الأحد 19 أغسطس 2018

مبادرة «الحزام والطريق».. انفتاح تجاري أم توسع عسكري؟

مبادرة «الحزام والطريق».. انفتاح تجاري أم توسع عسكري؟

مبادرة «الحزام والطريق».. انفتاح تجاري أم توسع عسكري؟

أعلن الرئيس الصيني شي جينبينغ إطلاق مبادرة «الحزام والطريق» لإحياء مسار تجاري قديم في خطة طموحة رصدت لها بكين استثمارات ضخمة، ولا تزال حكومات واقتصاديون في دول الغرب يحاولون معرفة مدى الثمار التي ستجنيها بكين والدول الأخرى من هذه الخطة، وهو ما تناوله تقرير نشرته «الإيكونوميست». ومن بين الفوائد الجمة التي ستحصل عليها الصين انفتاح بحري واسع النطاق، خصوصاً لمقاطعة يونان الجنوبية التي أصبحت ميناء رئيسيا لخطوط أنابيب النفط والغاز لتستقبل ما يقرب من %10 من واردات بكين من الطاقة. يخشى دبلوماسيون أجانب من توسع الصين في موانئ بدول أخرى وإمكانية استخدامها كملاذ لسفنها الحربية كصفقة ذات شروط سرية أبرمتها بكين مع سريلانكا التي عجزت عن سداد خدمة دينها، وتساءل التقرير: ماذا وراء مبادرة «الحزام والطريق» وهذه الخطة الصينية الطموحة؟ وأفاد مسؤولون بأن سريلانكا وميانمار والعديد من الموانئ تأتي ضمن مبادرة «الحزام والطريق» ومن بين أصدقاء سيكونون ضمن نواة طريق للقرن الحادي والعشرين «طريق الحرير البحري» الذي سيربط الصين بأسواق بعيدة واحتياطيات هائلة للطاقة بين المحيطات الهندي والهادئ والأطلنطي والقطبي. إنه عبارة عن طريق اقتصادي تعمل عليه الصين على قدم وساق لربطها بأوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط بخطوط سكك حديدية وكابلات بحرية وطرق سريعة (بحسب خطاب لجينبينغ عام 2013). ولا تزال الشكوك تحوم حول الصين بشأن إمكانية استغلال المبادرة لتحول دول أوروآسيوية إلى أمم تابعة وتعتمد عليها بشكل كبير مع إتاحة استخدام بكين لطرق وخطوط أنابيب ومسارات سكك حديدية تابعة لتلك الدول كخطوة على طريق هيمنة تجارية عالمية. وفي أكتوبر 2017، تحدث وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس عن جدوى الفكرة وراء المسارات التجارية التي تخطط لها الصين، فهناك العديد من الطرق والمسارات العالمية في ظل العولمة. ويرى سفراء دول وساسة وقادة أعمال الأمر مجرد شأن تجاري بحت، وأن الصين تريد تعزيز فوائضها التجارية، من خلال زيادة الصادرات وتثبيت أقدامها في أسواق العالم بشكل أكبر. خطة أم تسويق؟ ويتفق الجميع على أن الصين تضخّ أموالا ضخمة لإحياء طريق الحرير بشكل عصري، وشبه مسؤولون في بكين هذه المبادرة بـ «خطة مارشال» التي استثمرت فيها أميركا لإعادة بناء أوروبا عقب الحرب العالمية الثانية. وهناك العديد من النقاط العقلانية بخصوص مبادرة «الحزام والطريق»، فقد مدت الصين خطوط سكك حديدية لقطارات فائقة السرعة وطرقا سريعة وشبكات كهربائية من خلال شركات تمتلك الحكومة أغلبها. وتحتاج الصين الى مزيد من الربط مع دول أوروآسيوية وترغب في عقد شراكات وتقارب اقتصادي وسياسي مع أربع عشرة دولة على حدودها، وذلك رغم عدم صدور خريطة رسمية لهذه المبادرة حتى الآن. وتتوسّع المبادرة إلى ما بعد دول أوروآسيوية وشرق أوسطية من نيوزيلندا إلى القطب الشمالي ومن أفريقيا إلى أميركا اللاتينية وحتى الفضاء الخارجي، وتقدر الاستثمارات المخططة بما يتراوح بين تريليون وثمانية تريليونات دولار. ولم تتحدث الصين عن إقراض خارجي، الأمر الذي يزيد من الغموض وعدم الارتياح بخصوص أهدافها التي ربما لا تكون اقتصادية فقط، وهو ما دفع ساسة وعلماء وعسكريين وعملاء استخبارات في واشنطن للبحث بشكل مكثّف بخصوص المخطط. ويبحث الخبراء في أعمال الجغرافي البريطاني هالفورد ماكيندر الذي أكد عام 1904 أن قوة العالم تكمن في السيطرة على المنطقة الواقعة بين نهري «فولغا» في روسيا و«يانغتسي» في الصين، وهو ما تراه الاستخبارات الأميركية رغبة لدى بكين للتوسع عسكريا بعيدا عن أراضيها. وتطلق الصين عددا من شركاتها الحكومية في عدد من الدول والموانئ في دول أوروآسيوية وأفريقية للهيمنة على مسارات ملاحية وتجارية دولية، في حين يؤكد مسؤولون صينيون أن الأهداف المخطط لها غرضها تجاري بحت، وبعيد عن أي جيوسياسية. عولمة صينية؟ ووصف محللون المبادرة بـ «القوة الناعمة» ونهج تنتهجه بكين نحو عولمة تدور في فلكها في الوقت الذي ترحب دول بالصين على أنها بديل أفضل من الغرب كما أنها توفّر خيارات عدة لمن هم في حاجة إليها، ومن الممكن أن يراه ذلك بمنزلة مساعدة صينية لحكومات شمولية. وتُغري الصين دولا في بحر الصين الجنوبي التي تريد التحوط في مواجهة الهند وحكومات سلطوية أخرى تريد الخروج من فلك الغرب، وبدا ذلك جليا في إشادة العديد من مسؤولي دول في وسط آسيا بمبادرة «الحزام والطريق». أما في بكين نفسها، فإن الإعلام الحكومي يروج لرغبة جينبينغ ببناء مجتمع عالمي ذي مصير ومصالح مشتركة والتعامل مع الأنظمة السياسية بشكل متساو دون إثارة أي ثورات ملونة أو التشدق بحركات ديموقراطية تناهض أنظمتها كما في إيران وأوكرانيا. وبالحديث عن المال، من الصعب معرفة الأرقام الاستثمارية بدقة التي تضخها الصين لدعم المبادرة، ولكن من حين لآخر، يتم إصدار بيانات بمئات المليارات من الدولارات، ولا يوجد شك في وجود حاجة لمثل هذه الاستثمارات. وأظهرت تقديرات بنك التنمية الآسيوي بأن قارة آسيا بحاجة إلى 26 تريليون دولار كاستثمارات في البنية التحتية بين عامي 2017 و2030 من أجل الحفاظ على معدلات نمو اقتصاداتها الحالية والتكيف مع التغيرات المناخية. ورغم أن مبادرة «الحزام والطريق» تسببت في قلق بشأن مدى تأثيرها وهيمنتها على معظم الدول التي تشملها إلا أن هناك ثماني دول بوجه خاص هي الأكثر عرضة لمخاطر التعثر في سداد قروض مرتبطة بالمبادرة، لا سيما أن هذه القروض ليست منحة أو تبرعا بل لها مقابل. وتتبعت جهات أميركية مسار القروض التجارية التي تمنحها الصين وأثارت المخاوف بشأنها كما تحدثت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد بخصوص التعثر في سداد الديون وحثت بكين على عدم الإفراط في إقراض الدول ضمن المبادرة. وظهر ذلك جليا في رفض بعض الدول القروض السخية الصينية ضمن مبادرة «الحزام والطريق» خشية التعثر في سدادها مما دفع بكين لإلغاء مشروعات بها وتعليق أخرى في دول مثل ماليزيا ونيبال، في حين قبلت دول أخرى بل طالبت بمزيد من القروض من بكين (مثل باكستان) لعدم اللجوء إلى صندوق النقد. أصوات معارضة وعلى الصعيد المحلي في بعض الدول، بدأت الأصوات تتعالى بشأن نفوذ الصين المتزايد في تلك المجتمعات، كما بدأ الحديث عن استثمارات ومشروعات من بكين تخدم أنظمة أو شركات بعينها. ولا تزال هناك فجوة حول شعار «مصير ومصالح مشتركة»، حيث إن المشروعات التي تمولها الصين مليئة بعمال صينيين تدفع لهم الحكومات المستضيفة. وفي ضوء ذلك، تعلم الصين أنها تحتاج إلى تحسين صورتها وحاولت عقد اجتماعات عدة مع قادة دول وساسة وشركات من أجل التقليل من طموحاتها بالتوسع عالميا، حتى أنها دعت دولا غربية للانضمام إلى بنك الاستثمار في البنية التحتية الآسيوي الذي أطلقته – ويراه خبراء محاولة من بكين لإيجاد بديل لصندوق النقد – أما بخصوص القروض السخية التي تمنحها بكين، فإن البعض يراها بمنزلة تحقيق للتوازن في ظل أن العديد من الدول تحقق فائضا تجاريا كبيرا مع الصين التي تشتري منها موارد طبيعية. ولكن في الحقيقة، بحسب «الايكونوميست»، لا يوجد فارق بين القوة التي تتيح لدولة ما انفتاحا تجاريا على العالم وبين السبل التي تتبعها كيانات لبناء إمبراطوريات، فمصطلح «طريق الحرير» وصفه أحد المؤرخين الألمان عام 1877 بأنه بمنزلة مزيج تجاري ودبلوماسي وسلطوي. ورسم مسؤولو الصين خطوطا واضحة بين الأمن القومي ومشروعات البنية التحتية ضمن المبادرة التي يتنامى دورها في العديد من المناطق، خصوصاً غرب الصين التي تقطنها أقلية مسلمة تعيش في ظل قيود حكومية وأمنية. ورغم إشادة سفراء دول أوروبية بمبادرة «الحزام والطريق»، فإن الاتحاد الأوروبي طالب الصين بوضع قواعد تخص الشفافية ومعايير العمالة والديون والبيئة. وتحاول الصين من وقت لآخر إغراء دول أوروبية بعينها بخطط لتطوير البنى التحتية والموانئ ومخططات الشحن، وهو ما دفع بعض الساسة لاتهام بكين بأنها تسعى لإحداث انقسام داخل القارة العجوز. وعرقلت المفوضية الأوروبية صفقة بيع ميناء «بريوس» اليوناني لحصة حاكمة في ميناء «بريوس» الرئيسي لشركة شحن صينية مقابل 312.5 مليون دولار عام 2016، في حين يرى دبلوماسيون أوروبيون أن محاولات بكين تهدف للاندماج مع أوروبا وليس تقسيمها. أما في أفريقيا، فالنفوذ الصيني يتزايد بوتيرة سريعة، وأفاد مراقبون بأن مبادرة «الحزام والطريق» ستسهم في تعزيز طموحات بكين في القارة السمراء المتعطشة للاستثمارات في ظل المحاولات لإخراج شعوبها من الفقر المدقع. ويرى محللون أن مبادرة «الحزام والطريق» ليست تحديا بعد للنظام الليبرالي، ولكنها بمنزلة اختبار له، وستحتاج المبادرة آجلا أو عاجلا لاستثمارات غير صينية، الأمر الذي سيدرأ الشكوك ويقلل المخاوف بشأن هيمنة وتوسع النفوذ الصيني عالميا. وتحتاج دول الغرب للاندماج والمساهمة في المبادرة بدلا من الوقوف موقف المتفرج والانتقاد فقط من أجل الوقوف على أبعادها وتعزيز شفافيتها ومراقبة عقودها الرسمية. (أرقام)

جميع الحقوق محفوظة