الاثنين 16 يوليو 2018

الغانم: الشراكة مع الصين منعطف تاريخي باهر

الغانم: الشراكة مع الصين منعطف تاريخي باهر

الغانم: الشراكة مع الصين منعطف تاريخي باهر

النجاح مرهون بحسن التنفيذ وشجاعة المسؤولية

التوجه نحو الشرق استقراء ذكي للمستقبل

مواءمة بين «الحزام والطريق» ورؤية الكويت 2035

علينا تنظيم ترشيد بيتنا سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً

توثيق التعاون بين الحكومة والبرلمان والقطاع الخاص

مراعاة مشاركة القطاع الخاص في المشاريع إلى أبعد حد ممكن

لا بد من دور كامل للعمالة الوطنية في هذه الشراكة

.. كل ذلك بفضل الدبلوماسية الاقتصادية التي قادها سمو الأمير

في الربع الأخير من القرن العشرين، استأثر الهم الأمني بمساحة واسعة من اهتمام الدبلوماسية الكويتية، التي كان وزير الخارجية معالي الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مهندسها وعميدها.
وبعد انحسار الهم الأمني إلى حد ما، أطلق سمو رئيس الوزراء الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح «الدبلوماسية الاقتصادية» لدولة الكويت، حيث ترأس في يوليو 2004 وفداً سياسياً واقتصادياً كبيراً في جولة آسيوية شملت أربع دول، بدأت بجمهورية الصين الشعبية، التي أسفرت زيارتها عن توقيع ثلاث اتفاقيات في التعاون الاقتصادي والفني، وفي مجالات النفط والبيئة.
كان هذا التوجه نحو الشرق بمنزلة استقراء ذكي للمستقبل، ينطلق محلياً من حتمية توسيع وتنويع قاعدة الاقتصاد الكويتي، وينطلق دولياً من ضرورة التعامل مع القوى الاقتصادية العالمية الجديدة. وقد عزز حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح هذه «الدبلوماسية الاقتصادية» عندما ترأس في يونيو 2006 وفداً سياسياً واقتصادياً كبيراً في جولة آسيوية ثانية ضمت أربع دول أخرى.
ومنذ ذلك الوقت حتى اليوم، والكويت ترسم بهدوء وإتقان خريطة تعاونها مع الصين.
على هذه الخريطة، وضع مشروع مدينة الحرير، ومشروع تطوير الشمال والجزر، ورؤية الكويت الجديدة 2035. وفي إطار هذه الخريطة، شاركت الكويت بتأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وكانت أول دولة وقعت «مبادرة الحزام والطريق» التي أعلنها فخامة الرئيس الصيني شين جين بينغ عام 2013. وتحديداً لمعالم هذه الخريطة، كان الوفد السياسي والاقتصادي الى الصين الذي ترأسه سمو رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح في يونيو 2014، حيث تم توقيع عشر اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مختلف المجالات. وعلى ارض الواقع اضحت الصين أول شركاء الكويت التجاريين، وثاني اكبر المصدرين لها، وثاني اكبر المستوردين لنفطها، ثم جاءت نتائج زيارة حضرة صاحب السمو امير البلاد الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح الى جمهورية الصين الشعبية الصديقة بين السابع والعاشر من يوليو 2018، بمنزلة تتويج رائد وواعد لكل هذه الجهود.
وقد لخص حضرة صاحب السمو امير البلاد هدف هذه الجهود ومضمون ما انتهت اليه من اتفاق بأن «الكويت تطمح لأن تكون الصين شريكا استراتيجيا ومستثمرا اساسياً في تطوير البنية التحتية لمدينة الحرير، وإنشاء مناطق صناعية وتكنولوجية متقدمة في شمال الكويت، مع اعطاء أولوية خاصة لمشاريع الموانئ والسكك الحديدية والطرق العامة، وإيلاء اهمية كبيرة لقطاع الطاقة من خلال الاستثمار في مشاريع النفط والغاز، ومن خلال الاستفادة من خبرات الصين في الاستخدام السلمي للطاقة النووية والطاقة المتجددة».
الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية المقصودة هنا تعتمد إذن – وحسب ما جاء في البيان المشترك الصادر نهاية الزيارة الاميرية ــ على المواءمة بين مبادرة «الحزام والطريق» و«رؤية الكويت 2035» من خلال وضع منهج متكامل للتعاون الاقتصادي بين الدولتين، وإن اتخاذ مشروعي مدينة الحرير والجزر الكويتية بداية لتوظيف مزايا الجانبين، لا يعني ابدا ان الشراكة الاستراتيجية ستكون قاصرة عليهما، بل هي تتجاوزهما بعيدا فيما تعطيه من أهمية للتصنيع والتكنولوجيا والطاقة، وللموانئ والنقل والطرق.
إن هذا الاتفاق او التوافق على بناء شراكة اقتصادية استراتيجية بين الصين والكويت يشكل بالتأكيد طموحاً ذكياً صحيح الهدف والاتجاه للطرفين، كما يشكل تعزيزاً لافتاً واضحاً لصيغ التعاون الدولي من اجل الامن والتنمية، اما بالنسبة للكويت، فالاتفاق يمثل وبالتأكيد ايضاً منعطفاً تاريخيا باهر الغد والوعد ان احسنّا تنفيذه وادارته، وحملنا بارادة وشجاعة مسؤولية نجاحه. ولعل النقاط التالية ما يوجز أهم التحديات التي يجب أن تتصدى لها هذه المسؤولية:

أولا ــــ التنظيم الرشيد لبيتنا الكويتي، بكل ما تحمله هذه العبارة من أبعاد سياسية واقتصادية ومجتمعية. وأول شروط هذا «التنظيم الرشيد» تطبيق القانون بحزم وعزم وعدل. فنحن نتكلم هنا، فعلا وبصوتٍ عال، ليس عن مستقبل الكويت فقط بل عن وجودها. وهو أمر لا كبير فيه فوق الكويت، ولا معايير له إلا مصالح الكويت، ولا مرجعية بصدده إلا المرجعية الوطنية بمؤسساتها الدستورية ومجتمعها المدني ومنطلقاتها الاقتصادية.

ثانيا ــــ توثيق التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية والقطاع الخاص من جهة، وتوثيق التكامل بين القطاعين العام والخاص من جهة ثانية، فالشراكة الاقتصادية التي نتحدث عنها يجب ان تراعي تماما مشاركة القطاع الخاص الكويتي في مشاريعها الى أبعد حدٍ ممكن. والشراكة الاستراتيجية التي نتحدث عنها تضع على عاتق هذا القطاع بالمقابل مسؤولية مضاعفة ليكون مبادرا وقائدا في تعزيز مصالح الكويت. والقطاع الخاص الكويتي قادر على هذا الدور راغب به، ولكنه لا يمكن أن ينجح في أدائه ما لم يؤد القطاع الحكومي دوره في التحفيز والمساندة وتذليل العقبات، وخاصة تلك المتعلقة بالبيروقراطية، والالتزام بقواعد النزاهة ومكافحة الفساد.

ثالثا ــــ لابد أن يكون للعمالة الوطنية دورها الكامل في هذه الشراكة. والدور الكامل هنا لا يعني توفير الوظائف فقط، بل يعني أيضا ــ وبالدرجة ذاتها ــ الإقبال على العمل بكفاءة وجهد وصدق. والعمالة الوطنية هنا تشمل المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي ينبغي أن تنجح وتنتشر من خلال ما تقدمه من سلع وخدمات للمشاريع الكبيرة.
رابعا ــــ يجب أن تكون الشراكة الاستراتيجية الكويتية الصينية نموذجا ناجحا لشراكات مماثلة مع مختلف الدول ــ في اميركا واوروبا وأفريقيا وغيرها ــ وليس في مثل هذه الشراكات جرح لسيادة الدولة أو استقلال قرارها، «فالمناطق الاقتصادية» مفهوم معروف في كل اقتصادات العالم، وارتباط أمن الدول بالمصالح الاقتصادية العالمية حقيقة لا ينكرها أحد. ولقد جاء البيان الكويتي ــ الصيني المشترك صريحا واضحا في هذا الصدد، عندما نص على أن يلتزم التعاون الكويتي الصيني ومشاريعه «بالدور الإرشادي للحكومة، والدور الرئيسي للشركات، وبالدور التوجيهي للسوق، وبالعمل حسب القواعد التجارية».
لقد تابعت غرفة تجارة وصناعة الكويت بكل اهتمام، وساهمت بكل حماس في مرحلة بناء الشراكة الاستراتيجية الجديدة، فشاركت بفعالية في كل الوفود التي هيأت للزيارة الأميرية الأخيرة، ودعت الى الانفتاح على اجتذاب الاستثمارات الخارجية من خلال المناطق الاقتصادية، وبلورت رؤيتها للتنويع وتوسيع القاعدة الانتاجية من خلال استراتيجية «التيسير التجاري» التي تنسجم كل الانسجام مع نموذج الشراكة الاستراتيجية الذي نتحدث عنه.
وإذا كان من حق الغرفة اليوم ان تعتز بمواقفها ومساهماتها، فإن من واجبها قبل ذلك، ومن قبيل الاقرار بالفضل لأهل الفضل، ان تذكر بالاعجاب والتقدير أن هذا الانجاز الكبير جاء ــ بعد توفيق الله ــ بفضل الدبلوماسية الاقتصادية التي قادها بكل حكمة وأناة ونشاط حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه.
أما وأن الزيارة قد انتهت، وأن الأسس قد وضحت، فقد وجب أن يبدأ العمل الآن وعلى الفور، ومن منطلقات تدفع بها الثقة دون أن تبعدها عن الموضوعية، وبطموحات يعمرها الاستبشار من دون أن يغشاها الانبهار، وبوتيرة دؤوب، وتنظيم لا يغيب عنه القطاع الخاص.
والله ندعو ان يسدد الخط‍ى ويوفق المسعى.

علي محمد ثنيان الغانم

رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت

 

جميع الحقوق محفوظة