الثلاثاء 08 يناير 2019

«الحسابات الوهمية».. معول هدم بيد مثيري الفتن

«الحسابات الوهمية».. معول هدم بيد مثيري الفتن

«الحسابات الوهمية».. معول هدم بيد مثيري الفتن

لم تأت مناقشة النواب تحت قبة المجلس، أمس، لملف الحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي من فراغ، فهي التقاط عملي للإشارة الاميرية الواردة في الخطاب الذي افتتح به سمو أمير البلاد دور الانعقاد الأخير للمجلس، حيث دعا إلى ضرورة إصدار تشريع يضبط منصات التواصل التي تعج بتلك الحسابات، وبما يراعي أمن المجتمع وقيمه الفاضلة، ويمنع أشباح الفتن والتخريب من المساس بكرامة الناس وسمعتهم.وعلى الرغم مما أحدثته ثورة الاتصالات والمعلومات من تسييل ملحوظ للأخبار والمعلومات بين الناس في كل مكان، فإن الصدع الذي يهدد بنسف الجدار يكمن في استغلال اصحاب الحسابات الوهمية لذلك البراح الديموقراطي، والتلطي خلف اسماء مستعارة وشخصيات مجهولة يتابعها آلاف الاشخاص، للترويج لشائعات ومعلومات مغلوطة للنيل من اشخاص بعينهم والاضرار بسمعتهم.
وبينما يُجادل البعض بان انشاء حساب على الوسائط الالكترونية هو أمر شخصي يندرج في اطار الحريات غير القابلة للتقييد وفقا للدستور، غير ان الواقع على فضاءات «تويتر» مثلا يضعف مثل ذلك الجدل، لا سيما عقب تزايد حسابات وهمية تتناسل يوما تلو آخر وتنشر شائعات وأشياء اخرى مقيتة تهدد سلام المجتمع.
القبس ترصد مخاطر الحسابات الوهمية على مواقع التواصل، وتستمزج آراء أكاديميين ومختصين في الأسطر التالية:

د. فواز العجمي

يقلل أستاذ الإعلام في كلية الآداب بجامعة الكويت د. فواز العجمي، من خطورة «الحسابات الوهمية»، معتبرا اخفاء الهوية «سمة من سمات عالم الانترنت ووسائل التواصل»، مبيناً أن «فلترة» تلك الحسابات أمر يصعب التحكم فيه والسيطرة عليه بقانون.
ويفرّق العجمي بين نوعين من تلك الحسابات الوهمية، ويرى ان بعضها يلعب لها دوراً إيجابياً وتبث معلومات ودلالات مفيدة أحياناً، في حين النوع الثاني يبث اشاعات ومعلومات مغلوطة، وهؤلاء الأدعى الى المحاسبة.
ويرى أن الحسابات الوهمية ظاهرة عالمية، تستدعي اتفاقا عالميا على محاربتها وردعها، في حين الجهود المحدودة لن تجدي نفعاً، سواء في «تويتر» أو «انستغرام»؛ لأن تلك المنصات لن تبوح بمعلومات سرية عن مستخدميها.
وشدد على ضرورة وضع قوانين تمنع نشر الكتب الرسمية، لردع من يوصلها الى تلك الحسابات، لافتا الى قدرة ومهارة الأجهزة الأمنية في بلادنا على ضبط اصحاب تلك الحسابات، لكنه يشدد على أهمية ان تكون هناك وقفة حكومية جادة لمعرفة طبيعة تلك الحسابات واصحابها ومن يمدها بالمعلومات، «وهو أمر أكثر أهمية من إيجاد قانون لمنعها».

التعامل بحذر

د.حنين الغبرا

من جهتها، دعت أستاذة الاعلام بكلية الآداب د.حنين الغبرا، الى التعامل بحذر مع مسألة تقييد الحسابات الوهمية، ذلك أن السيطرة عليها قد يخلق قدراً من المقاومة والكراهية من أفراد. ولفتت الغبرا الى ضرورة تمتع قوانين الاعلام بالحرية والديموقراطية، حيث لا يمكننا تحديد المتحكّمين في الاعلام ويصعب تحديد الحسابات الوهمية من غيرها، مؤكدة أنه لا تنبغي معاقبة أصحاب تلك الحسابات على ما يبثونه من معلومات.
وأوضحت أن المشكلة قد تتمثل في استهداف الحساب الوهمي لإحدى فئات المجتمع أو ممارسة العنصرية تجاه بعض الأصول، مؤكدة أن انشاء حسابات وهمية لملاحقة شخصيات بالمجتمع أمر غير صحي، لكن في المقابل هناك حسابات تبدو وهمية وتطرح اشياء ناقدة لبعض المظاهر السيئة في المجتمع، بعيداً عن لوم ونبذ المجتمع لآرائها.

عدم التجاوز

د.ياسين الياسين

بدوره، يقول أستاذ الاعلام في جامعة الكويت د.ياسين الياسين إن التعاطي بالأسماء المستعارة ليس وليد وسائل التواصل الحديثة، فهو أمر معلوم ودارج في الاعلام والصحافة ووسائل أخرى كثيرة قبل ظهور البرامج الحديثة.
وبيّن الياسين أن الهدف من جعل الحساب وهميا أو باسم مستعار، يختلف من حساب الى آخر ومن شخص الى غيره، فهناك حسابات وأشخاص يهدف اصحابها الى ابعاد نفسهم قدر الامكان عن مساءلة الجهات المعنية وقول وكتابة ما يريدون، حتى وان كان مخالفا للقانون، وآخرون يمقتون الشهرة ويعتبرونها تضيّق حياتهم، وغيرهم ممن لا يثقون بانفسهم فيلجأون الى التخفّي، ناهيك عن فتيات تمنعهن من الظهور العلني أمور قبلية أو عائلية. وشدد على انه «من باب الحريات، يحق للشخص الذي لا يريد اظهار اسمه أو شخصيته بذلك لأي سبب كان، فلكل شخص ظروف مختلفة، مع ضرورة عدم تجاوز القانون».

التخفّي.. وهم

د. علي الدوسري

من جانبه، أكد أستاذ القانون في جامعة الكويت د. علي الدوسري قدرة الجهات المختصة على الوصول الى أصحاب الحسابات الوهمية والأسماء المستعارة في برامج التواصل، لا سيما اذا ارتكب أحدهم أي تجاوز أو مخالفة للقوانين أو التشريعات.
وقال الدوسري: واهم من يظن انه بعيد عن المساءلة القانونية لمجرد تخفّيه وراء الحساب الوهمي أو الاسم المستعار، وأنه يحق له كتابة كل ما يريد ويتجاوز القانون، فصاحبا الحساب الحقيقي والوهمي متساويان أمام القانون، والأجهزة المختصة تستطيع الوصول عبر طرق كثيرة، لا سيما في وجود مباحث الكترونية متخصصة وجهات أخرى معنية بالأمور الالكترونية.
وشدد على أن من ينشر أخبارا كاذبة أو يسب ويقذف آخرين، أو يتهم أشخاصا أو مسؤولين بأمور غير صحيحة، أو يخالف مواد ونصوصا قانونية كقانون الوحدة الوطنية أو غير ذلك، فإنه سيكون تحت طائلة المساءلة القانونية من قبل الجهات المعنية، حتى وإن كان مسجلاً بحساب وهمي أو باسم مستعار.
أما أستاذة علم النفس في جامعة الكويت د. نعيمة الطاهر، فتقول ان أصحاب الحسابات الوهمية والأسماء المستعارة في وسائل التواصل تدفعهم أسباب مختلفة، مبينة أن اصحاب بعضها فعلوا ذلك برغبة منهم لحماية أنفسهم من المساءلة القانونية أو الضغوط الاجتماعية، وهناك آخرون يرون أنفسهم مشهورين ولا يريدون ان يعرفهم الناس عند نشر ارائهم أو أفكارهم او توجهاتهم عبر وسائل التواصل التي يشاهدها الكثيرون.
وبيّنت الطاهر أن هناك نساء يعتمدن حسابات وهمية للترويج لأفكارهن او آرائهن لأسباب قبلية أو عائلية تبعدهن عن الحرج او الضغوط.

التخفي وراء رموز أجنبية

 

كشفت مصادر في أمن المعلومات ان الكثير من الحسابات الوهمية تصعب مراقبتها او معرفة مصدر وجودها، نظرا لاستخدام اصحابها خاصية التخفي Vpn التي تسمح لهم باستخدام الشبكة العنكبوتية من دون ظهور شخصياتهم الاصلية. وأوضحت المصادر لـ القبس ان خاصية التخفي يحصل عليها اصحاب الحسابات الوهمية من شركات متخصصة في المجال، ولا تسمح للبلدان الاطلاع على بيانات مستخدميها، نظرا لعدم وجود اتفاقيات مع البلدان المعنية بها بشأن كشف الهويات او مواقعهم الاصلية، نظرا لان الخاصية ليست مجانية وتم الحصول عليها مقابل مبالغ مالية.
وذكرت ان الكثير من الهاكرز والشركات المختصة في المجال يساعدون الحسابات الوهمية في زيادة نشاطها وتوسع انتشارها وتثبيتها بشكل رسمي في مواقع التواصل، بارقام هواتف اجنبية، وان تلك الشركات قادرة على توفير اي معلومة عن اي حساب خاص او موقع حكومي او شركات خاصة لا يتمتع نظامها الامني الالكتروني بقدر كاف من الحماية المطلوبة، مما يمكن استغلاله في تسريب وثائق وقرارات ونشرها عبر حسابات وهمية للابتزاز او التأثير السلبي. وقالت ان مصدر عمليات الاختراق النشطة التي تستغل رموز الـ Vpn تركيا وبريطانيا واميركا وبلدان اخرى، حيث يتم توفير ارقام بث ip منها عبر التطبيقات يتم شراؤها للتخفي خلال استخدام الانترنت في الكويت، للوصول الى مواقع مغلقة او نشر إشاعات.
الى ذلك، كشفت مصادر مطلعة لـ القبس ان الاجهزة الامنية المختصة في البلاد تنسق بشكل مستمر عبر وحدات مختصة مع بلدان اجنبية لملاحقة بعض الحسابات وكشف هوية اصحابها، لا سيما التي تقع ضمن الاتفاقيات الدولية الخاصة بالاتصالات واستخدام شبكة الانترنت.

إغلاق.. وفتح

رأى مراقبون ان اداء ادارة الجرائم الالكترونية التابعة لوزارة الداخلية كان جيدا بملاحقة الحسابات التي ترد بشأنها بلاغات وشكاوى، الى جانب اغلاق بعض الحسابات التي تبث الاشاعات والاخبار الكاذبة، الا انه بسبب سهولة انشاء حسابات جديدة فإنها تظهر من جديد، الى جانب ان معظم هذه الحسابات ينشأ من الخارج، بالتالي لا سلطة للقانون المحلي بملاحقتها او اغلاقها.
يذكر ان «الجرائم الإلكترونية» كانت اغلقت في نوفمبر الماضي مئات الحسابات الوهمية المنتشرة على مواقع التواصل، خصوصاً على «تويتر»، حيث يستغلها بعضهم في نشر الأكاذيب والاتهامات وضرب الوحدة الوطنية، وجرى ضبط بعض القائمين عليها وإحالتهم إلى المحاكمة، حفاظاً على الأمن والاستقرار في البلاد. وكشفت مصادر لـ القبس وقتها، أن «الجرائم الإلكترونية» سجلت نحو 2000 قضية منذ بداية 2018 وحتى نهاية أكتوبر من العام الماضي، تنوّعت بين التشهير والسب والقذف والابتزاز والقرصنة وانتحال صفة وغيرها من القضايا. وذكرت أن آخر الإحصائيات أظهرت أن أعداد مستخدمي وسائل التواصل في البلاد ارتفعت إلى نحو 3 ملايين شخص، بينهم أكثر من مليون مغرّد على «تويتر».

فكاهيون وهميون!

تنتشر في الفضاء الإلكتروني حسابات بأسماء مستعارة تتخذ من الفكاهة طريقا لجذب المتابعين، وتبث بين حين وآخر بعض الاخبار، الا ان اصحابها غالبا ما يكونون معروفين بالمجتمع المحيط بهم، بانهم من يديرون هذا الحساب او ذاك، الامر الذي جعلهم يحتجون امس على طريقة تداول ملف الحسابات الوهمية في البرلمان، معلنين بصوت واحد: «لا تشملونا باتهامات بثّ الاشاعات وتفريق المجتمع».

إحصائيات ديسمبر

أظهرت احصائية موقع goya عن اكثر الحسابات كسبا للمتابعين خلال ديسمبر، ان احد الحسابات الوهمية الذي يغرّد من خارج الكويت، حصل على المركز الاول، حيث كسب 20618 متابعا، رغم حداثة انشائه، في حين ضمت القائمة حسابين وهميين آخرين كسب كل منهما نحو 4 آلاف متابع في شهر واحد، وكسب حساب مجلس الوزراء الرسمي نحو 16 الف متابع.

تباين بين المغرِّدين

تفاعل مغرّدون كثُر على «تويتر»، مع موضوع نقاش البرلمان لمسألة الحسابات الوهمية، ورأى بعضهم أنها حسابات مثيرة للفتن ومزعزعة للوحدة الوطنية، وطالبوا بضرورة وضع حد لانتشار تلك الحسابات التي أمِنت العقوبة فاساءت استخدام منصّات التواصل، في حين رأى آخرون ان من باب اولى الاهتمام بقضايا اهم من الحسابات الوهمية والالتفات لها؛ كإسقاط القروض والتقاعد المبكر.

جميع الحقوق محفوظة