الخميس 15 أكتوبر 2020

دراسة: الإنفاق الحكومي يُثبِّط ربحية المصارف

دراسة: الإنفاق الحكومي يُثبِّط ربحية المصارف

دراسة: الإنفاق الحكومي يُثبِّط ربحية المصارف

 أظهرت دراسة حديثة أن  الإنفاق الحكومي هو عامل هام ومؤثرفي ربحية البنوك، مبينة أن أنه يلعب دورا مثبطاً لربحية القطاع، وحتى عند استخدام الإنفاق الرأسمالي بدلا من إجمالي الإنفاق العام .

وبحثت الدراسة التي أعدها أستاذ الاقتصاد في كلية العلوم الادارية بجامعة الكويت د. نايف الشمري،وخص بها  القبس  تأثير التدخل الحكومي في أداء الصناعة المصرفية ، والعلاقة بين التدخل الحكومي في الاقتصاد وربحية البنوك باستخدام تحليل محددات أدائها في الكويت.

وتقدم الدراسة أدلة تجريبية حول بعض الجوانب الرئيسية التي تؤثر في الأداء المصرفي من خلال دراسة الخصائص المحددة للبنوك وعوامل الاقتصاد الكلي والتدخل الحكومي.

ركزت الدراسة على سؤالين مهمين؛ أولهما متعلق بأثر الانفاق الحكومي والآخر بأثر الأزمة المالية العالمية في ربحية المصارف الكويتية .

وتشير إلى أن القطاع يلعب دوراً مهماً في النمو الاقتصادي ، فعلى الرغم من أن قطاع النفط لا يزال مهيمناً على الناتج المحلي الإجمالي، حيث بلغ متوسط مساهمته نحو %56 إلى %60 في السنوات الثماني الماضية، فإن القطاع المالي (بما في ذلك القطاع المصرفي) هو المصدر الثاني غير النفطي للناتج المحلي الإجمالي، بمتوسط %15 من إجمالي الناتج المحلي، حيث تعزز المصارف التجارية  التوسعات الاقتصادية من خلال توجيه الأموال إلى مختلف المؤسسات الخاصة في الاقتصاد.

ووفقا للأرقام فقد كان الإنفاق الحكومي في اتجاه تصاعدي منذ عام 1993، ولكن من المثير للاهتمام بأن الارتفاع الحاد فيه  قد ظهر بشكل مطرد منذ عام 2001؛ حيث زاد إلى مستويات عالية جدا، وهذا مرتبط بشكل مباشر  بالقفزات القياسية لأسعار النفط خلال تلك الفترة. وبالتأكيد هذا الانفاق الحكومي الحاد يعكس سلوك صناع القرار السياسي، الذين يدعمون سياسة الانفاق الأكثر مع ارتفاع أسعار النفط، ولكن ما يجعل الأمر أكثر خطورة أنه حتى عندما تتباطأ أسعار النفط، فلا يمكن خفض الإنفاق العام إلى نفس المستوى الذي كان عليه من قبل، وذلك بسبب الاعتبارات السياسية والاجتماعية وكذلك موقف الحكومة تجاه الدور الذي ينبغي أن تلعبه في الاقتصاد.

وقالت الدراسة إن الأثر السلبي على ربحية البنوك لا يزال ظاهرا في النتائج. وفي الواقع، فإن معظم الشركات في الكويت تمول مشاريعها من خلال قروض من المصارف ، وبالتالي يميل ضخ المزيد من الإنفاق الحكومي إلى خفض الإنفاق الاستثماري والاستهلاكي من جانب «الخاص» في الاقتصاد، حيث إن الإنفاق الحكومي بهذا الشكل يضر بفرص الاستثمار الخاص، الأمر الذي يؤدي إلى تباطؤ النمو نتيجة لمحدودية مشاركة الشركات الخاصة في الاستثمار الرأسمالي المدفوع أصلا من الحكومة فإن الارتفاع المتزايد للإنفاق الحكومي يضعف من البحث عن التمويل من المصارف ، الذي من شأنه أن يؤدي إلى تباطؤ تدفق الأموال التي يتم الحصول عليها من هذه البنوك من قبل القطاع الخاص، وهذا بدوره يؤثر على ربحية البنوك. وهذا الواقع يوضح دور الإنفاق الحكومي في خلق آثار مزاحمة crowding-out effects تؤثر سلبا على استهلاك القطاع الخاص واستثماره. وبناء على ذلك، فإن هناك دلالة واضحة على فشل التدخل الحكومي في النظام المصرفي ، وهذا يدعم طبيعة «الثورة الكينزية».

كما أن النموذج التجريبي المستخدم في هذه الدراسة يبين تأثير الأزمة المالية على القطاع المصرفي ، حيث أظهرت أن أثر الأزمة المالية العالمية كان سلبيا وواضحا على ربحية القطاع المصرفي خلال عامي 2008 و2009، بيد أن تأثير الأزمة المالية قد تلاشى تدريجياً بعد عام 2009، بسبب الإجراءات والتدابير التحوطية التي نفذها بنك الكويت المركزي خلال الأزمة، والتي ساعدت على استعادة الاستقرار المالي والاقتصادي مثل توجيه المصارف  لتعزيز أحكامها ضد المخاطر، بالإضافة إلى تطبيق لوائح تنظيمية تتعلق برأسمال المصارف وسيولتها، كما أعاد «المركزي» تقديم ضمان الودائع لتجنب الذعر المالي، حيث ساعدت كل هذه الإجراءات الاحترازية الصناعة المصرفية على اجتياز الأزمة المالية العالمية تقريباً بنجاح.

كما قامت الدراسة بتحليل أثر مستوى القوة الاحتكارية للمصارف الكبرى على ربحية القطاع المصرفي من حيث حصة حجم القروض لإجمالي القروض في القطاع، حيث أظهرت النتائج أن كلما كان هناك تركز أكثر لمجموعة قليلة من المصارف من حيث حجم القروض في السوق المصرفي، أثر ذلك سلبا على ربحية القطاع بسبب تأثير وسيطرة القوى الاحتكارية في السوق. وهذا بالتالي يدعم التوجه لتوسع البنوك واندماجها لتقليل أثر القوة الاحتكارية على السوق المصرفية .

وأشارت الدراسة إلى أن هناك دلائل على أنه ليست فقط العوامل الخاصة بعمل البنوك وكفاءتها وإدارة أنشطتها لها أثر مباشر في ربحية البنوك، إنما كذلك عامل التدخل الحكومي بالاقتصاد له دور غير مباشر في التأثير في الأداء المصرفي .

 واستناداً إلى نتائج هذه الدراسة، قد يؤدي التدخل الحكومي من خلال الإنفاق العام إلى وقف الاستثمار الخاص، مما يحد من نمو الائتمان في القطاع المصرفي. ومن المعروف أن أي ارتفاع أولى في الإنفاق من قبل الحكومة يتم تمويله بشكل عام إما بفرض ضرائب أعلى وإما بالاقتراض، وهذا يجبر الشركات الخاصة على استخدام آليات الديون من خلال الاقتراض من البنوك، الذي يدعم دور الشركات الخاصة في الاقتصاد. غير أنه في حالة الكويت، يتم تمويل زيادة الإنفاق العام من خلال زيادة الايرادات النفطية، حيث لا وجود فعالاً لشركات القطاع الخاص في آلية تمويل الدين. لذلك، فقد حان الوقت لإعادة النظر في فعالية السياسة المالية  بأن نأخذ في الاعتبار أن التغييرات في أداة الإنفاق الحكومي لها تأثير أكبر في الاستثمار الخاص والأرباح من أداة الضرائب. وبناء على ذلك، تنبغي أيضا إعادة توجيه الإنفاق الحكومي نحو الأنشطة الاقتصادية التي تقل فيها استثمارات شركات القطاع الخاص، وذلك لتجنب أن تكون الحكومة منافسة للشركات في الأنشطة ذات الأهمية الأكبر . ومع ذلك، فإن توافر فترة انتقالية لتنفيذ هذه الإصلاحات أمر مهم لتجنب أي أثر سلبي في دور المصارف في تعزيز النشاط الاقتصادي بفعالية.

تحديات خطيرة

أشارت الدراسة إلى إجراءات السلطات النقدية في الكويت بأنها كانت فعالة في الحد من تأثير الأزمة المالية في القطاع المالي، فإن الاقتصاد العالمي لا يزال يواجه تحديات خطيرة قد تؤثر في وتيرة انتعاشه وبطء نموه الاقتصادي، وهذا من شأنه خلق حالة من عدم اليقين في الاقتصاد المحلي. كذلك لا تزال هناك مخاوف بشأن آليات السياسة النقدية، لا سيما مع انتقال أسعار الفائدة نحو نسبة مئوية صفرية أو حتى سلبية، فضلاً عن الاختلالات التجارية بين البلدان وتداعيات أزمة فيروس كورونا، لذلك فإن من شأن الاعتماد أكثر على الأدوات النقدية غير التقليدية العمل على مراعاة استقرار ربحية القطاع المصرفي في تلك الظروف.

  •  

جميع الحقوق محفوظة