الجمعة 06 أبريل 2018

مصر: مفاوضات سد النهضة.. «حياة أو موت»

مصر: مفاوضات سد النهضة.. «حياة أو موت»

مصر: مفاوضات سد النهضة.. «حياة أو موت»

العد التنازلي للبدء في خطوات تخزين المياه وراء سد النهضة الاثيوبي يوشك على الانطلاق، مع اقتراب موسم الفيضان في مايو القادم. وقد أصبح جسم السد جاهزا لتخزين ٧٤ مليار متر مكعب من المياه على مدى ثلاث سنوات متتالية، وهو ما تخشاه مصر بشدة خوفا من تعرضها للجفاف وتوقف الكثير من منشآتها على النيل، وخاصة السد العالى ومحطات توليد الكهرباء على النهر، ولذلك تطالب القاهرة بمد فترة التخزين إلى سبع سنوات، وتقليل ارتفاع السد ضمن مطالب أخرى هي محل الجولة الأخطر والاهم من مفاوضات سد النهضة التي بدأت أمس في العاصمة السودانية الخرطوم. وتقديرا لخطورة الموقف تشارك كل من مصر والسودان بوفد ثلاثي، يضم وزراء الخارجية والري ومديري المخابرات العامة في الدول الثلاث في المفاوضات التي ترعاها الخرطوم، تجنبا لأي سوء فهم كما حدث في الجولات التفاوضية السابقة. وكانت تقارير واتهامات اثيوبية لمصر حول دعم فصائل سياسية متمردة وتظاهرات قبائل «الاورومو» واتهامات سودانية لمصر حول دعم فصائل معارضة بالسلاح، ودعم حكومة جنوب السودان ضد السودان، قد تسببت في تعطيل جولات التفاوض السابقة مع انفجار حرب إعلامية بين القاهرة والخرطوم، ولكن زيارة الرئيس السوداني عمر البشير الى القاهرة الشهر الماضي والاستقبال الحافل الذي حظي به، وقبل ذلك الاجتماعات بين رؤساء مصر والسودان واثيوبيا التي شهدتها أديس أبابا على هامش قمة الاتحاد الافريقي في يناير الماضي، فتحت أبواب التفاهمات على مصراعيها، مع إقرار آلية مشاركة مديري المخابرات الى جانب وزراء الخارجية والري، بحيث تكون الملفات الأمنية جاهزة وحاضرة بقوة إلى جانب الملفات الفنية والسياسية ودون تعطيل او إرجاء لبحث أي من تلك الملفات. وكانت جولة المفاوضات هذه تأجلت لظروف استقالة رئيس الحكومة الأثيوبي هيلا مريام ديسالين على خلفية مشاكل داخلية أساسا، واستغرق الأمر أكثر من شهر لتولى المنصب آبي احمد وهو من طائفة الاورومو، مما أحدث ارتياحا لدى مصر التي تحظى بشعبية لدى المسلمين الاورومو، إضافة إلى ارتباط الكنيستين القبطية في مصر والأمهرية في اثيوبيا تاريخيا. ويلعب كل طرف من البلدان الثلاث بأقوى أوراقه على مائدة المفاوضات في هذه الجولة الحاسمة، فمصر التي لوحت بإيقاف التمويل الدولي من مؤسسات التمويل مثل البنك الدولي، تراجعت عن استخدام نفوذها للضغط في هذا الاتجاه، وتصر على مناقشة تقرير الهيئة الاستشارية الفنية الدولية التي تم اللجوء إليها لدراسة الآثار المختلفة على دولة المصب، وكان هذا التقرير سببا في عدم التوصل إلى نتائج إيجابية في آخر اجتماع، وربما استعانت مصر بصديق بعد زيارة وفد فني أميركي للدول الثلاث بهدف التعرف على تطور المفاوضات الفنية وتقديم المساعدات نحو حل الخلافات في ضوء دور أميركي نشط داخل القارة الافريقية، وبعد تحسن كبير في علاقات الولايات المتحدة بالنظام السوداني على وجه الخصوص في الآونة الأخيرة. والسودان من ناحيته يريد أن يكون حل مشاكله الحدودية مع مصر حول مثلث حلايب وشلاتين، من خلال المساهمة الفاعلة في حل الخلافات الفنية المصرية الاثيوبية حول سد النهضة، ومن المؤكد أن الجهود السعودية ساهمت في أحداث التقارب المصري السوداني، كما ساهمت المملكة مع دولة الإمارات في إقناع المسؤولين في أثيوبيا إلى عدم رضاهم عن أي مشروعات تؤثر سلبا على مصر، وان الاستثمارات العربية متوقفة على التوافق بين مصر واثيوبيا والسودان على شروط بناء سد النهضة. كما ان مصر التي تتمتع بعلاقات تعاون مع ايطاليا في مجال الغاز ومواجهة موجات الهجرة غير المشروعة عبر المتوسط، عززت سياستها مع ايطاليا من اجل لعب دور إيجابي في مشروع السد الاثيوبي الذي تبنيه شركات إيطالية رغم استمرار مشكلة مقتل الباحث الايطالي جوليو ريجيننى وبقاء قضيته من دون حل، كما تحركت تجاه الصين التي تقوم ببناء مشروعات عملاقة في اثيوبيا من اجل تحول النيل إلى أداة للتعاون، وعرض الخبرات الصينية في مجال تنظيم المياه أمام الدول الافريقية الثلاث الأكبر والاهم في القارة الافريقية على مسار مبادرة الحزام والطريق، وحيث تبني خط سكة حديد وميناء كبير في جيبوتي لربط أثيوبيا بالبحر عبر هذا الطريق. الإشارة إلى أدوار وأصابع إسرائيلية خفتت تماما هذه المرة، وتعودت جهات إعلامية عند كل أزمة لمصر مع أثيوبيا الإشارة الى دور إسرائيلي هناك، خاصة ان هناك علاقات تعاون وثيقة في مجال الري والكهرباء التي تحتاجها أثيوبيا بشدة بأكثر من احتياجها للمياه من اجل الزراعة، واللافت للانتباه خروج تقارير إسرائيلية إعلامية تؤكد عدم وجود خطط إسرائيلية للإضرار بمصر أفريقيا عبر دعم مشروعات على نهر النيل، وان اهتمامها الأكبر منصب على مواجهة التنظيمات الإرهابية المسلحة التي تتحرك في السودان والمثلث الذي يضمها مع أثيوبيا وتشاد، وهي منطقة تتابعها أيضا فرنسا والولايات المتحدة من خلال قيادة القوات الموجودة والمخصصة لمواجهة الأوضاع في الصومال وشرق ووسط افريقيا. إجمالا تبدو الأجواء الخاصة بالعلاقات المباشرة بين قادة وحكومات مصر والسودان واثيوبيا في أفضل أحوالها، والأجواء الإقليمية والدولية مساعدة على التقارب، وفي نفس الوقت يقترب موسم الفيضان وتدخل قصة بناء سد النهضة الأثيوبي مرحلة الجد والخطر، حيث لا تنفع العبارات الأخوية، واقتربت مصر من معركة الحياة أو الموت!

جميع الحقوق محفوظة