السبت 27 يونيو 2020

الكاظمي والعراق.. حكاية استعادة الهيبة

الكاظمي والعراق.. حكاية استعادة الهيبة

الكاظمي والعراق.. حكاية استعادة الهيبة

بات رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي - المدعوم أميركياً - في مواجهة جدية مع إيران، فالمداهمة الأمنية لمقر حزب الله جنوبي بغداد، واعتقال أكثر من عشرة من أعضاء الفصيل، من قبل جهاز مكافحة الإرهاب الذي انشأه الأميركيون، مثّلا ضربة نوعية للفصائل المسلّحة التي تتحرك بأوامر إيران لتستهدف منشآت أميركية، وتُفقد بغداد سيادتها.

وكان الفصيل يحضّر لإطلاق صواريخ على معسكر للقوات الأميركية ضمن حرم مطار بغداد الدولي، قد تم استهدافه مرتين، الأسبوع الماضي.

يُعدّ «حزب الله» الأكثر تمويلاً من جانب ايران، ويبعث استهدافه رسالة قوية لإيران من الكاظمي، الذي شدد على أنه عازم على إعادة الهيبة للعراق، ومنع أي ميليشيا من الخروج عن الأطر الرسمية أو تدمير الدولة.

ورأت صحيفة «فايننشيل تايمز» أن المداهمة اختبار مبكّر لقدرة رئيس الوزراء الجديد على مواجهة المسلحين الذين تدعمهم طهران وطلقة في جبين الميليشيات المرتبطة بها، التي أضعفت الدولة العراقية، واتهمتها واشنطن بالوقوف وراء قتل مواطنين أميركيين.

ونقلت الصحيفة عن يرى ريناد منصور، مدير مبادرة العراق التابعة لمؤسسة «تشاتهام هاوس» أن رئيس الوزراء تبنى موقفا «حازما للغاية» في الأيام الأخيرة، ومن المرجح أن تحركاته تحظى بدعم العراقيين.

كما نقلت عن المحلل الأمني في معهد واشنطن للأبحاث مايكل نايتس: «لقد تم القبض عليهم متلبسين، ولم يحدث من قبل أن تم اعتقال أعضاء في هذه المجموعة، إنه تطوّر كبير حقاً».

ضربات إصلاحية

وفي مواصلة لنهجه، كشف مصدر مقرب من الكاظمي أنه سيوجه ضربات إصلاحية جديدة خلال الأيام القليلة القادمة، مستغلاً صلاحياته غير الحزبية وغير الملزمة بالمحاصصة. وأضاف أن «الكاظمي أجرى اجتماعاً مصغراً مع عدد من القادة المقربين له وأبلغهم بأنه لن يرضخ أو يستسلم لإرادة الأحزاب».

وأكد النائب ظافر العاني: «لم يعد الصراع في العراق اليوم طائفيا او دينيا ولا حتى قوميا، الخلاف الآن محصور بين العراقيين والولائيين»، في إشارة إلى الميليشيات التي تدين بالولاء لطهران. وأضاف ان «حسم المعركة بين الطرفين سيحدد مستقبلا هل سيكون العراق دولة أم يتلاشى».

تحرّك شعبي

ولاقت خطوة الكاظمي ترحيباً في الشارع العراقي، حيث تظاهر مئات العراقيين في بغداد دعما لتحرك الحكومة، مشيدين باعتقال جهاز مكافحة الإرهاب عددا من عناصر الحزب.

وقال المتظاهر حسين المحمود: «يجب على قوات الجيش استئصال كل الفصائل التي تدين بالولاء لغير العراق».

وعلى «تويتر»، دشن ناشطون هاشتاغ #مع_جهاز_المكافحة_ضد_الأحزاب، حيث عبروا من خلاله عن تأييدهم للإجراءات التي اتخذتها الحكومة.

وكتب ناشط أن كتائب حزب الله تهدد الكاظمي في قلب بغداد. وكتب آخر: إذا كان رئيس وزراء يتهدد، فكيـف يكون الحال بالمواطن العادي؟

الميليشيات تهدد

في المقابل، وصف الناطق باسم «حزب الله» أبو علي العسكري عملية الاعتقال بأنها «عربون عمالة جديد» من الكاظمي للولايات المتحدة.

من جهته، حذّر زعيم ميليشيات «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي رئيس الوزراء العراقي من الدخول في مواجهة مع «الحشد الشعبي».

كما حذّر نائب زعيم ميليشيا «النجباء»، نصر الشمري، رئيس الوزراء مما وصفه باستهداف الفصائل: «نحذر من أي محاولة لاستهدافهم ولجر الأطراف إلى فتنة داخلية في هذه الأيام العصيبة وهذا الوضع الوبائي، وستكون حتماً محاولة فاشلة وغير محسوبة النتائج، وقد تجر على من أمر بها ما لم يكن بحسبانه مطلقاً».

دعم أميركي

كشفت السفيرة الأميركية في الكويت إلينا ل.رومانوسكي عن مشاركة قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في عملية المداهمة، مردفة: «المشاركة في هذه العملية كان بدعوى رسمية ووفقا للقوانين الدولية».

وتابعت: «واشنطن ترى أن فوضى السلاح في العراق ليس بالأمر المطلوب ويجب حصرالسلاح بيد الجيش، وستساند بكل قوة محاولة الحكومة العراقية لتحقيق هذا الأمر». من ناحيته، قال المستشار العسكري السابق لوزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط العقيد عباس داهوك إن «الحوار الإستراتيجي بين الولايات المتحدة وبغداد ناقش إرساء القانون في العراق وإجراء خطوات كهذه ضد العناصر المارقة»، مشيرا الى ان أميركا تدعم إجراءات الكاظمي.

بدوره، أفاد تقرير لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى المتخصص بالشؤون الإستراتجية، بأن عملية الاعتقال تعطي واشنطن الفرصة لحض الدول الأخرى على تصنيف حزب الله العراقي ضمن قوائم الإرهاب.

هيكلة «الحشد»

إلى ذلك، رأى المحلل الإستراتيجي العراقي رعد هاشم أن الحكومة بدأت تأخذ منحى جديدا بالتعامل مع فصائل خارجة عن سيطرتها بتصنيفها إجرامية وخارجة عن القانون، مع إصرار واضح على نيتها الاقتصاص ممن يكرر الفعلة. وأكد أن تلك العملية ستمهد لحل تدريجي ممنهج لهيكلة فصائل «الحشد» وفرز المجموعات التي لا تأتمر بأمر الدولة.

حرب قادمة

قال الخبير السياسي في الشأن العراقي أحمد الحمداني: «يمكن القول إن هناك حرباً تلوح في الأفق، سياسية، وقد تتطور إلى مواجهات مسلحة، فيما قد يستفيد الكاظمي من تأييد الشارع العراقي لخطوته تلك إذا كان راغباً فعلاً في استعادة هيبة الدولة».

وتتزامن المداهمة مع بدء الولايات المتحدة والعراق محادثات ثنائية تهدف إلى وضع إطار عمل لوجود القوات الأميركية في البلاد وتعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية.

وقال المحلل السياسي هشام الهاشمي إن «التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة سعيد للغاية بهذه الخطوة»، خصوصاً أن الكاظمي يستعد لزيارة واشنطن.

وحسب مراقبين، يبدو أن المواجهة المباشرة بدأت ولن تتوقف في ظل عزم حكومي على إنهاء فوضى السلاح. ويبدو أن الكاظمي سيعوّل على الدعم الاميركي والغربي، وربما الخليجي، لمواجهة ضغوط ايران وحلفائها، بعد ان حاول لاشهر تحقيق توازن بين الطرفين، لكن يبدو انه اختار في النهاية تخليص بلاده من الهيمنة الايرانية.

  •  

جميع الحقوق محفوظة