الخميس 15 أكتوبر 2020

تحليل سياسي: فتح ملف «تعديل النظام الانتخابي».. الأسباب والدوافع

تحليل سياسي: فتح ملف «تعديل النظام الانتخابي».. الأسباب والدوافع

تحليل سياسي: فتح ملف «تعديل النظام الانتخابي».. الأسباب والدوافع

مع قرب انتهاء مجلس 2016، تقدم 10 نواب بطلب تعديل النظام الانتخابي إلى صوتين سيُناقَش بالجلسة الأخيرة في 20 أكتوبر الجاري. فما الذي استجد حتى يُستحضَر هذا الملف ويُقذف به وسط حالة سياسية ملتهبة؟ وهل الوقت المتبقي كافٍ لبحث ومناقشة قضية بهذا الحجم؟ وما الأهداف التي يبتغيها مقدموه، وهل الأمر مجرد مناورة سياسية قصيرة، أم إن القضية أبعد من ذلك؟

 سوابق مماثلة

شكَّلت قضية تعديل النظام الانتخابي مكانة محورية في التراث السياسي الكويتي، طيلة نصف قرن من عمر الحياة النيابية في البلاد، إذ جرى تعديل قانون الانتخاب 3 مرات، الأولى عام 1980 حيث ارتفع عدد الدوائر من 10 إلى 25 دائرة، والثانية عام 2006 عندما عُدلت من 25 دائرة إلى خمس دوائر، والأخيرة في 2012 عندما طُبق نظام الصوت الواحد المعمول به حتى اليوم.

الرابط بين تلك المحطات والتواريخ أن «قرار» تعديل النظام الانتخابي ارتبط إما بتغيير في المراكز العليا في الحكم، وإما بمجيء رئيس وزراء جديد (وهو حاصل حالياً)، وهو حدث يستدعي تغيير قواعد اللعبة الانتخابية، ويستلزم تعديلاً في ساحة التفاعل السياسي، ومفتاح تلك «الحاجات» بناء هيكل لقواعد لعبة سياسية جديدة في أدواتها ومختلفة في تفاصيلها ومخرجاتها، ولذلك كان لا بد من إعادة هندسة النظام الانتخابي تمهيداً لتأسيس نظام يتمكن رئيس الوزراء الجديد من التفاعل معه والتعاطي من خلاله مع مختلف مكونات الطبقة السياسية في البلاد.

فالتعديل الذي جرى 1980 في عهد رئيس الوزراء حينها الشيخ سعد العبدالله - رحمه الله - وبعد أقل من عامين على توليه رئاسة الحكومة فرضته المحددات والعناصر التي ذكرناها سابقاً، فلم يكن ممكناً وفق المعطيات المتوافرة حينها أن يستمر الشيخ سعد في التعايش مع نظام الدوائر العشر الخاضع لتأثيرات التنافس الحاد بين القطبين الكبيرين الشيخين الراحلين جابر الأحمد وجابر العلي، الذي أنتج كتلاً سياسية يسارية وقومية، وجد الشيخ سعد نفسه في حالة تناقض تام معها، ولا تتناسب مع تركيبة تحالفاته الجديدة مع القبائل والإسلاميين، فكان نظام الدوائر الـ25 ملائماً لتحالفاته ومتناسباً مع خياراته.

 استحضار «الخمس»

الأمر نفسه تكرر عام 2006، فمع مجيء الشيخ ناصر المحمد رئيساً للوزراء وتولُّد صراع أقطاب بين شيوخ الأسرة الحاكمة، كان طرفه الثاني الشيخ أحمد الفهد، أُعيد «تحريك» مطلب تغيير الدوائر الذي كان هدفاً قديماً لقوى سياسية ومدعوماً من قطاعات واسعة في الشارع، فتقرر تشكيل لجنة وزارية لتعديل الدوائر الصادر بعد أسابيع من تعيين الشيخ ناصر رئيساً للوزراء، فالأسباب التي دفعت الحكومة حينها إلى تعديل الدوائر هي تقريباً نفسها التي دفعت الشيخ سعد العبدالله إلى تعديلها عام 1980.

وفي كل الأحوال، لم يكن صدور القرار السياسي بـ«تعديل النظام الانتخابي» نتيجة استجابة لمطالب قوى سياسية تطالب بالإصلاح أو بسبب رأي عام ضاغط، بل هو نتاج مخاض وتحولات خاضعة لطبيعة التفاعلات داخل مربعات النظام، وترجمة وتعبير لموازين القوى بين أقطاب الأسرة الحاكمة، فعندما تولى الشيخ ناصر المحمد رئاسة الحكومة، وجد نفسه أمام نظام انتخابي مصمم ليخدم إنتاج توجهات سياسية محددة، ويهيئ لفرز قوى سياسية متحالفة مع منافسيه، فلجأ إلى بعثرة الخريطة الانتخابية عبر التوجُّه إلى نظام الدوائر الخمس، من أجل تهيئة الميدان لدور سياسي ثابت لرئيس الوزراء في الخريطة السياسية.

 الصوت الواحد

المحددات التي ظهرت للشيخ ناصر عادت إلى الظهور أمام الشيخ جابر المبارك عام 2012، فنظام الدوائرالخمس وبعد ثلاث تجارب انتخابية استقرت الشيفرة الخاصة به بيد لاعبين أساسيين، في مقدمتهم القوى السياسية المعارضة التي هيمنت على سلطة القرار في البرلمان بحيازة كتلة من 36 نائباً (%56 من مقاعد النواب والوزراء)، الأمر الذي كان كافياً لتمرير القوانين والقرارات التي تريدها، واللاعبان الآخران في المعادلة وقتها - الشيخ ناصر المحمد والشيخ أحمد الفهد - كانا خارج السلطة. وأمام النزيف الحكومي الناجم عن المعادلة الانتخابية، قفزت فكرة تطبيق الصوت الواحد.

بالمحصلة، فإنه مع التغييرات الجارية في الدولة والحكومة يفرض ملف تعديل النظام الانتخابي نفسه كاستحقاق سياسي لإعادة هندسة الخريطة السياسية في البلاد للتواؤم مع خيارات العهد الجديد، ووسيلة ذلك إعادة بعثرة النظام الانتخابي، لكن العنصر الضاغط اليوم هو عنصر الوقت القصير المتبقي لإنجاز تغيير كهذا وبهذا التأثير، لكن المؤكد أن قطار تعديل نظام الانتخاب قد تحرك وتبقى القضية مسألة وقت لا أكثر.

جميع الحقوق محفوظة