الأحد 22 نوفمبر 2020

ظاهرة مخيفة في لبنان.. «كورونا» يحصد عائلات بأكملها

ظاهرة مخيفة في لبنان.. «كورونا» يحصد عائلات بأكملها

ظاهرة مخيفة في لبنان.. «كورونا» يحصد عائلات بأكملها

توّجت جائحة "كورونا" أهوالَها في لبنان وعليه بظاهرةٍ كارثية حين بدأ الفيروس الفتّاك يحصد أرواح عائلات بأكملها في موجةٍ مخيفة أثارت الذعرَ في قلوب المواطنين وشكّلت مثار تساؤل جدّي وسط الناس والأطباء حول أسباب هذه الظاهرة التي بدت صارخة في لبنان أكثر من سواه من البلدان. ...هل هو الحظ العاثر يلقي بتبعاته مرة جديدة على البلد المنكوب ويخبط خبط عشواء مختاراً ضحاياه بلا أي معيار؟ أم ثمة أسباب صحية وعناصر جينية كما بدأ يُشاع تتسبب في جعل الفيروس قاتلاً وسط العائلة الواحدة يفتك بأرواح أبنائها واحداً تلو الآخر؟ ضجّ لبنان في الأيام الماضية بأخبار مأساة جديدة ضربت عائلة صفوان في منطقة الهرمل البقاعية بعدما خطف الفيروس شقيقيْن بعمر الشباب بفارق أسبوع بينهما. فلم تكد العائلةُ تستفيق من فاجعة وفاة ابنها "علي" طالب الماجستير في الحقوق البالغ 24 عاماً حتى منيت بصدمة وفاة شقيقته "فردوس" طبيبة المختبر وخريجة كلية الطب في الجامعة اللبنانية التي لم تتجاوز 27 من عمرها. مقتل أميركي برصاص قوات الأمن في بوركينا فاسو منذ 50 دقائق اليابان قد تحد من عدد الحضور في المناسبات الكبيرة مع ارتفاع حالات كورونا منذ 59 دقائق والشقيقان لم يعانيا سابقاً من أي مشاكل صحية تُذكر يمكن أن تتتسبب بمضاعفات، كما لم يُعرف إذا كانت الطبيبة قد التقطت الفيروس أثناء عملها في مستشفى رفيق الحريري الجامعي ونقلتْه إلى شقيقها أم العكس. ولكن وفاتهما دقّت ناقوس الخطر في لبنان بسبب تدهور حالهما السريع، فوجّه نقيب الأطباء دعوة لكل العاملين في القطاع الصحي الى الحذر الشديد واعتماد كلّ مستلزمات الوقاية، وتخصيص الأولوية لعلاج الطاقم الطبي والتمريضي في حال أُصيب أحدهم، لضمان عودتهم سريعاً لعلاج المرضى. أما بلدة بخعون الشمالية التي فُجعت بوفاة ثلاثة أشخاص من عائلة واحدة، فلم تكن بعد التقطتْ أنفاسَها واستوعبتْ صدمتَها حتى مُنيت بخسارة جديدة ضمن العائلة نفسها التي أصابتْها "لعنة كورونا"، مع وفاة بسام الصمد بعد والده عبد الجليل ووالدته عائشة وشقيقه فادي، علماً أن الوفيات المتتابعة حصلتْ بفارق أيام فقط. علماً أن "كوفيد-19" لم يوفّر شقيقاً ثالثاً وشقيقة كانا يعالجان في المستشفى الحكومي في طرابلس جراء التقاطهما الفيروس. وقد أحدث خبر وفاة الفرد الرابع في العائلة صدمةً في بلدتهم وعلى صعيد لبنان عموماً. بدورها شهدت منطقة الدورة (ضاحية بيروت الشمالية) مأساةً عائلية، إذ حصد الفيروس ثلاثة أشقاء من عائلة واحدة، فتوفيّت أناستازيا بودجي ( 64 عاماً) في إحدى المستشفيات اللبنانية، بعد خمسة أيام على وفاة شقيقيها ديميتري (70 عاماً) ود.فاسيلي بودجي (58 عاماً) اللذين كانا قضيا بسبب كوفيد 19 في اليوم نفسه. وكان الإخوة الثلاثة يسكنون في منزل مشترك وكلهم عازبون. وحده ديمتري بينهم كان يعاني بعض المشاكل الصحية. أما فاسيلي وأناستازيا فتَمَتّعا بصحة جيدة قبل وقوعهما في "شِباك" كورونا. حالة جينية تصيب العائلات وتتوالى الأخبار المشابهة المُحْزِنة والمُقْلِقَة. فقبل عائلة بودجي، توفي شقيقان في الأربعينات من عمرهما في منطقة كفرزبد البقاعية، وسَبَقهما شقيقان رياضيان في جنوب لبنان. وهذه الفواجع طرحت تساؤلات مشروعة تتطلب إجابات شافية يبدو أن الطب ليس قادراً على إعطائها في الوقت الحاضر. "الراي" استطلعت رأي الاختصاصية في الأمراض الجرثومية والمعدية في مستشفى هيكل وعدد من المستشفيات اللبنانية د. منى يوسف لتقف منها على ما تقوله الأبحاث حول هذه الظاهرة المخيفة. وتؤكد يوسف أن ظاهرة وفاة أفراد من عائلة واحدة نتيجة الإصابة بفيروس كوفيد-19 "لها أسباب جينية بالتأكيد وليست ناجمة عن تواجدهم جميعهم في منزل واحد غير معرّض للتهوئة الجيدة كما قال البعض. وقد نُشرت حتى اليوم العديد من الدراسات في الصين وأميركا وأوروبا حول ما بات يعرف باسم Covid-19 Familial Clusters أو وفاة أشخاص عدة من عائلة واحدة. ويُلاحظ في هذه الحالات تَعَرُّض أفراد العائلة لمضاعفاتٍ شديدة وخطرة جراء الفيروس تؤدي لتدهور حالتهم بشكل سريع نتيجة التهابات حادة وتليّف في الرئتين ومن ثم الوفاة". وفي حين أن تعدد الإصابات داخل العائلة الواحدة ليس مستغرَباً نظراً لكون أفرادها يعيشون في مكان واحد وتنتقل العدوى بسهولة فيما بينهم، إلا أن تَفاقُم الحالات داخل العائلة الواحدة واضطرار أفرادها لدخول العناية المركّزة الواحد تلو الآخَر وبلوغ الوفاة هو ما يثير التساؤلات. الرأي العلمي السائد حالياً يميل الى اعتبار تعدُّد الوفيات ضمن العائلة الواحدة ناجماً عما يعرف بـ Genetique polymorphism وهو حالة طبية تعني وجود قطعة من الجينات على الكروموزوم مختلفة عند هذه العائلة، وقد تتواجد عند بعض أفرادها وليس بالضرورة عند الجميع . وقد دلّت الأبحاث أن وجود هذه الحالة الجينية يلعب دوراً كبيراً جداً في تجاوب جسم الفرد مع الفيروس حين يلتقطه. لكن السؤال الذي لم يستطع العلم بعد الإجابة عنه نظراً لكون كوفيد-19 فيروساً جديداً هو لماذا يتجاوب الجسم بطريقة مختلفة بين مريض وآخَر، فتمرّ العدوى دون أي أعراض عند البعض فيما تتطور حالة 10 الى 20 بالمئة من المُصابين وتحدث عندهم التهابات في الرئتين و 5 بالمئة منهم يحتاجون الى عناية وقد يؤدي بهم الأمر الى الوفاة. ثمة عائلاتٌ ثلاث في لبنان تدهور وضع أفرادها بشكل مأسوي أدى الى الوفاة وذلك بمعزل عن أعمار المرضى الذين كان عدد من المتوفين بينهم في عمر الشباب وهو الأمر الذي أثار الاستغراب. ولكن وجود هذا الاستعداد الجيني Genetique polymorphism لدى بعض العائلات يجعلها مختلفة عن سواها ويعرّض أفرادها الذين يحملونه الى القيام بردة فعل مناعية حادة ومؤذية تولد عاصفة السيتوكين التي بات معروفاً أنها السبب في التهاب وتليّف الرئتين. وتكون هذه العاصفة حادة وقوية جداً بحيث تحْدث جراءها مضاعفاتٌ خطرة تؤدي لدخول المريض العناية المركزة ويمكن أن تُفْضي الى الوفاة بشكل سريع. هل شهد الفيروس تحوّلاً جينياً؟ هذا التفسير هو حتى اليوم الأكثر ترجيحاً، وحالياً يجري درْس احتمال أن يكون قد حصل تغيير جيني في الفيروس. ولكن هذا الطرح غير مثبت علمياً ولتأكيده يجب أخذ عينات من الفيروس من الأشخاص المتوفين ودرْسها خارج لبنان لمعرفة إذا كان هذا هو الفيروس نفسه المنتشر في العالم أم أنه خضع لتغيير جيني وصار أكثر خطراً وصودف أن أصيبت به عائلة معينة. تؤكد د. منى يوسف أنه لا يمكن الجزم بوجود سبب واحد لحالات الوفيات ضمن العائلة الواحدة، وهذا الأمر لا يزال نادراً في العالم ولكن ما يمكن تأكيده أن تضافر عدة عوامل هو الذي يولد حالات حادة. و يمكن جمع هذه العوامل تحت عناوين ثلاثة هي: نوعية الفيروس. طريقة العدوى وكمية الحِمْل الفيروسي الذي تَعَرَّضَ له الفرد. جينات الجسم ومناعته وقدرته على مواجهة الفيروس والتخلص منه بأسرع وقت. قد يبدو هذا الشرح العلمي مخيفاً ولا سيما مع تكرار الحالات في لبنان، ولكن تبقى الوقاية بحسب التوصيات الطبية وتوصية منظمة الصحة العالمية هي السبيل الوحيد لتجنب التقاط العدوى، مع اعتماد التباعد الاجتماعي حتى ضمن العائلة الواحدة والحرص الشديد على تهوئة البيوت والغرف المقفلة بشكل كافٍ تجنُّباً لتراكُم كمية كبيرة من الفيروس في حال أصيب أحد أفرادها، والعمل على عزْل المُصاب واتباع كل تدابير الوقاية الممكنة لمنع انتقال العدوى إلى بقية أفراد الأسرة.   

جميع الحقوق محفوظة