السبت 26 مايو 2018

«الأسرار المدفونة» ... في حياة حفّاري القبور

«الأسرار المدفونة» ... في حياة حفّاري القبور

«الأسرار المدفونة» ... في حياة حفّاري القبور

حفروا الكثير من القبور، وأهالوا التراب على جثامين من جناسي شتى، يعملون في كل الظروف، بالحر والبرد، في صمت ربما لحرمة المكان وطبيعة العمل، لكنهم الآن يتكلمون مع «الراي» عن أسرار مهنتهم المدفونة. إنهم حفارو القبور في مقابر الكويت الذين يهندسون عملية انتقالنا من الدنيا للآخرة، بساطة وطيبة تخفي حكمة قل تواجدها، وربما نمت وترعرعت بالوجود جوار من انتقلوا إلى دار الحق. اختلفوا في نظرتهم لتفاصيل مهنتهم، فبعضهم يود لو عمل بها أبناؤه وبعضهم لا يرغب بذلك، لكنهم أجمعوا على أمر واحد لخصوه بعبارة «الله يعز الكويت التي توفر كل شيء متعلق بالدفن بالمجان». رواتبهم تلامس الـ 400 دينار، لكن الفائدة الأكبر من هذه المهنة، كما يراها الحفارون، هي قربهم من المولى عز وجل، يعملون 24 ساعة، ثم يحصلون على عطلة 48 ساعة، ويدبرون طعامهم بأنفسهم، وما بين العمل والراحة حكايات أياد تحمل أجساداً فاضت أرواحها لخالقها. غالبيتهم من المصريين، وقليل من السوريين، وثلة من الهنود والبنغال، يتوضؤون قبل البدء في عملية الدفن، وأكثر ما يعيق عملهم تدخلات بعض أقارب المتوفين. بعضهم اشترى أرضاً في بلاده ليبني قبره فربما هم أكثر الناس خبرة بتلك الحفرة التي تفصل بين الحياة والموت. البداية كانت مع حفار القبور أسامة رمضان الذي يعمل في هذه الوظيفة منذ عشر سنوات، ويعمل كذلك على تشغيل المعدات التي تساعد في حفر القبور. رمضان استهل كلامه مع «الراي»، قائلاً «البدء في تجهيز القبر يكون من خلال استخدام الحفارة، ويكون طول القبر قرابة مترين وعرضه متر وعمقه قرابة 1.7 متر. حفارو القبور يقومون بعد حفر القبر بواسطة آلة الحفر بتجهيز أطرافه وأجنابه لجعلها متساوية ومعدة لاستقبال الجثمان. وبداخل القبر يتم اعداد اللحد والمصطبة التي يوضع بجانبها الجثمان». وعن آلية العمل والتنسيق، يقول رمضان «يتم ابلاغنا من صالة الجنائز بعدد المتوفين في كل يوم، ويبدأ الدفن إما صباحاً قرابة الساعة التاسعة، أو بعد صلاة العصر»، مضيفاً «الجنائز تأتي بالدور تباعاً، وكل جثمان يكون معه إما عاملان أو ثلاثة من الحفارين ليحملوه وينزلوه القبر». وعن الحالات التي لا يكون فيها للمتوفي أقارب من الحضور، قال «إذا كان هناك جنازة ليس بها أقارب للمتوفى يستطيعون النزول للقبر، يقوم العمال عندئذ بتلك المهمة، وهناك أقارب بعض المتوفين يفضلون أن يقوموا بأنفسهم بحمل الجثمان». وحول الفرق في التعامل بين جثامين الرجال والنساء، بين رمضان أن «التعامل مع جثامين النساء يكون من خلال فتح أربطة الكفن (عند الأرجل والوسط والرأس) فقط دون اللمس. وإذا كان الجثمان لرجل نقوم بكشف وجه، أما إذا كان الجثمان لأنثى فأهل المتوفى هم من يقومون بتلك المهمة». وتحدث رمضان عن التوقيت والمدة التي تستغرقها عملية انزال الجثمان للقبر، قائلاً «تستغرق عملية إنزال قرابة من 10 إلى 15 دقيقة»، واستدرك قائلاً «لكن تدخلات البعض ممن يحضر عملية الدفن هي التي تعطلنا عن عملنا». وفيما يتعلق بالفرق بين عمليتي الدفن سابقاً وحالياً، أوضح رمضان «في السابق كان يتم حفر القبر بالكامل من خلال أدوات الحفر التقليدية البدائية، وهذا كان أمرا مرهقا، لأنه أحياناً يتم الاصطدام ببعض الصخور التي تحتاج لتفتيت، أما الآن فالأمر بات أكثر سهولة مع آلة الحفر المتقدمة». وعن الرواتب التي يتقاضاها الحفارون، قال رمضان «تتراوح بين 375 و410 دنانير، وهم يعملون وفق نظام الاستعانة بخدمات أو من المعينين. ونظام الدوام هو العمل لمدة 24 ساعة ثم الراحة لمدة 48 ساعة». رمضان الذي رزقه الله بابنه عمر، أكد أن بعض الحفارين أسرهم موجودة معهم في الكويت، لكن أسرته هو تعيش في مصر. وسألنا رمضان عن التمائم والتعويذات التي يقول البعض أنها موجودة في المقابر، فأجاب بالقول «إذا وجدنا أي تمائم أو تعويذات سحر يتم الإبلاغ عنها فوراً، وكذلك إذا ساورنا الشك بأي شخص يقوم بتصرفات مريبة نقوم بالإبلاغ فوراً». رمضان الحاصل على شهادة الدبلوم لا يخجل مطلقاً من مهنته، وبين ذلك بقوله «لا أخجل من مهنتي فهي مهنة عادية ربما تكون أفضل من مهن كثيرة، وقد أتيت للكويت للعمل كسائق ثم انتقلت بعد ذلك للعمل كحفار قبور». وتابع «أحفر ليلاً وقد اعتدت على الأمر ومقابر الكويت لا تخفيني، وكل أمورنا مسهلة ولا يوجد أي مشاكل، وبالنسبة للطعام نقوم نحن بتدبيره وتوفيره لأنه من ضمن الراتب هناك بدل طعام». وعن جنسيات الحفارين، بين أن «غالبية الحفارين من المصريين وهناك سوريون وهنود وبنغاليون، ويشترط أن يكون الحفار مسلماً. ولا يوجد حفار كويتي وهناك مغسلو موتى وسائقون من الكويتيين، لكن لا يوجد حفارو قبور كويتيون». من المقبرة من الكوابيس إلى العمل الروتيني حول طبيعة الخوف من المهنة قال الحفار أسامة رمضان «كنت في البداية أخاف وأحلم بكوابيس، لكن الآن اعتدت الأمر فأنا أعمل بشكل يومي، هذه المهنة جعلتني أقرب للمولى عز وجل فأنا أعمل في آخر مكان في هذه الدنيا». وعن الأوقات الصعبة التي يعمل بها قال «العمل في الصيف أصعب كثيراً من العمل في الشتاء، وكذلك خلال شهر رمضان تكون عملية الدفن أكثر مشقة ولذلك يكون الدفن في رمضان ليلاً». وأضاف «أحرص على أن أكون متوضئاً قبل بداية الحفر وهذه المهنة علمتني أن أعد العدة لقبري قبل أن أوضع فيه. وأقوم بزيارة المقابر خلال اجازتي في مصر، وقد اشتريت قطعة أرض لأبني عليها قبري». لا تفرقة بين قبور المواطنين والوافدين وزاد«لا يوجد تفرقة بين قبور الكويتيين وغير الكويتيين فقبر الكويتي بجانب قبر الهندي أو المصري أو السوري أو غيره من الجنسيات دون أدنى تفرقة ولا يوجد من يختار مكان قبره في البداية أو النهاية أو غير ذلك. لا يوجد حفارة قبور من النساء فقط يوجد عنصر نسائي في عملية الغُسل وليس حفر القبور». الحفّار يريد ابنه محامياً أبو عمر رغم حبه لمهنته لكنه لا يحب أن يعمل ابنه بها، فقد قال «لا أحب أن يعمل ابني عمر في مهنتي ليس كرهاً فيها وإنما حباً في أن يكون بمكان أفضل، زوجتي جامعية وأتمنى أن يكون ابني جامعيا مثلها». واختتم حديثه بالقول«الله يعز الكويت التي توفر كل شيء متعلق بالدفن بالمجان سواء سيارة نقل الموتى أو الغسل أو الدفن وهذا إكرام للميت لكن في بعض الدول يكون الموت موت وخراب ديار». صابر: قبور سهلة الحفر وأخرى متعبة التقت «الراي» كذلك مع حفار القبور صابر عبد المنصف البالغ من العمر 42 عاماً و الذي يعمل منذ عامين تقريباً بهذه المهنة حيث أكد أن هذه المهنة تتميز بأنها تقربه من الله. وأضاف «هناك قبور تكون سهلة الحفر وهناك قبور أخرى متعبة تحتاج لجهد. لدي بنت وولدان، ولو رغب أحدهم في العمل في نفس المهنة لن أمانع فالعمل ليس عيباً وهذه مهنة تزيد من قربنا من المولى عز وجل، لكن أيام الحر والرطوبة أصعب ما يواجهنا». أشرف: الجثمان الكبير نوسع له القبر محطة «الراي» الأخيرة كانت مع الحفار أشرف أحمد الذي تحدث عن مقاسات القبور، قائلاً«مقاسات القبور موحدة، ولكن هناك بعض الحالات التي يكون فيها الجثمان كبيرا فنحتاج لتوسعة القبر ويبلغنا بذلك المغسلون».

جميع الحقوق محفوظة