحون، وحتى المساجد لم يكن هناك شباب كثر بين المصلين، ولكن الحمد لله التقى السميط بصحبة طيبة، وصاحبهم في تلك المرحلة من حياته، وكان من صلاحهم أنهم عندما رأوا عمال الشوارع يعملون ويسيرون في حر الكويت، فكروا في عمل خيري واشتروا سيارة صغيرة لينقلوا بها العمال إلى عملهم، ثم يرجعوهم بعد انتهاء عملهم. وكان هذا بداية حبه للعمل الخيري. وفي المرحلة الجامعية، قرر السميط دراسة الطب وفي بغداد، حيث كانت ذائعة الصيت بأن الدراسة فيها صعبة، وتحدى من حوله في الذهاب والنجاح فيها، فتحول همه من النجاح إلى الدعوة، فكان عنده صحبة طيبة يقرأ معهم كتاب «رياض الصالحين»، وكان راتبه حينها 40 ديناراً كويتياً، وكان ينفق ثلث الراتب على شراء الكتب، وكان يقرأ الكتب أو يوزعها، وينفق الثلث الثاني على مساعدة المحتاجين، والجزء الثالث من راتبه كان لوجبته ومصروفه الشخصي، وكان يأكل وجبة رئيسية في اليوم لا تزيد تكلفتها على مئة فلس. الدراسة في الخارج تواصل أم صهيب سرد قصة السميط، فتقول: بعد أن أنهى دراسته الجامعية اشتغل في مستشفى الصباح، وكان من أوائل الأطباء الكويتيين، وبعد نحو عام ونصف العام من بداية عمله تزوجنا، ثم سافرنا إلى بريطانيا لمدة 6 أشهر للدراسة، وتخصص في طب المناطق الحارة، وبعدها ذهبنا إلى كندا لمدة أربعة أعوام للدراسة، ثم عدنا إلى بريطانيا نحو عامين ونصف العام، أي أننا قضينا نحو سبع سنوات خارج الكويت لاستكمال دراساته العليا. وأثناء تلك السنوات كان همه الأول هو الدعوة أكثر من الدراسة، فكان يجمع المغتربين العرب الذين فقدوا هويتهم وذابوا مع حضارة الغرب، ويرجعهم إلى دينهم، وتبرع أحد الأخوة في ذلك الوقت ببناء مسجد، فكانت لقاءاته ودعوته في المسجد، وكان دائماً يتحدث عن أحوال المسلمين في العالم خلال جميع لقاءاته سواء في بريطانيا أو كندا، ويحث العرب المغتربين على إنقاذ المسلمين حول العالم من الفقر والجهل والمرض. العودة إلى الكويت تقول أم صهيب: عندما قررنا العودة إلى الكويت، تحدثت إلى عبدالرحمن وقلت له هل من المعقول بعد هذه الحياة التي عشناها في مجال الدعوة خارج الكويت، فحياتنا كانت للآخرين، وهمنا إسعاد الآخرين، أن نعود إلى الكويت ولأهلنا وننسى هذا الدور الذي كنا نقوم به في الغربة؟ وكنت متضايقة لأن نمط حياتنا سيتغير بعودتنا، فأنا لم أتعود على الراحة. التقينا مع مسلمين من شرق آسيا، ورغم أن دراستي المحاسبة، فإنني حرصت على أن يكون لي سهم في توعيتهم بالدين وأعطيت محاضرات لهم في مجال الدعوة، فكنا نسافر لهم مسافات طويلة، وكان حبهم لمعرفة دينهم كان أكبر تشجيع لي على الاستمرار. وعندما عدنا إلى الكويت أبلغت زوجي بأمنيتي أن نسافر ونستقر في شرق آسيا، ونعلّم المسلمين هناك، أنا أدرسهم وأنت تكون داعية لهم وتعرفهم دينهم الصحيح. وعدنا إلى الكويت وتسلم عمله، ولكن كان هناك فتور في الهمة، فليس هذا مبتغاه، فذهب إلى وزارة الأوقاف وقابل الوزير طالباً منه أن يقدم له مساعدات مالية لرحلاته لأفريقيا، كان يريد أن يتفقد أحوال المسلمين هناك، ولكن رفض الوزير فكرته ومساعدته، فتركه السميط قائلاً إن شاء الله سيفتح الله لي أبواب أخرى. مساعدة السماء بعد رفض وزير الأوقاف، جاءت مساعدة السماء من خلال محسنة كويتية ظلت لسنوات طويلة ترفض ذكر اسمها، ولكنه عُرف اسمها بعد ذلك، وسأذكره الآن، وهي المحسنة الفاضلة أم علي جابر الأحمد، زوجة أمير الكويت الراحل، رحمة الله عليه، وكانت ترغب في بناء مسجد في الكويت، فأقترح عليها أحد الأشخاص، وكان صديق للسميط، أن تدعم السميط في رحلته لأفريقيا، وحدث بالفعل، وكانت أول رحلة للسميط وفريقه المكون من خمسة أشخاص إلى مالاوي. كانت معلومات السميط قبل أن يذهب إلى مالاوي أن نسبة المسلمين فيها قبل مئة عام هي %67، وعندما ذهب إليها أي قبل 35 عاماً وجد نسبه المسلمين فيها كانت %12! وذلك نتيجة الاستعمار والتبشير، وشاهد المسلمين تحت خط الفقر، ويطلق عليهم الشعب المتخلف، وعندما ذهب إلى الجامعة هناك لم يجد أي طالب مسلم، مما يعني أن المسلمين ليست لديهم القدرة ليدخلوا الجامعة، رغم أن رسومها كانت شيئاً زهيداً. ولكن ما صدمه حقاً عندما ذهب لقرى المسلمين ليتفقد احوالهم عن قرب، حيث فوجئ أنه وقت الصلاة عندما ناداهم للصلاة، أخبروه بأنهم لا يصلون، فقد كانوا يصلون سابقاً، في مسجد من القش، وجاءت بقرة وأكلت القش، فلم يعد عندهم مسجد، ومن جهلهم تخيلوا أن المسجد مرتبط فقط بمحيط هذا المكان، ولم يعلموا أن أرض الله كلها طهور وكلها صالحة للصلاة، وعندما ذهب لقرية أخرى رفض إمام مسجدها أن يصلي في وجود ضيوف من مكة والمدينة – ويقصد السميط وأصحابه – قائلاً لهم «أنا حتى الفاتحة لا أحفظها»، فهو فقط يكبر تكبيرات في الصلاة! وهذا أغضب السميط جداً، وفي ذات الوقت وجد أن الكنائس منتشرة بشكل غير طبيعي، وسجل كل ذلك بصور فوتغرافية، بحيث تكون شاهدة على حال المسلمين في أفريقيا. عندما عاد إلى الكويت كان كل همة إنقاذ المسلمين في مالاوي، فبدأ من الصفر، وأكثر زياراته للدواوين ليعرض عليهم صور أحوال المسلمين، وساعده مجموعة من الشباب، وساعدته جمعية النجاة الخيرية بمنحه غرفة كمقر لنشاطه، ورغم أنه لم تكن لديه أي إمكانات مادية أو بشرية، ولكن كان عنده يقين أن الله سبحانه وتعالى سينصره. وبدأ العمل في التطور شيئاً فشيئاً، ويجمع التبرعات، وزار مرة ثانية مالاوي، وتم بناء مسجد الذي تبرعت به المحسنة أم علي جابر الصباح، ثم بنوا مركزاً إسلامياً للأيتام، وفيها مدرسة وسكن للأطفال. إطلاق لجنة مسلمي أفريقيا أطلق السميط على عمله الخيري اسم «لجنة مسلمي مالاوي»، ولكن بعد ذلك بعامين قرر زيارة الدول المحيطة بمالاوي، مثل موزمبيق وغيرها، فشاهد حال المسلمين أكثر سوءاً، فقرر أن يسمي اللجنة «لجنة مسلمي أفريقيا»، وبدأ يتوسع في بناء المدارس وحفر الآبار، ورعاية الأيتام. كان هدف السميط الأكبر هو إنقاذ المسلمين في أفريقيا من الفقر والجهل والمرض، وكان صادق في نيته لوجه الله سبحانه وتعالي، فمن الله عليه أن يريه نجاح عمله في حياته، فكان ثلاثة أرباع العام يقضيه في أفريقيا. الحياة الأسرية عمل السميط المنهك والمتطلب لإقامته لفترات طويلة في أفريقيا كان يمنعه من الوجود مع أسرته في الكويت، فكيف تكيفت زوجته أم صهيب مع ذلك؟ تجيب: لم أكن أمانع أو أشتكي من غيابه، ولكن لاحظت أنه عندما ينقطع لمدة طويلة مثل ثلاثة أشهر، ويعود لأطفاله، كانوا لا يشعرون تجاهه بعاطفة البنوة، لأنهم لم يعتادوا عليه، فأقترحت عليه أن نذهب له لأفريقيا من شهرين لثلاثة أشهر في العام، وأن يعيش أبناؤه الحياة التي يعيشها، وقلت له: أنت قدوتهم، ولا بد أن يتعلموا هذا العمل الذي تقوم به، وفي الوقت نفسه ترى أبناءك وتتعرف عليهم. أخذت أم صهيب أطفالها إلى ميدان معركة والدهم مع الفقر والمرض في أفريقيا متسلحة بالأدوية والتطعيمات ضد المالاريا، تقول: ذهبنا زيارات خلال أربع سنوات لمالاوي وكنا نقيم في المركز الإسلامي الذي تم بناؤه، ثم بنى لنا بيتاً بسيطاً جداً نفس البيوت هناك، حتى أن الجدران لم تكن مصبوغة، وعلى الرغم من بساطة تلك الحياة وشظف العيش فيها، فإني كنت أشعر أنها أفضل من السفر إلى أوروبا والفنادق الفخمة. لم يكن لأبي صهيب دور كبير في البيت، بل كان الحمل ملقى على زوجته أم صهيب، فتقول: كان لدينا ثلاث بنات وولدان، ومهما كنت أتعرض لمشاكل أو مصاعب كنت أحرص الا أخبره أي شيء عندما يعود لنا من سفره، وأقول يكفيه ما يحمله من هموم ومشاكل المسلمين في أفريقيا، لكن في مرحلة المراهقة لأولادي والفترة التي يتواجد فيها في الكويت، كنت أطلب منه أن يعود مبكراً من الدواوين التي يزورها، حتى يتسنى له ولأولاده وقت أطول يتحدثون ويتعارفون أكثر ويتعلمون من والدهم سيرته ويقتدون به. الزوجة الرفيقة متى زعلت أم صهيب من زوجها الدكتور السميط، كحال كل الزوجات، سألناها، فأجابت: لم أزعل منه، لكن مرت عليه فترة تفرغ فيها لتأسيس مركز دراسات العمل الخيري، لأني كنت أريد أن يظل على عمله مع أصحابه ومجلس الإدارة في الجمعية، ويتعاون معهم في إدارة الجمعية، واستمر على دراساته وبحوثه لمدة خمس سنوات. لم تكن أم صهيب الزوجة والأم في المنزل فقط، بل كانت متابعة لكل تفاصيل العمل الخيري، وبفنياته الإدارية، وتشارك زوجها في كل صغيرة وكبيرة، فتقول: حدث موقف ورواه العم أحمد الجاسر، الوزير السابق، وكان في هذا الوقت رئيس مجلس إدارة جمعية العون المباشر، وحدث خلاف بين أبي صهيب ومجلس الإدارة، وكان مصراً إلا يحضر اجتماعهم، فجاء لي وأنا أعلم أن لديه اجتماعا ولا يريد حضوره، فحاولت أنصحه، وقلت له هذا ليس أسلوبك، وهم يحتاجون إليك وأنت تحتاج إليهم، وحاولت بهذا الكلام الطيب أن أغير من موقفه، وسبحان الله استجاب وذهب إلى الاجتماع، فلما أقبل على أحمد الجاسر، سأله لماذا غير رأيه، فأجابه السميط، أم صهيب لم تتركني وأقنعتني بالحضور. وللآن تحرص أم صهيب على زيارة مشاريع لجنة العون المباشر في الدول الافريقية مع ابنها د. عبدالله السميط وتقول: أسافر تبعاً لجدول ابني، لأتابع مشاريع الدكتور السميط واللجنة، لكني أود أن أسافر كل شهر، لكن لا أستطيع لوضع ابني عبد الله، ولا أحب أن أذهب إلى أي بلد للسياحة، أريد أن اذهب إلى أفريقيا، وأتابع أرث السميط الخيري. من الرفض إلى الاحتضان والدعم تعرض السميط في بداية عمله في أفريقيا لرفض من بعض الحكومات أو الجماعات المناهضة للدعوة الإسلامية، ولكن أعماله وحدها أسكتت كل الأصوات ضده، وتحول رفضهم له لاحتضان ودعم. شخصية السميط في العمل تحكي أم صهيب عن السميط أنه كان إذا عزم على مشروع ما كان يخطط في صمت، فتقول: كان يدرس ويخطط ويعمل في صمت، حتى ينفذ مشروعه، لم يكن محباً للكلام بقدر الفعل. واكسبه التعامل في أفريقيا قدرة على الصبر بشكل كبير، ورغم شدته التي كان معروفا بها في بداية حياته، فإن العمل في أفريقيا أثر على طباعه فجعله أكثر صبراً وألين طبعًا. الدعم الأميري كان الامير الراحل الشيخ جابر، من أكبر الداعمين للدكتور السميط، فكان يدعمه مادياً ومعنوياً ويشجعه على مشاريعه في افريقيا، فتقول أم صهيب: كان الأمير يتقبل زيارته في أي وقت، ويعرض عليه أخبار مسلمي أفريقيا والمشروعات الجديدة، وسافر الشيخ جابر لزيارة تلك المشروعات في أفريقيا، وكانت الطائرات الكويتية العسكرية التي تحمل المواد والمؤون لدول أفريقيا من أهم مظاهر الدعم للسميط في تلك الفترة. فترة الغزو عندما وقع الغزو العراقي على الكويت، ارتفعت الأيدي في كل مشاريع الكويت الخيرية في أفريقيا بالدعاء للكويت، وقد تم اعتقال الدكتور السميط 26 يوما في الكويت من قبل الجنود العراقيين، وبعد أن أطلق سراحه ذهب للسعودية، وكان من الشخصيات الكويتية التي تم اختيارها لشرح قضية الكويت حول العالم، وخصص السميط للدول الأفريقية، وكسب تعاطف تلك الدول لجانب الكويت في أزمتها. جامعة الأمة ظل الدكتور السميط يفكر في إنشاء جامعة الأمة في كينيا لمدة خمس سنوات، تخطى خلالها عدة عقبات من بينها ترخيص بناء الجامعة من الحكومة الكينية، وجمع تبرعات لها، وجاءت الموافقة وتم بناؤها وافتتاحها في مرضه، وافتتحها كبار المسؤولين في الكويت، والسعودية، ونائب رئيس الجمهورية الكينية، تقول أم صهيب: «ذهبت لزيارة الجامعة بعد افتتاحها بستة أشهر، وكانت معي طالبة تشرح لي مباني الجامعة، وأثناء سيرنا كنت أبكي، وهي تقولي لي لماذا تبكين، الا تعلمين ماذا ترك زوجك، هذه المباني طلاب وطالبات غالبيتهم حفظة قرآن، فماذا تريدين أفضل من ذلك؟».

جميع الحقوق محفوظة